الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يستدين المال ويترك لنا السداد، فما الحل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدي أب غير مسؤول، وأغرق نفسه في الديون، فهو معتاد على أخذ المال من الناس بدون علمنا ودون سداد، نحن لا نعرف أين يصرف المال، فهو لا ينفق على المنزل إلا قليلًا، ودائمًا ما نجد أنفسنا واقعين في المشكلات مع الأشخاص الذين يطالبون أبي بأموالهم.

قمنا بسداد الكثير من الديون سابقًا، وفي كل مرة تطلب أمي الطلاق؛ لأنها تخشى الله، وغاضبة من أفعال أبي، هذا إلى جانب علاقاته النسائية المتعددة والمحرمة، حاولنا كثيرًا وسعينا في تقويم سلوكه، وإبعاده عن ما يسببه من مشاكل، ولكن بدون فائدة.

حاليًا أبي تسلف مبلغًا كبيرًا جدًا، أخذه من بعض الأشخاص، ولم نعلم بذلك إلا في وقت مطالبتهم بسداد الدين، ونحن لا نستطيع سداد هذا المبلغ، وأمي رفعت قضية خلع؛ لأنها لا تريد أن ترتبط معه بأي شيء، وحتى لا يطالبها الناس بسداد الديون.

استفساري لكم: هل رغبتنا بعدم الارتباط به محرمة؟ فلا خير من القرب منه أبدًا، لا شيء غير المشاكل والسمعة السيئة، فهو لا يفكر إلا بنفسه فقط، ولا يهتم لحرمة ما يقوم به، وأنه محاسب أمام الله، أفيدونا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rahma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي والدكم إلى أحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي إلى أحسنها إلا هو، وأن يصرف عنه سيئ الأخلاق والأعمال، فإنه لا يصرف سيئها إلا هو.

حقيقة نشكر لك وللوالدة وللأسرة هذه الجهود الكبيرة، وسعيكم في إصلاح الوالد، ونبشركم بالثواب العظيم، ونكرر التذكير بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم"، فكيف إذا كان الرجل هو الأب، والزوج، الذي له مشوار معكم في الحياة، ترتبط أسماؤكم باسمه، نسأل الله أن يعينكم على الخير.

ونحب أن نؤكد على هذا الوضع الذي تؤجرون عليه، وليس معنى هذا أننا نوافق على هذه التصرفات التي تحدث منه، بل ينبغي أن تتبرؤوا من مثل هذا الفعل، وتجتهدوا في بيان هذا لمن يتعامل معهم، حتى لا تورطوا أنفسكم، وفي نفس الوقت ينبغي أن تحفظ مكانته كأب، اجتهدوا أن تكونوا في جواره في الصواب والخير، وحذروه إذا حاول أن يقع في أمور تجلب الأتعاب له ولكم، ونحب أن نؤكد مرة أخرى أن هذا الوالد سيظل والدًا، وأن الصبر عليه لون من البر له.

ولكن ينبغي أن تبحثوا عن وسيلة تحفظون بها أموالكم، وتجعلوه يتحمل مسؤولية هذه التصرفات؛ حتى لا تعود على الأسرة بالخسارة، أما الوالدة فنحن نحيي صبرها، ونتمنى أن لا تستعجل الفراق، وعليها أن تتذكر أيضًا هذه العشرة التي كانت بينها وبين الوالد، والتي نتاجها أنتم معشر الأبناء.

الوالد بحاجة إلى قربكم، ولذلك نتمنى أن تجدوا من العقلاء والفضلاء وحتى الجهات القانونية من يوقفه عند حده؛ حتى لا يجلب الإشكالات للأسرة، ومع ذلك تقومون بما عليكم تجاهه من الطعام والشراب؛ برًا له، خاصة إذا عمل بالطاعات، أو دعاكم إلى رضا رب الأرض والسماوات، فإن البر لا ينقطع مهما كان الشر الذي عند الوالد، حتى لو أمرنا أن نشرك بالله، قال العظيم سبحانه: {فلا تطعهما}، ثم قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا}.

سعدت أنكم ممن يخاف الله ويتقيه، والتقوى تحملنا على كثير من الصبر من أجل الوالد ومن أجل الوالدة، أرجو أن تجدوا من الوسائل ما تستطيعون بها إيقاف هذه التصرفات التي تخلو من المسؤولية، وفي نفس الوقت أسأل الله أن يعينكم على الصبر على الاستمرار في تصحيح الأوضاع، وعليكم بكثرة الدعاء، فإن قلب الوالد وقلوب الناس جميعًا بين أصابع الرحمن، يقلبها ويصرفها، وفي مثل هذه الأحوال نحن لا نفضل أن يعطى الوالد أموالًا، ولكن يعطى طعامًا وثيابًا من قبلكم، ولا بد من وقفة يتحمل معها المسؤولية، لأنه إذا تعود أنه يستدين وأنتم تسددون، فإن هذا سيجعله يتمادى، فلا بد إذًا من وقف هذه الأمور عند حدها.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الخير، ونتمنى أن تجدوا من الأعمام والعمات من يعينكم على إيقاف هذا الوالد عند حده، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات