الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كبر سني دون أن أتزوج وأشعر بفراغ رغم عملي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كبر سني بدون أن أتزوج، شكلي متوسط أو أقل، ناجحة جدًا في مجالي، ودخلي جيد، ولباسي محتشم جدًا، مشكلتي أني أعاني من الفراغ دائمًا، أعمل 16 ساعة أحيانًا وما زلت أعاني نفس المشكلة، وأبحث دائمًا عن حياتي، فلا أجد أي حياة.

أعيش في أسرة بسيطة جدًا، كل أخواتي متزوجات ولهن حياتهن، وأسرتي لا تطلب مني أي التزامات، فلا يوجد أي شخص يمكنني التحدث معه، ولا أحد لديه الرفاهية ليسمعني، على الرغم أني لست كذلك، وأسمع الجميع من حولي.

كان عندي صديقة مقربة جدًا، وكانت كل حياتي، ومنذ سنة تزوجت وانشغلت، فلا أتحدث لها عن نفسي أو أي شيء، وبقيت وحيدة طوال الوقت، ودائمًا أقول إني على أحسن حال، ولا أحب الشكوى وتصغير نفسي أمام الناس، ولكني في الواقع متعبة ولست مرتاحة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة، وبعد:

نحن نتفهم حديثك -أختنا الكريمة-، وندرك أن ما أنت فيه مؤلم ومرهق، لا سيما إذا خلت المعالجات من بعدها الديني والاجتماعي على ما تبين، لكن نود قبل ذلك أن نقول: إن سنك ليس كبيرًا بحيث تقلقين أو تضطربين، فأوكلي الأمر لله عز وجل، واعلمي أن الله حكيم يضع الشيء في موضعه.

ثانيًا: التأخر عن الزواج إلى ما بعد الأربعين أصبح سمة عامة لظروف ليس المجال هنا لتوضيحها، ولو تابعت موقعنا لرأيتك حالات مشابهة كثيرة لحالتك، وبعضها أشد من حالتك بكثير.

ثالثًا: إننا إزاء هذه المشكلة لا بد أن نستحضر عدة معان:

1- الحياة مجبولة على الكدر، لا تخلو منه وإن كان فيها بعض السرور أو الفرح، تلك طبيعة الحياة التي خلقنا فيها، قال الله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
وقد أحسن الشاعر حين قال :
جبلت على كدر وأنت تريدها ** صفوًا من الآلام والأكدار
ومكلف الأشياء ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار

فأنت تشتكين مما ذكرت، وغيرك تشتكي من وقوفها كل يوم أمام مستشفى الكلى لغسيل كليتيها، والتعب الذي أصابها من ذلك، وأشد منها من لا تجد مشفى، أو تجد المشفى ولا تجد المال، وأشد منهما من لا تجد مناصرًا ولا معينًا لها من أهلها، والأحوال كثيرة والابتلاءات متعددة، وحالتك أنت على ما فيها من مشاكل، أمل بعض أخواتنا -نسأل الله السلامة لك والعافية لهم- بعض أخواتنا كل ما ترجوه من الدنيا أن تعيش يومًا من غير ألم، وأن تنام يومًا من غير منوم.

ثم إن المسلم له فلسفة في التعامل مع الأحزان والأفراح، إنه يتعامل معهما على درجة سواء، لأن النبي بشره بأنه في كل منهما مأجور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وأن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له) فكل أمر ألم بك من مكروه يساعدك على الخروج منه أن تؤمني أن الصبر عليه أجره موصول عند الله تعالى.

2- الاطمئنان التام بأن من قدره الله لك لن يكون لغيرك، وأن قدومه في الوقت الذي حدده الله تعالى، وأن زوجك مكتوب باسمه من قبل أن يخلق الله السماوات والأرض، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وهذا يبعث على الطمأنينة، والمؤمن يعلم أن قضاء الله هو الخير للعبد، فالله لا يقضي لعبده إلا ما يصلحه، وقد علمنا القرآن أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيرًا وقد يرد الخير يحسبه شرًا، فقال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وعليه فثقي أن الاختلاط بالرجال مع أنه محرم ولا يجوز كذلك لا يعجل بالزواج، فلا تضعي هذا الأمر أمام ناظريك.

3- ما مضى لا يمنع الأخذ بالأسباب، وعلى أهلك رجالًا ونساء متى ما رأوا الرجل المناسب أن يعرضوا عليه إن كان صاحب دين وخلق، وإن صعب على الأهل فيمكن أن يدخل وسيط في ذلك، وعلى الأم كذلك أن توسع دائرتها الاجتماعية، كل هذا في دائرة الأخذ بالأسباب، مع الاطمئنان تمامًا لقدر الله عز وجل

4- في بعض البلاد هناك التواصل مع من يطلق عليه (الخطابة)، لا بأس من التواصل معها إذا كانت مشهورة موثوقة -وليس كل من قيل عنها خطابة يمكن التواصل معها؛ لأن هناك من ربما تتصف بهذه الصفة وهي تعمل ما يخالف الشرع فانتبهي-، أو يمكن التواصل مع من يحل محل الخطابة الموثوقة، كالمواقع التي تديرها بعض الأخوات أو الهيئات الموثوقة، مع التحفظ في البيانات وعدم وضع صورة لك أو ما يخالف الشريعة، وفي موقعنا يفتي السادة المفتون بقولهم: (إن وجد موقع يشرف عليه أناس صالحون مزكون من طرف أهل العلم والصلاح ذوو خبرة وتجربة، يحتاطون في هذا الأمر غاية الاحتياط، ويتخذون كل التدابير اللازمة لحماية موقعهم من أن يكون وكرا للفساد، إذا وجد موقع بهذه المواصفات، فلا حرج في أن يتخذ وسيلة للبحث في شؤون الزواج).

5- التعرف على بعض الأخوات الصالحات لا سيما اللاتي يعملن في عمل اجتماعي خاص بالفقراء أو المساكين أو المرضى؛ فإن هذا سيثبت الله به تدينك، ويقضي على الفراغ الذي تعيشين فيه، وبعض هؤلاء قد تجد لك زوجًا مناسبًا فدائرة المعارف يجب أن توسع، ثم قبل كل ذلك تكتسبين الأجر من الله تعالى.

6- الدعاء بأن يرزقك الله الزوج الصالح، بأن تتحري أوقات الإجابة؛ وخاصة في الثلث الأخير من الليل؛ فالدعاء فيه مستجاب.

رابعًا: حتى تستقيم حياتك ننصحك بما يلي:

1- أن يكون لك حظ من قيام الليل والذكر وقراءة القرآن، وأن يكون ذلك ديمومة حتى لو كان قليلًا.

2- تذكري الأشياء الجيدة في حياتك، والتي أنعم الله بها عليك، فإن بعض الناس أنعم الله عليهم بأشياء كثيرة لكنهم لا يذكرونها، بل يعيشون فيما أصابهم من مكروه، ولو خرجوا من هذه الدائرة ورأوا نعم الله عليهم في الإسلام، أو في الصحة، أو الذكاء، أو الغنى، أو ما شابه، لشكروا الله على ما أنعم به عليهم، ولدفعهم ذلك إلى تحمل ما ابتلوا به.

3- لا تضخمي البلاء أكثر مما هو عليه، لأن ذلك قد يدفعك إلى الاكتئاب والسلبية.

4- تذكري باستمرار أن هناك من هو أسوأ حالًا منك، حتى تحمدي الله على العافية.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً