الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انكسرت مراراً وضغوطي النفسي جعلتني شخصاً غير سوي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أعاني نفسيًا، تحطمت نفسيتي وانكسرت مرارًا في مواقف عديدة، ولا يمنعني من الانتحار سوى رغبتي في دخول الجنة وخوفي من النار؛ ونتيجة لذلك، تحملت فوق طاقتي حتى استنفدتها تمامًا.

لم أعد أحتمل أي ضغط إضافي من العائلة أو غيرهم، وأنفجر في وجه أي شخص دون تفكير، أصبحت شخصًا غير سويٍّ على الإطلاق، وتحولت إلى شخصية لا ترى ولا تفعل إلا الشر.

أرغب في إيذاء الناس وإلحاق الألم بهم، وأشعر بالسعادة عندما أراهم في حالة حزن وألم، لم أتخيل يومًا أن أصير هذا الشخص، وأوشكت أن أطلب مساعدتكم في فعل ذلك، لم أعد أستطيع التفكير بشكل سليم، وأحاول الحفاظ على صلاتي قدر المستطاع، لكنني أنتكس ثم أتوب مرارًا، وفي كل مرة يزداد انحداري.

هل يجب أن أذهب إلى مصحة نفسية؟
هل قتل النفس خوفًا من الأسوأ جائز؟ وهل هناك حل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في الموقع، ونسأل الله تعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يُعينك على طاعته وذكره وشكره؛ ففي هذا الطمأنينة والراحة والحياة الطيبة، قال العظيم في مَن آمنوا وعملوا الصالحات: {فلنحيينه حياةً طيبة}، في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة.

وقد أسعدنا رغبتك في الجنة وخوفك من النار، وهذا هو المحرّك لكل الأخيار، فكيف لو رأى الناس الجنَّة، لازدادوا لها طلبًا -كما في الحديث-، وكيف لو شاهدوا النار لازدادوا منها فرارًا! فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُعيننا جميعًا على الفوز بالجنة، وعلى العمل الذي يُدخلنا الجنّة ويُقرِّبنا إلى ربنا ويُجنّبُنا من النار.

وهذا الذي يجعل الناس يتحملون، بل هذا الشعور هو الذي يجعل الصحابي يرمي التمرات ويقول: "لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ طويلة"، نسأل الله العظيم أن يُحسن ختامنا، وأن يُحسن خلاصنا.

وأرجو أن تعلم أن وجود الإنسان في جماعة له ثمن، ولذلك الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط ولا يصبر، ولا نجاة للإنسان من هذا الاختلاط؛ لأن الإنسان مدني بطبعه، ومَن يتذكّر لذّة الثواب ينسى ما يجدُ من الآلام، وصياحك في الناس وقسوتك على الناس لا تزيدُك إلَّا ألمًا، ولا تزيدُك إلَّا بُعدًا.

ولذلك أرجو ممّن ذاق الألم ألَّا يُذيق الناس الألم، فتكون ردة الفعل إيجابية، يرحم الناس، لأنه تعرّض للشر وتعرّض للأذى، فيحجب هذا الشر عن الناس.

وتعوّذ بالله من شيطانٍ يريد أن يدفعك نحو الهاوية {إن الشيطان لكم عدوٌ}، هكذا علَّمنا ربُّنا، ثم وجَّهنا فقال: {فاتخذوه عدوًّا}، وستجد عندها المساعدة لكن لفعل الخير، ولنفع الخلق، فخير الناس أنفعهم للناس، بل معاملة الناس بالحسنى من أكبر أبواب السعادة، ومن أكبر الأسباب الجالبة أيضًا للسعادة وللسرور وللانشراح أن يكون الإنسان في خدمة الناس.

اجتهد دائمًا في أن تُصلح ما بينك وبين الله، في أن تُكثر من ذكر الله، في أن ترغب في الخير الذي عند الله تبارك وتعالى، قال أبو الدرداء لمن أساء إليه: "لا تتوسّع في سبِّنا، واجعل للعفو موضعًا، واعلم أننا لن نُجازي مَن عصى الله فينا بمثل أن نُطيع الله فيه".

الذي نطلبه هو أن تُغيّر هذا التفكير، وأن تستمر في المحافظة على الصلاة، وأن تحرص على طاعة الله تبارك وتعالى، وأن تُعامل الناس بالحسنى، فإن خير علاجٍ للشرِّ هو أن نقابله بالحسنى، ولذلك قال: "واعلم بأننا لن نُجازي مَن عصى الله فينا بمثل أن نُطيع الله فيه".

وتوقّف عن كل معصية، عن كل ما يُبعدك عن الله تبارك وتعالى، ولا مانع من أن تُقابل طبيبًا نفسيًّا، وتعرض نفسك على راقٍ شرعي، فإن الرقية دعاء، ومحافظتك على أذكار الصباح والمساء فيها الخير والحماية، وحذار أن تفكّر مجرد التفكير في إلحاق الأذى بنفسك؛ فتلك خسارة الدنيا والآخرة، والحل في أن تتوب إلى الله وتتواصل مع موقعك، ومرحبًا بك.
__________________________________________
انتهت إجابة: د. أحمد الفرجابي .. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
تليها إجابة: د. محمد عبد العليم .. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
__________________________________________
نرحب بك في إسلام ويب.

رغبتك في دخول الجنّة وخوفك من دخول النار -أخي الكريم- قيمة عظيمة جدًّا، وهي -كما ذكرتَ- تمنعك من الإقدام على إيذاء نفسك والانتحار، والحمد لله أنت شخص سويّ، وقد ذكرت أنك أصبحت شخصًا غير سوي، وهذا ليس صحيحًا، فأنت تُقيِّم وتُقدِّر وتُعَرِّف عن عيوب نفسك وسلبياتها، لكن كنَّا نتمنَّى أن تذكر أيضًا شيئًا من الإيجابيات حول ذاتك، ونحن نثق تمامًا أن لديك الكثير من الإيجابيات.

أخي الكريم: أنت تُعبّر عن حالة من الضجر ومن عدم قبول الذات، وتعبّر عن سماتٍ من سمات الشخصية، لا نقول المعادية للمجتمع، لكن التي تحمل الكثير من المشاعر السلبية الداخلية تجاه الآخرين، في الغالب أن الإشكاليات التي لديك تتعلّقُ بالبناء النفسي لشخصيتك، وفي ذات الوقت أُصبت بشيءٍ من عُسر المزاج.

طبعًا مقابلة طبيب نفسي سيكون أمرًا جيدًا وإيجابيًّا، ولا أعتقد أنك تحتاج لدخول مصحة نفسية، فمن خلال الحوار النفسي مع المختص سوف يحدث لك نوع ممَّا نسميه بالتفريغ النفسي الداخلي، وهذا في حدِّ ذاته يُعتبر آلية علاجية ممتازة جدًّا، ومن خلال هذا الحوار الإكلينيكي مع الطبيب أيضًا سوف تتفهّم وبشكل واضح الطريقة السليمة والصحيحة للتعامل مع نفسك، وكذلك التعامل مع الآخرين.

نحن نحتاج لِمَا نسميه بالذكاء، هنالك الذكاء الأكاديمي، أو الذكاء المعرفي، وهو الذي من خلاله نكتسب المعارف، ونُدير شؤون حياتنا، وهنالك نوع آخر يُعرف باسم (الذكاء العاطفي) أو (الذكاء الوجداني)، وهو أيضًا مهمٌّ وضروري جدًّا، والذكاء الوجداني أو العاطفي نتعلّم من خلاله كيفية أن نفهم ذواتنا ونتعامل مع أنفسنا تعاملًا إيجابيًّا، وكذلك كيف نفهم ونتفهّم الآخرين ونتعامل معهم تعاملًا إيجابيًّا.

أنا أعتقد أنك تحتاج لأن تتطور في هذه الناحية: أرجو أن تطلع وتقرأ عن الذكاء العاطفي أو ما يُسمَّى بالذكاء الوجداني، ومن أحسن الكتب التي كتبت في هذا السياق، كتاب الدكتور دانييل جولمان، وهذا الكتاب مترجم، وتُوجد كتبٌ أخرى أصغر في حجمها وأفيد.

فتطوير الذكاء العاطفي لديك سوف يُعلّمك كيف تُحسّن من مشاعرك، وكيف تتعامل مع نفسك بصورة إيجابية، وكيف تطور ذاتك، وكذلك كيف تتعامل مع الآخرين.

هذه هي الأسس الرئيسية التي تحتاج إليها، ولا تنس أن لديك أمورًا إيجابية كثيرة، فأنت شاب، وأنت في هذه الأُمّة الإسلامية، وأنا متأكد أن لديك أسرة، لديك معارف، ابنِ على ذلك، ومن الضروري جدًّا أن تختار الصحبة والرفقة الطيبة، ومن الضروري جدًّا أن تُحدد لنفسك أهدافًا، حتى وإن كانت هذه الأهداف بسيطة جدًّا، وتضع الآليات التي توصلك إلى أهدافك، هكذا يستطيع الإنسان أن يتحسّس طريقه في الحياة، وسوف تحسّ بالكثير من الراحة -إن شاء الله تعالى-.

من المهم جدًّا أن تجعل نمط حياتك نمطًا إيجابيًّا، وذلك من خلال تنظيم الوقت، تجنُّب النوم النهاري، تجنُّب السهر، ممارسة الرياضة، التغذية السليمة، وفي موضوع حرصك على المحافظة على الصلاة؛ هذا في حدِّ ذاته أمر عظيم، هذه النية الطيبة -والنيّة هي العزم والقصد- سوف تُوصلك -إن شاء الله تعالى- إلى غاياتك، فقط احرص على الصحبة الطيبة دائمًا، وأقْدِم على الصلاة بكل انفعالٍ إيجابي وانشراح.

محسّنات المزاج أعتقد أنها سوف تفيدك كثيرًا، وهي أدوية متعددة، قد تحتاجُ لواحد منها، وأنا متأكد أنك حين تُقابل طبيبك -إن شاء الله- سوف يصف لك أحد هذه الأدوية، ومن خلال الجلسات النفسية أيضًا سوف تنفرج الأمور كثيرًا، وسوف تجد أن الحياة أفضل ممَّا كنت تتصور، وقد أفادك أيضًا الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي بكل ما هو مفيد، فأرجو أن تأخذ بما أرشدك إليه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً