الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالكسل ولا أحسن استغلال نعم الله عليّ.. أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم كثيراً على نصحي وتوجيهي في الكثير من مراحل حياتي، وكذلك على الاستشارات والفتاوى التي تعرض يومياً.

وهبني الله نعماً، منها: الذكاء، والحكمة، والفراسة، وعندي طاقة كبيرة من العطاء، حتى إن كل الناس من حولي -بفضل الله- يحبونني ويلجؤون لي في حل مشاكلهم النفسية والاجتماعية والعاطفية، ولكن مشكلتي مع نفسي هي الكسل، مثلاً: في كلية الهندسة لم أدرس ولم أجتهد أبداً، لا إرادياً اعتمدت على ذكائي، وفعلاً -بفضل الله- نجحت، وأنا الآن أعمل مهندسة، ولكن لو اجتهدت لأخذت رتبة أكبر.

ومثلاً: لما اجتهدت وفقني الله لحفظ القرآن الكريم كاملًا، حفظًا متقنًا في 6 أشهر، وأخذت شهادة إتقان حفظ وأحكام من المدرسة القرآنية، وحفظت (700 بيت من الشاطبية، و80 بيت من الدرة)، بالشرح في شهر واحد، ولكن هذه نفحات تأتيني في فترات متقطعة؛ لأني بعدها انقطعت ولم أعد، رغم حبي الشديد لعلم القراءات وعلم السيرة النبوية، الكسل يمنعني حتى من المحافظة على وردي اليومي من حفظي من القرآن الكريم، وكما فعلت سابقًا اعتمدت على ذاكرتي العالية، حتى لو لم أراجع لن أنسى.

كذلك في الطبخ، أحياناً لا تكون عندي رغبة الإبداع، هناك أطباق شهية تعجب زوجي كثيراً، ويقول لي: لماذا لا تطبخين دائماً هكذا؟ هي نفس المشكلة في كل أمور حياتي.

أشعر أنني لا أحسن استغلال النعم التي أعطاها الله لي، وأنني بقدر ما أنا جيدة مع الناس، فإني ظالمة لنفسي، ولو أني وظفت طاقتي، لقطعت أشواطاً في طلب العلم الشرعي، وهو حلمي الوحيد.

أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك مجددًا -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك مع الموقع، وثناءك عليه، ونبادلك ذلك بالدعاء، فنسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يزيدك من كل خيرٍ أتاك.

ونهنئك بما مَنّ الله تعالى به عليك من تحبيب العلم الشرعي، وعلم القرآن الكريم على وجه الخصوص، وما يسّره لك من حفظه وإتقانه وحفظ شيء من علومه، وهذا فضل الله تعالى ينبغي أن تكوني في المستوى المطلوب من أداء شُكر هذه النعمة، ومن شُكر هذه النعمة توظيفها في طاعة الله تعالى، والاستكثار منها.

وما ذكرته -أيتهَا البنت الكريمة- من الكسل عن بعض الأعمال الصالحة التي ينبغي أن تحرصي عليها، أو أمور الدنيا والمنافع الدنيوية التي ينبغي أن تحصّليها؛ أمرٌ قد يعرضُ للإنسان أحيانًا، ولكن ينبغي له أن يأخذ بالأسباب التي يُدافعُ بها هذا الكسل عن نفسه، فالكسل كما يُعرفه العلماء: عدم الإرادة مع وجود القدرة، والعجز: عدم القدرة أصلاً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين المعنيين فيستعيذ بالله -سبحانه وتعالى- من الأمرين معًا (من العجز والكسل)، وفي روايةٍ لأبي داود أنه كان يُعلِّم الناس إذا أصبح الواحد منهم أن يقول هذا الدعاء: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ ‌وَقَهْرِ ‌الرِّجَالِ).

فاللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى-، والإكثار من سؤاله أن يدفع عنَّا الكسل أمرٌ مطلوب، والدعاء من أعظم الأسباب للوصول إلى المقاصد المحبوبة، فأكثري من هذا النوع من الأدعية، ولازميه في سائر أوقاتك.

ومن الأسباب أيضًا -أيتها البنت العزيزة- حسن الترتيب للأعمال التي تُؤدَّى خلال اليوم والليلة، وحسن الترتيب أيضًا للمراحل التي يقطعها الإنسان في تحصيله العلمي، فإذا كان الإنسان جادًّا وأحسن ترتيب برنامجه العلمي، فإنه سيشعر بالإنجاز، وإذا شعر بالإنجاز فإن النفس تفرح بذلك وتتطلَّعُ إلى المزيد.

ومن الأسباب أيضًا صحبة الصالحين الذين يُشاركونه نفس الأهداف، ويُشاركونه في علوِّ الهمّة وتحصيل العلوم، فاحرصي كل الحرص على التعرُّف على الفتيات الطيبات من أمثالك والتواصل معهنَّ.

ومن الأسباب أيضًا لطرد الكسل -أيتها البنت الكريمة- أن يُراعي الإنسان حال النفس البشرية، فإن النفس البشرية لها إقبال على العلوم والتحصيل ولها إدبار، وهذا أمرٌ فطرها الله تعالى عليه، فينغي للإنسان أن يكون حصيفًا ذكيًّا في إدارة نفسه، فيُقبل في وقت الإقبال، ويستغلّ الفرصة، فإذا فتر القلب وفترت الهمَّة وملَّت النفس يُعطيها قسطًا من الراحة، ليستعين بهذه الراحة على مرحلة جديدة من التحصيل، فإذا سلكت هذا الطريق فإنك -بإذن الله تعالى- ستصلين إلى ما تتطلعين إليه.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً