الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يتكلم كثيراً عن الدين مما يشعرني بالتقصير!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجي كثير الحديث عن أمور الدين والذكر؛ وهذا يشعرني أحيانًا بالتقصير والضيق، رغم أني -ولله الحمد- أُصلي، وأقرأ القرآن، وأذكر الله، وأسأل الله أن يتقبل مني ومن جميع المسلمين، لكنه لا يُحب التحدث في شؤون الحياة اليومية، ويعتبر ذلك من النميمة، حتى إذا تحدثت عن شخص ظلمني ظلمًا واضحًا، ومن باب الفضفضة فقط، كان يُنكر عليّ ذلك، ويقول: "هذه نميمة وأخذ من حسناتك!".

أنا في حيرة من أمري، فهل من الخطأ أو الحرام أن أشعر بالضيق من كثرة حديثه عن الدين؟ وهل شكواي ممن ظلمني تُعد غيبة أو نميمة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يُديم المودة والألفة بينك وبين زوجك، ونحب أن نلفت انتباهك إلى أنكِ قد رُزِقتِ خيرًا عظيمًا، ومنَّ الله تعالى عليكِ بعطاء جزيل، وهو الزوج الذي يُعينك على ذكر الله تعالى، ويُذكّرك بدينك.

وأمَّا استكثارك للكلام عن الدِّين، وإحساسك بالضيق بسبب الشعور بأنكِ مقصودة بالكلام، وأنكِ تعيشين حالة من التقصير؛ فكل هذا أوهام يُحاول الشيطان أن يُضخّمها ويُعظّمها في نفسك، حتى لا تنتفعي بهذا الكلام الذي تسمعينه، وحتى تجدي نفورًا من حديث زوجك معك عن دينك، فاحذري من التمادي مع هذا الشعور والركون إليه، بل حاولي بقدر استطاعتك مجاهدته.

وممَّا يعينك على ذلك -أختنا العزيزة-: أن تعلمي جيدًا أن كل الناس مقصرون في حق الله تعالى، مهما أحسنوا وبالغوا في الطاعة وفعل القُرُبات، فإذا كان أنبياء الله تعالى المعصومون، يُقِرُّون بتقصيرهم ويعترفون بظلمهم وبذنوبهم، فكيف بنا نحن؟ والقرآن الكريم مليء باستغفار الأنبياء، وأنتِ تقرئين في قصة يونس عليه السلام قولته التي قال الله تعالى عنه: {لَا إِلَه إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وآدم عليه السلام يقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، ونوح، وإبراهيم، وداود، وسليمان، فكلهم يستغفرون الله مع أنهم معصومون من الخطأ، أمَّا رسولنا الكريم ﷺ، فكان يملأ ليله ونهاره بالاستغفار، فإذا كان هذا حال الأنبياء، فكيف بغيرهم من الناس؟ وكيف بنا نحن في هذا الزمان؟ فلا بد أن يشعر الإنسان بأنه مقصّر، وطاعتنا المفروضة علينا، فيها ما فيها من الغفلة والتقصير، وممَّا لا شك فيه أننا نقع في بعض المحرمات، سواء بالعين أو باللسان أو بغير ذلك.

فلا ينبغي أبدًا أن تشعري بأنكِ كاملة وأنك غير مقصرة، الشيطان يحاول أن يوحي للإنسان بهذا، ليصرفه عن الاستكثار من الطاعات والعبادات؛ فكوني حريصة على الانتفاع بكل ذِكرى تسمعينها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، وحينها ستدركين أنكِ في نعمة عظيمة؛ وأن زوجًا يُذكرك بالدّين ويحثك على القرب من الله تعالى، ويحسّسك ويُشعركِ بالحاجة إلى التوبة والاستغفار، خيرٌ من زوجٍ يُلهيكِ عن ذلك كله.

وأمَّا حديثك عمّن ظلمك من الناس، فمجرد ذكركِ لهذه المظلمة ليست غيبة محرمة ولا نميمة، ما دمتِ تقصدين بها مجرد الشكوى، أو الاستعانة بمن يرفع عنك هذا الظلم، أو ما شابه ذلك من المقاصد المباحة، ولكن مع ذلك ينبغي ألَّا تسترسلي مع هذا السلوك؛ فإنه قد يؤدي بك إلى تجاوز حدود المظلمة، والوقوع في المحرم من الغيبة.

فنصيحة زوجكِ لك نصيحة ثمينة وغالية؛ فالغيبة المحرمة ليست إلَّا إهداء الحسنات إلى هذا الإنسان الذي نغتابه ونذكره في غيبته، وممَّا لا شك فيه أن العاقل لا يرضى بذلك، لا يرضى أن يُهدي حسناته لعدوّه، وأن يُقدّم ثواب طاعاته على طبق من ذهب للإنسان الذي يكرهه، فيجمع بذلك على نفسه مصيبتين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك للخير، ويعينك عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً