الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الانفصام الاجتماعي وأتكلم مع نفسي، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 16 سنة، والدتي مصابة بمرض نفسي، لا أعلم تحديدًا إن كان فُصامًا أم انفصامًا، لكننا اكتشفنا حالتها منذ عدة سنوات، هي تتحدث مع نفسها كثيرًا، وغالبًا لا تكون واعية، وتأخذ أدوية لذلك.

أما أنا، فلديّ مشكلة منذ طفولتي، أي قبل أن نكتشف مرض أمي، لا أعلم إن كانت مشكلة أم حالة نفسية، لكنها غريبة حقًا.

أنا أعيش في خيالي بشكل كبير، بل ربما لا يمكن حتى تسميته "خيالًا"، لأن ما يحدث هو أن عقلي يتحكّم فيّ لا إراديًا بطريقة شديدة، وكأنني أفقد السيطرة.

أتخيل نفسي شخصًا مختلفًا تمامًا، أعيش حياة أخرى، مع أشخاص مختلفين، وأشعر بقربهم أكثر من الناس الحقيقيين حولي، كأنني أعيش في عالم موازٍ.

أحيانًا أنسى نفسي تمامًا، ثم أعود إلى هذا العالم مرة أخرى.

أتخيل أشخاصًا جالسين أمامي على الأريكة، وأحيانًا أبكي قبل النوم لأن عقلي يتخيل أنهم ماتوا! مع أنهم من الأساس غير حقيقيين ولا وجود لهم، لكنني أتأثر جدًا وأحزن عليهم، ويؤلمني قلبي وأبكي حتى أشهق وأنام وأنا أبكي.

أيضًا، وأنا صغيرة، في المرحلة الابتدائية، كنت أقف أمام المرآة لساعات وأتحدث مع نفسي، وأضحك بصوت عالٍ، وكان صوت ضحكتي يُسمع أحيانًا.

لا أستطيع التركيز في أي شيء، فكل ما يدور حولي يتحوّل تلقائيًا في عقلي إلى خيال أو قصص، في المدرسة، في الشارع، في البيت، حتى وأنا أشاهد التلفاز أو أكون بين أهلي، أسمعهم وأردّ عليهم، لكنني في داخلي بعيدة تمامًا عنهم، وكأنني أعيش في حوارات داخلية في رأسي، أكمّل بها القصص التي في عقلي.

حتى في المدرسة، عندما أكون مع صديقاتي، أتخيل مواقف وأتفاعل معها، وأحيانًا أكتم ضحكتي فتخرج في شكل ابتسامة، والمدرسون يسألونني، والطالبات يسألنني، وأنا أجيبهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sarah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، أسأل الله تعالى لوالدتك العافية والشفاء.

طبعًا هذه الأمراض العقلية مثل الفصام وغيره تتطلب متابعة مع الطبيب، والحمد لله الآن توجد أدوية فعّالة جدًّا، فوالدتك من المفروض أن تكون تحت ظرف نفسي أكثر من ذلك، يعني: من المفروض أن تُعطى الأدوية التي تُساعدها في التحكّم في أعراضها، فأرجو مراجعة الطبيب، واجتهدي مع والدتك، والله تعالى فتح لك بابًا عظيمًا من أبواب البِرّ.

أرجو ألَّا تتأثري بحالتها تأثُّرًا سلبيًّا، بمعنى أن التجربة التي تمرّين بها الآن؛ وهي مجرد حالة تطوّرية طبيعية نسمّيها بـ (أحلام اليقظة)، لا أريدك أبدًا أن تتأثري بحالة والدتك وتصيبك الهموم والوساوس أنه قد يحدث لك مثل ما حدث لوالدتك، هذه نقطة مهمّة جدًّا.

الأمر الثاني، وهو مهمٌّ جيد، هو: أن تفهمي أن حالتك هذه – كما ذكرتُ لك – هي حالة تحدث لكثير من الناس الذي هم في عمرك، مرحلة التكوين هذه تكون فيها أفكار متداخلة، تكون هنالك تجاذبات كثيرة جدًّا، يكون هنالك شيء من الوسوسة، عدم الاستقرار النفسي، كلّ هذا يحدث في هذه المرحلة التطورية، وهذا لا نعتبره مرضًا أبدًا.

أرجو أن يكون كلامي هذا واضحًا ومطمئنًا لك، وحتى تتخلصين من هذه الحالة وترجع الأمور إلى وضعها الطبيعي أريدك أن تتجنبي السهر، أهم شيء أن تنامي ليلاً نومًا طيبًا مبكِّرًا، النوم المبكّر يعطي الدماغ فرصة كبيرة لأن تستقر المواد الكيميائية الدماغية بصورة إيجابية، ويمكن أن نقول أنه يحدث نوعًا من التشابك الإيجابي بين خلايا الدماغ، يحدث نوعًا من الترميم، وهذا يجعلك إن شاء الله تعالى تستيقظين مبكِّرًا نشطة، تُصلّين الفجر، وأنا دائمًا أنصح الطُّلاب بأن فترة البكور – الفترة الصباحية – ما بعد صلاة الفجر هي أفضل وقت يمكن للطلاب أن يدرس فيها، خاصة المواد التي تتطلب الحفظ، وهذه الفترة الصباحية إذا درس الإنسان ساعة واحدة هذا قد يكفيه تمامًا، لأن الساعة الواحدة في هذا الوقت تعادل ساعتين أو ثلاثة في بقية اليوم.

أريدك أيضًا أن تجلسي مع أسرتك، أن تتواصلي مع صديقاتك، أن تحرصي على صلواتك، أن تقرئي الكتب الغير أكاديمية، الكتب الثقافية مثلاً، أو الأدبية، أو الكتب الدينية، هذه أيضًا تُؤدي إلى تحسُّن في التركيز، وتُؤدّي إلى استقرار نفسي كبير.

أنت محتاجة لتطبيق تمارين نسمّيها بتمارين الاسترخاء، هنالك تمارين للشهيق وللزفير وقبض الهواء في الصدر، وهنالك تمارين أيضًا لشدِّ العضلات ثم إطلاقها، مفيدة جدًّا، يمكن أن تستفيدي من بعض البرامج الموجودة على اليوتيوب والتي توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، فأرجو أن تقومي بالاطلاع على بعض هذه البرامج وتقومي بتطبيق هذه التمارين، مفيدة جدًّا.

أنت لست في حاجة لأي علاج دوائي، وأرجو أن تتبعي ما ذكرتُه لك من إرشاد، وأتمنى أن تكون الأمور الآن أكثر وضوحًا بالنسبة لك، وأكرر أن حالة أحلام اليقظة هذه وما يأتيك من أعراض قلقية ووسواسية هذه ظاهرة بسيطة ومؤقتة وعابرة، وسوف تنتهي إن شاء الله تعالى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً