الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد عقد النكاح لم أشعر بانجذاب تجاه زوجي وأفكر بالطلاق!

السؤال

السلام عليكم

أنا بنت بعمر 19 سنةً، منذ أربعة أشهر جاءت صديقة أمي لخطبتي لحفيدها في الخارج، فقبلنا من أجلها، رأيته في صورة ولم يعجبني، لكن قبلته لأخلاقه، قالوا بأنه مصل، لم تكن هناك رؤية شرعية، في مدة شهر عقدنا القران وتزوجنا بالعقد دون دخول، بعدها بدأنا بالتعرف، لم يعجبني أسلوبه، فهو ضعيف شخصية، وليس صاحب قرار.

عند رؤيتي له لم أنجذب له، رغم محاولاتي المتكررة بالإعجاب به، أخبرت لأهلي، لكنهم قالوا: ليس هنالك حبٌ في الزواج، وهذا ما قسمه الله لك، فكري في نفسك وابني مستقبلك، وأنا منذ ذلك الشهر والبكاء والضيق لا يفارقانني، أشعر أن حياتي انتهت -الحمد لله- أصلي صلاة الاستخارة كل مرة، لكني ما زلت على قراري، عندما أبلغت أبي، قال: بأنه سيتبرأ مني، وأنه لا يريد دخول المحكمة مجدداً، وأن الزواج سيتم.

أبلغت زوجي أنني لا أشعر بالراحة والانجذاب إليه، وأنني أخاف الله فيه، لكنه لا يريد أن يطلق؛ لأنه أعطى كلمة لوالده.

يا شيخ: أنا لا أريد أن أرتكب ذنوباً، أريد حياةً جميلةً مع شخص أحبه، لا أريد المال ولا العيش في الخارج، عائلتي قالت لي: عليّ أن أتزوج من أجل جنسية تلك البلد، ثم أطلق. لكن هذا حرام، وأنا لا أستطيع أن أفعل ما أوجبه الله له علي كزوج؛ لأنني لا أستطيع، أحس بعذاب نفسي وجسدي، فماذا أفعل؟!

إن تطلقت ستكون راحةً لي مع نفسي ومع ربي، لكنه سيكون وجعاً ومرضاً لأبي، وإن بقيت سيكون ظلماً لي ولزوجي، أنا أخاف ربي، فما الذي سأفعل؟

أرجو الرد على رسالتي، وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابنتنا العزيزة– في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُقدّر لك الخير حيث كان ويرزقك الرضا به.

ثانيًا: نصيحتُنا لك –ابنتنا العزيزة– أن تلجئي إلى الله بكثرة دعائه، بأن يُقدّر لك الخير ويُرضّيك بما يُقدّره لك، فهو سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك ومن أُمِّك وأبيك، وهو أعلم سبحانه وتعالى بما يُصلحك ويُسعدك، وقد قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، فالجئي إليه وسليه سؤال الاضطرار والذلِّ، أن يُرضّيَك بما يُقدّرُه لك، ويختار لك أرشد أمورك، ولن يُخيّبك الله تعالى، فـ (إن الله تعالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ ‌يَرُدَّهُمَا ‌صِفْرًا).

ثالثًا: نحن نؤكد –ابنتنا العزيزة– موقف أهلك في أن الزواج لا يُبنى على الحب وحده، ويُحكى عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرجل أراد أن يُطلق زوجته لأنه لا يُحبها، قال له: (ويحك ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ ‌فأين ‌الرعاية وأين التذمم؟).

ثم إنَّ الحب والرحمة والتعاطف بين الزوجين يمكن أن تتكوّن شيئًا فشيئًا أثناء الحياة الزوجية، فما يقوله أهلك ليس خطأً بشكل كامل مُطلق، وما تصفين به زوجك هذا من بعض الصفات التي لم يُعجبك، ككونه ضعيف شخصية، ربما يجعل الله سبحانه وتعالى هذه الصفات سببًا لسعادتك معه، فيكون رحيمًا بك، لطيفًا في تعامله معك، حسن العشرة، وهذه الصفات تُفقد في بعض الأزواج، وهي سِرُّ سعادة المرأة مع زوجها، وإن كان كثيرٌ من النساء تتخيّل ضدَّ ذلك.

ثم إنَّ ما أشار به أهلُك عليك من أنك تتمكّنين من الفراق والطلاق بعد أن تُجرّبي العيش معه؛ هو أيضًا رأيٌ سديدٌ، فربما أراك الله سبحانه وتعالى منه خيرًا، وأحببته، وآثرت التعلُّق به والبقاء معه، فإذا كنت تتمكنين من الفراق والطلاق بعد ذلك إذا لم ترتضي البقاء معه؛ ما دمت تقدرين على ذلك، فإن الأمر سيكون سهلاً يسيرًا.

هذا ما نراه لك ونختاره، ما دام قد حصل عقد النكاح، وليس في زوجك ما يصرفك عنه إلَّا ما ذكرتِ من الصفات.

أمَّا إذا كنت تنفرين منه نفورًا تامًّا وتكرهين لقاءه والبقاء معه؛ فإن الشرع لا يُكلِّفُك البقاء في هذه الحالة، ويجوز لك شرعًا أن تطلبي الطلاق، وهذا ما وقع لامرأة ثابت بن قيس، فقد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ ‌فِي ‌خُلُقٍ ‌وَلَا ‌دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ"، وقصدها -أكره الكفر في الإسلام- أي: أكره أن أقع في أسباب الكفر من سوء العشرة مع الزوج ونقصان حقه ونحو ذلك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ)، يعني المهر الذي كان أعطاها إياه، قَالَتْ: نَعَمْ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).

يجوز لك أن تطلبي الطلاق، ولكن نصيحتنا لك قبل أن تفعلي ذلك أن تستخيري الله سبحانه وتعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً