الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أخاف أن يتغير زوجي مستقبلاً بسبب أولاده!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا امرأة أبلغ من العمر 30 سنة، تزوجت قبل ثلاث سنوات من رجل مطلق يكبرني بسنوات، وله ثلاثة أبناء وابنة، كهم شباب، ويعيشون مع جدهم وجدتهم، وزوجي يعمل في إحدى دول الخليج.

وافقت على الزواج منه لأنه لم يتقدم لخطبتي أي شخص، ولأنني أنهيت دراستي ولم أجد فرصة للعمل، ولأن فيه صفات جميلة دنيوية وأخروية، فهو مقيم للصلاة ويتق الله، ومتعلم، وصاحب مال ونعيم، كنت سعيدة جدًا خلال فترة الخطوبة، ولم أفكر للحظة في تغيير رأيي، رغم أني رأيت منه سوء الخلق والعناد في وقت الخصومة، ولكني تجاوزت ذلك.

بدأت المشكلة بعد زفافنا، حين أصر على إحضار أولاده إلى البيت قبلي، بحجة أنهم سوف يستقبلوني على حسب قوله، وسيبقون معنا لمدة أسبوعين، رفضت في البداية، متعذرة برغبتي بقضاء بعض الوقت معه لأنني عروس جديدة، ثم لا مانع من استقبالهم، ولكنه أصر ووجد من الحجج ما وجد، وحينما ذهبت إلى بيته وجدتهم في انتظاري، وشعرت بأنه يفضلهم علي، ولا يريد أن يشعرهم أني سوف أنال حبه واهتمامه.

علمًا أنه يعاملني بجفاف عند حضورهم، ولا ينظر لي، ولا يتحدث معي إلا نادرًا، وكل اهتمامه لهم، عرفت حينها أنني المخطئة بزواجي منه، ولكني صبرت وقلت لعل الله يجد لي مخرجًا، ولا أريد الطلاق.

أنجبت بعد سنة من الزواج، وكانت معاملته سيئة لي بعد ولادتي للطفل، وأحسست أنه لا يرغب به ويتجنب حمله، والآن بعد ثلاث سنوات تغير عندما وجد من أولاده وبنته الأذية وقلة الاحترام، رغم كل ما كان يفعله من أجلهم، ويقول: إنك الأمل الوحيد مع هذا الطفل، ومع ذلك فهو يخطط لجمع أولاده جميعًا للسكن معنا؛ من أجل الدراسة في الجامعة.

منذ أن جاءت ابنته إلى بيتي وأنا أحاول النظر إلى الأمور الإيجابية في حياتي، أعامله بالحسنى دائمًا، وهو الآن يعاملني بالمثل، ولكن قلبي لا يزال غير صاف تجاهه وتجاه أولاده، أخاف منه مستقبلًا، وأكره أولاده جميعًا ولا أحبهم، أشعر أنهم خطر علي وعلى ابني، وأغار من حب زوجي غير المشروط لهم رغم مساوئهم، وأعيش في اكتئاب وحنين للماضي، أريد أن يعود الزمان لأغير كل شيء في حياتي، أحيانًا أفكر لو مات زوجي لربما كان الحال أفضل لي، لم أدع عليه، ولكن أقول: اللهم إني وكلتك أمري كله.

أعلم المخاطر من هذا التفكير، وأخاف على قلبي من الفتنة والسواد، أريد تقبل أولاده، ولا أدري كيف أتقبلهم! وأريد تربية طفلي تربية صالحة دون أن يتأثر بهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا وأختنا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي زوجك وأبناءه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، ونسأل الله أن يُنبت طفلك نباتًا حسنًا، وأن يُلهمكم السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

كلمة الإيجابية كلمة جميلة وردت في هذا السؤال، وهي ما نريد أن تبدئي به مع سلامة الصدر، لأن الإنسان إذا سلم صدره وأصبح صافي النفس تجاه الزوج وتجاه ما حوله فإنه يسعد ويُسعد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على تجاوز هذه الصعوبات، ونحب أن ننبهك أن الدنيا لا تخلو من المصاعب
جُبلت على كدرٍ وأنت تريدُها صفوًا من الأكدار والأقذاء
ومكلِّف الأيام فوق طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نارٍ.

كما أن زوجك أو الأبناء بشر، لهم إيجابيات وفيهم سلبيات، والذي يهمُّك هو أمر هذا الزوج، ووجود الأبناء في حياته لن يطول، فالأصل هو هذا الطفل، وهو الاستقرار والاستمرار في حياتك معه، وأعتقد أن هذا سيحصل لك بعد توفيق الله تبارك وتعالى، بقليل من الصبر، وبكثير من المداراة، والمداراة هي أن نعامل الناس بما يقتضيه حالهم، ولذلك أرجو أن تتعوذي بالله من شيطانٍ يريد أن يسلبك السعادة، يريدك أن تنظري للحياة بمنظار أسود، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على فهم نفسيات الجميع حتى تُحسني التعامل معهم.

وأرجو أن تعلمي أن حبُّه لأبنائه ليس خصمًا على حبّه لك، لأن الحب يختلف في طرائقه ودوافعه، وحب الزوجة هذا حبٌُ يختلف عن أي حُبٍّ آخر، وأرجو أن تستفيدي أيضًا من وجود هؤلاء الجانب الإيجابي في حياتهم، ونعتقد أن الرجل الذي يكون عنده وفاء لأهله ووفاء لأولاده هو الذي ينبغي أن نطمئنّ إليه، لأن هذا هو الذي يمكن أن يأتي الخير بسببه، وبسبب قيامه بالواجبات المترتبة عليه.

وأرجو ألَّا تقفي طويلًا أمام الذي يحدث بينه وبين أبنائه، يهمُّك أن تكون علاقتك بهم متميزة، فالعلاقة الزوجية عبادة لرب البريّة، فإن أحسن فلنفسه، وإن قصّر فعليها، ولكن أنت ينبغي أن تُدركي أن إحسانه لك يحملك على مضاعفة الإحسان، وأن إساءته تدعوك إلى عدم المقابلة بمثلها؛ لأن الحياة الزوجية إذا فهمنا أنها عبادة لرب البريّة، وأن المُحسن يُجازيه الله، وأن المقصّر يُعاقبه الله؛ فإن الإنسان -الزوج أو الزوجة- سيجد في نفسه دوافع كبيرة للإحسان.

وطبيعي أن يُؤثّر الأبناء في والدهم، ولكن تذكري أن طفلك أيضًا من أولاده، وأعتقد أن كلامه أنك أمله وأن هذا الطفل هو الأمل بالنسبة له، هذا صحيح، فأنتم وطفلك مستقبل الحياة، والفرص أمامكم كبيرة وواسعة، ونسأل الله أن يُعينك على الخير، ونتمنّى أن تُصححي التصورات التي عندك، وتعوذي بالله من شيطان يريد أن يملأ نفسك حقدًا وحسدًا، وهذا يُتعبك ويُؤذيك قبل أن يُؤذي غيرك، ولذلك عليك بسلامة الصدر، وعليك بالقيام بما عليك، وأنت في مقام بناتنا وأخواتنا، ونتمنّى أن تقومي بما عليك كاملًا، وتسألي الله تبارك وتعالى الذي لك، كما هي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: "تؤدُّون الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم".

نكرر الترحيب بك في الموقع، ونسأل الله أن يُسعدك ويوفقك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً