الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آلام متفرقة تزداد عند قراءة القرآن..فهل أعاني من سحر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني منذ فترة من كثرة الكوابيس والآلام المتفرقة، سواء في كتفي أو ظهري، وصداع، ومغص، تستمر لفترة، ثم تذهب، ثم تعود مرة أخرى، تزداد هذه الأعراض عند قراءة بعض السور المعينة، مثل الدخان، أو ق، أو الأعراف، ولا تتوقف إلا بعد الانتهاء من القراءة.

ذهبت إلى أحد الشيوخ، فقام برقيتي، وأخبرني أنني أعاني من سحر مأكول، ثم علم أحد المعارف بالأمر، فنصحني بشيخ آخر، اتصلت به تليفونيًا فقام برقيتي، وأثناء الرقية أصابتني هزات قوية، وتشنجات، وأصبحت أرد عليه بصوت خشن، وكأنني شخص آخر، ولا أتحكم فيما أقول، أخبره المتحدث أنه جني مجوسي، وأن هناك عدة أعمال وأسحار قامت بها إحدى قريباتي لي، وأنه غير قادر على فكها.

بعد انتهاء الرقية، أخبرني الراقي أنه بحاجة لجلسة أو جلسات أخرى، وطلب مني قراءة بعض الأذكار والأدعية والآيات حتى موعد الجلسة المقبلة، لكنه طلب مني إرسال صورة شخصية لي.

أرجو الإفادة: هل هناك أي ضرورة للصورة لفك السحر الذي أعاني منه، أم أن الأمر غير ذلك؟ للعلم: أنا أعاني من الكثير من المشاكل، ولم يسبق لي الخطبة حتى الآن، كما أنني لا أعمل، وأعاني كثيرًا في الحفاظ على الفروض ومزاولة حياتي بشكل طبيعي، لذلك أخاف أن أرفض طلب هذا الراقي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

دعينا نثبت أولاً قاعدتين قبل أن نجيب على سؤالك:

القاعدة الأولى: أن الأمور كلها بيد الله تعالى، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريده، وكل شيء عنده بأجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) والمؤمن حين يعتقد ذلك يستريح؛ لأنه يؤمن بأن الأمور بيد الله، ودائماً يردد: (لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، وعليه فلا الساحر ولا الحاسد ولا العائن قادر على أن يفعل شيئاً لم يأذن به الله، وكل مأذون فيه هو لحكمة وإن جهلنا كنهها.

القاعدة الثانية: العين والحسد والسحر حق، وله تأثير عام، لكن لا يقع إلا بإذن الله تعالى، وقد دل على ذلك القرآن والسنة، فمن القرآن ما قاله الله على لسان يعقوب عليه السلام: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: خوفاً عليهم من العين. وكذلك قول الله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).

وأما السنة فما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا). رواه مسلم.

ثانيا: أما سؤالك أختنا الكريمة، فإنا لا نعلم مصلحة بعينها لإرسال الصورة، ولا نود أن تفعلي ذلك، وإذا ما تأكدتم من صدق الراقي، وأنه يتعامل بالسنة، فيمكن أن تجعلي التواصل معه عن طريق أحد محارمك، ويفسر له لماذا طلب، ويكون الوسيط هو من يتواصل طيلة الأمر معه.

ثالثاً: اعلمي بارك الله أن علاج العين أو الحسد أو غيرهما أمر هين، فلا تقلقي ولا تستعظمي ما ألم بك، بل عليك الهدوء، ومن ثم القيام بما ورد في الكتاب والسنة، والمحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية، مع الإيمان والتصديق واليقين بالله عز وجل.

رابعاً: علاج ما أنت فيه هو بالرقى الثابتة بالكتاب والسنة، والتي منها:

الرقى بالفاتحة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمن رقى بالفاتحة "وما يدريك أنها رقية" رواه البخاري.

- قراءة "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس"، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لم يتعوذ الناس بمثلهن،" رواه مسلم، و"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين ونفث". متفق عليه. والنفث: النفخ، وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لما سحره اليهود.

- كذلك آية الكرسي.

- خواتيم سورة البقرة.

- كذلك قراءة سورة البقرة كل ليلة في البيت، فإن لم تستطيعي فعلى الأقل سماعها كل ليلة، المهم أن يكون ذلك كل ليلة ولا بد من الصبر والاستمرار أختنا الفاضلة.

- المحافظة على الأذكار والأوراد الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكنك الاستعانة بكتاب: (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة).

كذلك يجوز الرقية على الماء وصبه عليك، فهي نافعة بإذن الله تعالى، وقد ذكر ابن القيم أثراً في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور، والآيات هي قوله تعالى: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) [يونس81 ] وقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف 118إلى120] وقوله (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه69]

وقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حين سأل عن ذلك : ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض ليس محذوراً من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة.

نسأل الله أن يصرف عنك ما ألم بك، إنه جواد كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً