الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب في دراسة التفسير وأرجو أن تدلوني على أصح كتبه..

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم، وجزاكم الله خير الجزاء على ما تقدمونه من خدمات نافعة لأمتنا الإسلامية.

أود تعلم القرآن الكريم، والسنة النبوية بشكل صحيح بدءًا من الصفر -إن شاء الله-، وقد اطلعت على كتب للمفسرين منهم: ابن كثير، وغيره، ولكن مشكلتي هي كيف أتحقق من أن المفسرين فسروا القرآن والسنة بشكل صحيح، بعيدًا عن الافتراء على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ ما الدليل على أن تفسير كلام الله ورسوله الموجود في كتب التفسير عينها، هو مقصد مراد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من كلامهما؟ وما أدراني أن المفسرين لم يفتروا عليهما؟

أنا أريد تعلم القرآن والسنة من كتب التفسير وأنا بكامل القناعة بصحة هذه الكتب، البعيدة عن الافتراء على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فأنا لا أريد أن أكون إمعةً ومقلدةً لا تفكر بما تسمع، أو يقال لها، كما أنني لا أود أن يؤثر ذلك على إيماني بربي ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

أطلت عليكم وأود أن تعطوني الجواب الشافي بالتفصيل الممل، وإن لم تستطيعوا الإجابة بشكل مفصل دلوني على شخص موثوق، ليرشدني إلى أدق التفاصيل في موضوع سؤالي.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن ييسّر لك تعلُم دينك، والتفقه فيه، وممَّا لا شك فيه أن طلب العلم الشرعي من تفسير كلام الله تعالى، ومعرفة أحاديث رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبيان معانيها، والتفقُّه فيهما، لا شك أن هذا العمل من أفضل الأعمال، وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى.

ولهذا نحن ندعوك إلى الاستمرار في هذا الطريق، وألَّا تتراجعي عنه، وطلب العلم فريضة على كل مسلم، وإذا أردت تعلُّم القرآن الكريم -أي تعلُّم معاني القرآن الكريم- فإن الطريق إلى ذلك هو تلقي هذه المعاني عن أهل العلم بتفسير كلام الله تبارك وتعالى؛ فالله تعالى أمرنا بالرجوع إلى أهل العلم، فقد قال سبحانه وتعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

والعلم الشرعي -ومنه العلم بكتاب الله تعالى- له أدوات، ولا يصحّ أن يُباشرها أي أحد، وإنما يباشر هذا العلم مَن امتلك هذه الأدوات، وهذا أمرٌ معقول، ومطابق للواقع، فكل العلوم الأخرى لا يُسمح لأي شخصٍ بأن يتعاطاها، ويتكلّم فيها، إذا لم يكن من ذوي الاختصاص، وممّن يملك أدوات ذلك العلم، فلا يُقبل من أحد أن يُداوي الناس في أبدانهم، ويُشخِّص أمراضهم، ويُعيّن لهم أنواعًا من الأدوية لهذه الأمراض، إذا لم يكن طبيبًا يمتلك الأدوات العلمية لمزاولة هذا العمل.

فتفسيرُ كلام الله -سبحانه وتعالى- له أدواتُه التي لا بد من تحصيلها لمن أراد أن يُفسّر كلام الله تبارك وتعالى، والعلماء الذين فسّروا كلام الله تعالى، ودونت تفاسيرهم، امتلكوا هذه الأدوات، فهم يُفسّرون كلام الله تعالى معتمدين على أدواتٍ صحيحة لهذا التفسير، فكيف يُقال بعد ذلك أنهم افتروا على الله الكذب؟!

وهذه الأدوات تتلخص في أمورٍ ثلاثة:

- الأول: أنهم يُفسّرون كلام الله تعالى بكلام الله تعالى، فيفسّرون آيةً بآية أخرى، وهذا كثيرٌ جدًّا في كتب التفسير، ومنها التفسير الذي ذكرته في كلامك، وهو تفسير ابن كثير، فهو في كثير من المواضع التي يُفسّر فيها آيات بآيات.

- الأمر الثاني الذي يعتمد عليه المفسرون هو: تفسير كلام الله تعالى بما بيّنه رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كثيرٌ أيضًا في كُتب التفسير، ومنها تفسير ابن كثير، فكيف يقال مع هذا بأن المفسّر افترى على الله الكذب؟!

- والأمر الثالث الذي يعتمد عليه المفسرون في تفسير كلام الله تعالى: لغة العرب؛ فإن القرآن نزل بلغة العرب، وخاطب الله تعالى العرب بلسانهم الذي يتكلّمون به، فإذا جاءت كلمةً في القرآن، أو جملةً في القرآن، ولم يأت في القرآن بيانها، ولم يأتِ في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيانٌ لها؛ فإن المرجع في معرفة معناها لغة العرب، وكلام العرب، وهذا ما يفعله أيضًا علماء التفسير.

فإذا علمت هذا علمت أن تفسيرهم لكلام الله تعالى تفسيرٌ صحيحٌ مقبولٌ، وليس فيه شيء من الكذب على الله جلّ شأنه، ثم هم يُفسّرون آيات الأحكام بعد ذلك، ويتفقّهون فيها بعد امتلاكهم لهذه الأدوات، فإذا أصاب الواحد منهم فله أجران: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإذا أخطأ فله أجر الاجتهاد، وهذا في الأمور الاجتهادية التي تقبل الصواب والخطأ في تفسير كلام الله تعالى.

أمَّا أن يتعمّد المُفسّر الكذب على الله، والافتراء عليه، فهذا لا يُتصوّر منهم أولاً؛ لأنهم أهل علم وديانة، فلو كانوا كذّابين لرُدَّ كلامهم، ولم يُنظر إليه، أمَّا إن حصل خطأ في المواطن التي يمكن أن يُجتهد فيها، فهذا الخطأ مغفور لهم، ولكن لا يمكن أن يُخطؤوا جميعًا، فيقولون في معنى الآية القرآنية معنىً غير صواب، ويتفقون على هذا الخطأ؛ فإن الله تعالى عصم هذه الأمة من الاجتماع على الخطأ، والاجتماع على الضلالة.

نرجو -إن شاء الله- أن تكون الأمور قد اتضحت لك من هذه الحيثية، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً