الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مررت بظروف قاسية وتبدلت أحوالي وانعدم تفاؤلي، فهل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مررت بظروف قاسية وصعبة، وتبدلت جميع أحوالي، من طالبة مجتهدة إلى كسولة، وتم فسخ خطبتي، علماً بأني أرملة، ترملت وأنا في سن 15، وعندي ابنة يتيمة، وحالتي لم تكن سيئة مثل الآن! حتى لم أعد أبالي، ولا أهتم بصحتي الجسدية.

الآن لا أريد سوى أن أجلس في البيت وحيدة، وأدعو ربي من الصباح إلى المساء، وهكذا كل يوم حتى ألقى ربي، ولكن يوجد الكثير من المسؤوليات على عاتقي، مثلاً: ابنتي اليتيمة، فأنا من بعد مصابي لا أستطيع حتى التكلم مع بنتي، وأنا الأرملة، فأنا أسكن معها، ولكن فعلاً أنا بحالة نفسية سيئة جداً منذ أربعة أشهر، أي من بعد أن تبدلت جميع أحوالي، وأنا أبكي وأدعو، حتى إن عيني تورمت من البكاء، ولا أحب أن أعمل أي شيء غير الجلوس والدعاء، حتى أعمال المنزل أحس أنها مضيعة للوقت.

كنت بنتاً مرحة جداً، محبة للحياة متفائلة، الضحكة لا تفارق وجهي، رغم الصعاب التي واجهتها منذ أول حياتي، حتى بعد استشهاد زوجي وأنا ابنة 15 سنة، أو بعد استشهاد أبي وأنا ابنة 17 سنة، وأنا أعول ابنتي اليتيمة، وإخوتي السبعة الأصغر مني سناً، تابعت دراستي وحصلت كلية طبية، وأصبحت مجازة بالقرآن رغم صغر سني، وأتابع القراءات العشر -ولله الحمد- رغم ظروفي المعيشية الصعبة جداً، ولكن رغم كل شيء مر علي من صعاب سابقة، إلا أنني لم أشعر بهذا الألم الذي أشعر به الآن!

انعدمت السعادة تماماً من حياتي، انعدم الأمل والتفاؤل، مات قلبي، دلوني كيف أحييه، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rahma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فاعلمي -أيتها المباركة- ما يلي:

أولاً: لا شك أن بعض ما مررت به -أختنا الكريمة- مؤلم، ونسأل الله لك الإعانة، ونرجو منك أن تقرئي التالي بصبر.

أختنا الكريمة: ليس عجيباً أن يبصر الإنسان دائماً مشاكله دون غيره، ولكن الشيطان المتربص به يوهمه أنه أشد الناس بلاء، وأن حياته أضحت مثالاً لكل أنواع الابتلاء، وغاب عنه أن الابتلاء سنة ماضية، وأن الله يبتلي الناس جميعاً، لحكمة يعلمها الله تعالى: ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ﴾.

الجميع -أختنا- مبتلى، والعلة واضحة (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، فليس من ناج من أنواع الابتلاءات، وما هذا إلا لحكمة من الله، علمها من علمها وجهلها من جهلها.

ثانياً: الابتلاء -أختنا- ليس دليل نقمة، ولكنه عند الصبر دليل عافية، ولا أدل على ذلك من أن أكثر الناس بلاء وأشدهم هم الأنبياء صفوة خلق الله تعالى، ثم يليهم من سار على دربهم من أهل الصلاح والتقى، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب ذلك حين سئل: (يا رسولَ اللهِ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه، فإن كان في دِينِه صلابةٌ، زِيدَ في بلائِه، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ).

ثالثاً: لن تجدي -أختنا- أحداً ابتلاه الله بكل شيء، ولا أحد أنعم الله عليه بكل شيء، هذا محال، بل كل إنسان عنده نعم وعنده نقم، عنده ساعات فرح، وعنده ساعات حزن، لكن الشيطان حين يضخم له مصائبه ينسيه أنعم الله عليه، والتي ربما تعد أمنية عند غيره، فوجود الأم عند من حرم وجودها أمنية، ووجود البنت عند من حرم البنات أمنية، وأمنية الأعمى أن يبصر الوجوه -ولو يوماً- أمنية، ومريضة السرطان التي لا شفاء لمرضها، أمنيتها أن تعيش صحيحة، ولو يوماً بلا ألم، ومريضة الكلى التي تغسل كليتها عبر أجهزة معقدة تستهلك وقتها كله إلا قليلاً، وتعاني من الآلام ما الله به عليم، أقصى أمانيها أن تعيش فترة بلا ألم ولا تعب، ولا ذهاب إلى المستشفى.

عليه -أختنا- فنحن في عافية من بعض هذه الأمور السابقة أو من كلها، ولكن الشيطان لا يريد لنا أن نبصر تلك النعم، التي تستحق الشكر الجزيل من الله تعالى، وزيارة واحدة إلى المستشفيات -عافاك الله- تخبرك عن العافية التي أنعم الله بها عليك.

رابعاً: أختنا الكريمة: لقد منّ الله عليك بحفظ القرآن، ومنّ الله عليك بالتعلم، وقد درست علوم القراءات، وهذا يدل على خير كثير فيك، فلقد اصطفاك الله من بين ملايين الناس فجعلك مسلمة، واصطفاك من بين ملايين المسلمين فجعلك من أهل السنة، واصطفاك من بين ملايين أهل السنة فحفظك كتاب الله تعالى، واصطفاك من بين آلاف الحافظات فعلمك القراءات، فهل بعد هذا النعيم من نعيم؟! استحضار هذه المعاني، مع الحياة في ظلال القرآن، ستحدث الفارق الهائل عندك، فما وجدنا أنعم حالاً من أهل القرآن إذا ما جعلوا حياتهم وقفاً عليه.

خامساً: أختنا الكريمة: لقد فتح لك باب عظيم جداً من الطاعة، وهو هذه البنت الصغيرة اليتيمة التي هي بين يديك، وتلك -والله- نعمة الله عليك، هذه البنت اليوم زرعك والحصاد غداً، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ)، وفي رواية (من كنَّ له ثلاثُ بناتٍ يؤويهنَّ ويرحمُهنَّ ويَكفَلُهنَّ وجبت له الجنَّةُ البتَّةَ! قيل يا رسولَ اللهِ فإن كانتا اثنتَيْن، قال: وإن كانت اثنتين. وفي رواية وإن كانت واحدة، قال: وإن كانت واحدة)، فأي نعيم بعد ذلك -أختنا الكريمة-؟! فالله الله في ابنتك، والله الله في تدينك، والله الله في حفظك القرآن وتعليم بنات المسلمين؛ فإن الخير الكثير يرقبك، فانت من خير الناس أختنا وقد قال صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

إننا ندعوك للتغلب على ما أنت فيه بما يلي:
1- القراءة في باب القضاء والقدر وحكمته، من أي كتاب في العقيدة، أو سماع تلك المادة من أي عالم ثقة.
2- استحضار من هم أشد منك ابتلاء، والنظر إليهم بعين الواقع، ثم حمد الله تعالى على ما أنعم به عليك من نعم أخرى هي أمنيات عند الآخرين.
3- استحضار الأجر عند الصبر على كل بلاء يقع، والإيمان بأن من وراء كل بلاء حكمة.
4- وضع منهجين منفصلين، أحدهما خاص بتربية ابنتك، والآخر خاص بتعليم بنات المسلمين القرآن، ولك من الفضل أضعاف ما تبصرين.
5- الاستعاذة التامة من همزات الشياطين، مع المحافظة على الأذكار والتحصن بها.
6- كثرة الدعاء لله -عز وجل-، فما خاب من دعاه، ولا ندم من تمسك بحبله المتين.

هذا ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير، وأن يجعلك من العابدات التقيات الصالحات إنه، ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً