الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي عصبي ولا يصلي ودائم الشتائم لي!

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر ٢٢ سنة، طالب في الجامعة، أعاني من عدة مشاكل مع والدي، فهو إنسان عصبي جداً، لا يمتلك من الحنية شيئاً، دائم الشتائم، الألفاظ النابية على لسانه منذ صغري، ودائماً كان يعنفني أنا وإخواني بالضرب المبرح، إلى أن يرى دماءنا تسيل.

ابتلاه الله بمرض التصلب اللويحي، وعند شعوره بأعراض المرض أصبحت أعمل عنه، وأكون له معيناً، لكنه لا يقدر لي شيئاً، في مجال تجارته يغش الزبون، ويقوم ببيع منتجات على أنها إنتاج بلدنا، وهي إنتاج بلد آخر، ويقوم ببيع بعض المنتجات التالفة والمعدومة.

يقوم طول الوقت بشتمي، والإساءة إلي، وإلى جميع الأسرة، علماً بأنه لا يملك وازعاً دينياً، ويصلي في الأسبوع مرة فقط.

يقوم بتدريسي في الجامعة، ودائماً يقول: القول لي، وإنه إذا لم تقم بالعمل معي سأقطعك عن الجامعة. وأنا تعقدت، ولم أعد أستطيع التحمل نهائياً، فأبي شخص لا يمكن تحمله، مهما كنت شخصاً صبوراً، فالعيش معه لا يطاق نهائياً، لأنك تشعر نفسك ذليلاً في الصباح والمساء، وتشعر بالنقص دائماً.

أرجو مساعدتي، لأني لم أعد أتحمل العيشة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Yazan حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يصلح حال والدك، وأن يهديه وأن يعينك على بره، إنه جواد كريم.

أخي: دعنا نقول لك ابتداءً كلمةً لا بد منها، أبوك قد فهمنا منك أنه جمع بين عدة أمور: العصبية، الغش في البضاعة، ضعف الصلاة، قلة التدين، وهذه كلها أعراضٌ خطيرةٌ على دينه أولاً، ودنياه ثانياً، وقد ذكرت أنه مريض، وبحاجة إلى مساعدة، لكنك لا تستطيع التكيف معه، ولا إعانته بسبب ما ذكرت من أسباب.

كلامك كله محل تقدير منا واهتمام، ونحن نستشعر حديثك، وندرك كم هو قاس على الابن أن يرى والده كذلك، لكن دعنا نسألك سؤالاً: هل ما فعله أبوك أهون أم ما فعله ذلك الأب الذي كان يقهر ولده لكي يكفر بالله عز وجل؟! بالطبع الثاني أشد جرماً وأكبر خطراً. الله في القرآن أخبرنا عن الأخير، وبين طريقة التعامل معه، فقال جل شأنه: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) المعنى لا تطعه في المعصية، ولكن عليك مصاحبته وبره ونصحه، هذا مع الكافر المريد الكفر لك، فكيف بغيره؟

أخي: أنت في ابتلاء، وأشد الناس بلاءً أعظمهم أجراً عند الله، بل أشدهم بلاءً أحبهم إلى الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سأله أحد الصحابة: (أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه، فإن كان في دِينِه صلابةٌ، زِيدَ في بلائِه، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ ) متى ما اعتقدت -أخي- هذا النص، وآمنت به، وعلمت أنك في ابتلاء، وأنك مأجور على الصبر عليه، وأنك مأمور بالإحسان إلى والدك وإن أساء، هان عليك ما تبذله في سبيل ذلك.

ثم اعلم -أخي الكريم-: أن الإسلام لا يجيز لك طاعة المخلوق أياً كان في معصية الله، وعليه فلا يجوز لك بيع ما يضر المسلمين وإن غضب والدك، لكن كيف نفعل ذلك؟ هل بالمواجهة التي تفضي إلى المقاطعة، أم بالأسلوب الحسن الذي يفضي إلى توبته وإصلاحه؟

نحن نريد منك أن تضع هدفاً لك، وهو الاستعانة بالله أولاً، ثم بكل وسيلة مشروعة لإصلاح والدك، ونحن ننصحك بما يلي:

- أظهر لأبيك محبتك له، بل وبالغ في ذلك، أسمعه أنك تحبه، وأنك ترجو عافيته، وأن الدنيا بدونه لا شيء، أسمعه هذا الكلام، حتى تجعل بينك وبينه صلةً من نوع خاص، وأنت فيها صادق ولست مدعياً، أنت تكره السلوك، وهدفنا اليوم تغيير هذا السلوك.
- اجتهد أن تتحمل عنه الأعباء الكثيرة، حتى إنه لا يستطيع الاستغناء عنك.
- وثق رابطتك به، وابدأ معه في النصيحة، وليكن الأول الصلاة، فإذا صلى العبد ورق قلبه وخاف ربه؛ كان أعون له في القضاء على غير ذلك من المعاصي.
- اجتهد بتوثيق علاقة أبيك مع بعض الصالحين من المسلمين، والناس لا تعدم الخير، أو على الأقل أخبر شيخ المسجد الذي يحبه الناس -وأبوك منهم- أو على الأقل يحترمه، أن يخص الوالد بمزيد من الرعاية والاهتمام.
- أكثر من الدعاء له، واعلم أنك بذلك مأجور، والله عنك راضٍ بفعلك هذا ما كنت قاصداً وجهه سبحانه.

نسأل الله أن يوفقك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً