الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قسوت على أختي وآذيتها، فكيف أصلح الأمر؟

السؤال

السلام عليكم

أنا وأختي وأمي تعرضنا لظروف قاسية، وظلم شديد من قبل أبي، أبي شخص يطعن في الشرف ويضرب ضربًا لا رحمة فيه، ويسيء الظن، ولا يعترف بأخطائه، ومع ذلك، أمي دائمًا تبرر له وتخاف من الناس والمجتمع، وتقول دومًا إنها لا تستطيع الطلاق، فأمي عاشت في بيئة تخاف من الناس وكلامهم، وطيبتها تجعل الناس يأخذون حقها، وأختي تألمت وظُلمت، ولدينا زوجة أب قاسية، وأنا ظلمت أختي وكنت أقسو عليها باستمرار حتى أصبحت لا تطيقني، ومررنا بمرحلة قاسية جدًا، فهي لا تحبني، وانتهت كل المشاعر الجميلة بيننا، ثم ندمت ندمًا شديدًا، لكن فات الأوان، فأختي أصبحت لا تهتم بي، ولا تكترث لأمري، ولا تحب النقاش معي، أو العتاب.

أختي ترى أحلامًا عن الجن والشيطان، وقدمها تهتز عندما تصلي، وتتعب من الصلاة، وبدأت تقول: إنها تستحضر الجن وتكلمهم.

قلت لها كلامًا غليظًا وبأسلوب فظ، وردت علي بقولها إنني داعشية، ومتعصبة، كما تكلمت عن فارق المستوى بيني وبينها، حيث إنها طبيبة أسنان، وأنا لم أكمل دراستي، أثار هذا الكلام الألم في قلبي، وأحسست بانكسار قلبي، لا أستطيع أن أرجع وأتكلم معها؛ لأنني متألمة داخليًا، وهي لن تأتي لتعتذر مني.

أعتقد أن هذا الخصام سوف يدوم بيننا لمدة طويلة، أختي تغيرت، كانت إنسانة ملتزمة وتتغافل ولا تؤذي أحدًا، وأنا قد آذيتها لدرجة أنها أصبحت لا تلتمس لي عذرًا، بالإضافة إلى إيذاء أبي لها وعنفه عليها، وأمي تفرق بيننا، حيث تحبني أنا ولا تحب أختي كثيرًا.

أحسست في داخلي أن أختي في مرحلة من حياتها خُذلت من كل الاتجاهات، من أبي وأمي ومن قسوتي أنا، وقسوة الحياة، والمرض الروحي الذي تعاني منه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير، وبعد:

ابتداءً: شكر الله لك حرصك على أختك، وتألمك لما وقع عليها أو منها، وعلى إنصافك في ذكر الحقائق مع أختك، وعلى إرادتك وجه الخير بهذا السؤال، وإنا لنرجو الله الكريم أن يجعلك ممن وصل رحمه، ففاز بتلك الأجور العظيمة:

1- فاز بغفران الذنوب والمعاصي، فقد ورد في الحديث: (أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ؟ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: لا، قالَ: هل لَكَ من خالةٍ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها).

2- فاز بتحصيل البركة في عمره ورزقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

3- وقي -بإذن الله- من ميتة السوء، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن سرَّه أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُوَسَّعَ له في رِزقِه، ويُدفَعَ عنه مِيتةُ السُّوءِ، فلْيَتَّقِ اللهَ ولْيَصِلْ رَحِمَه).

4- فاز برضوان الله تعالى، فعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن أعرابياً عرض لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أحد أسفاره، فسأله عن عملٍ يُقربه من الجنة، ويُباعده عن النار، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تعبدُ اللهَ ولا تشركُ به شيئًا، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحمَ).

5- فاز بالبشارة بأنه من أهل الإيمان، فقد قال- صلى الله عليه وسلم- :(مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

6- استجلب بهذه الصلة: صلة الله ومعونته، فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حتَّى إذا فَرَغَ مِن خَلْقِهِ، قالتِ الرَّحِمُ: هذا مَقامُ العائِذِ بكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رَبِّ، قالَ: فَهو لَكِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَهلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ}.

وكثير غير ذلك -أختنا الكريمة-، وإنا نسأل الله الكريم أن يجعلك منهم.

ولك أن تقولي: لماذا كل هذه المقدمة الكبيرة؟
نقول لك: لكلمة وردت في رسالتك نريد إزالتها وهي قولك: (لا أستطيع أن أرجع وأتكلم معها؛ لأنها متألمة داخليًا وهي لن تأتي وتعتذر مني).

إننا نقدر ألمك، ولكن ما قالته ساعة غضب لا يتناسب مع ما قد حدث معها مما قد ذكرتيه، فقد ذكرت أنك ظلمتيها كثيرًا، وقسوت عليها، وهي قد عاشت حياة مضطربة، والله يعلم حالها، خاصة وقد كانت تتوقع منك بعد أن ذكرت لك أحلامها المزعجة أن تقفي معها، وأن تسانديها.

أختنا: إن طلب مرضاة الله لا بد أن يسمو فيه المرء عن حظوظ النفس ورغباتها، وإذا كنت صادقة في طلب مرضاة الله ومغفرته؛ فإننا ندعوك إلى مد الجسور، وتحمل الأذى المتوقع، ومقابلة السيئة بالحسنة، إرضاء لله أولاً، وأملاً في أن تكوني جسرًا صالحًا بين أختك وحياتها.

كما نرجو منك مع كل ما فعله أبوك -سامحه الله- أن تتلطفي معه، وأن تصلي ما بينك وبينه، وأن تجتهدي في إصلاحه، أو على الأقل في تقليل الشر.

ثم أمك -أختنا-، تلك الأم الصالحة التي لا سند لها بعد الله إلا أنتم، والتي لا تحسن الرد عن نفسها، كوني لها سندًا وظهرًا، وذكريها بأجر صبرها عند الله عز وجل.

نسأل الله أن يسعدكم، وأن يذهب ما بينكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً