السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من تغير لون الوجه، وعدم التوفيق في الحياة العملية، يتم رفضي باستمرار، وموضوع الخطوبة لا يكتمل، فجأة يتغير الخاطب ويتحول الحب إلى كراهية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من تغير لون الوجه، وعدم التوفيق في الحياة العملية، يتم رفضي باستمرار، وموضوع الخطوبة لا يكتمل، فجأة يتغير الخاطب ويتحول الحب إلى كراهية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إنزاهة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يقدّر لك الخير، ويصلح الأحوال.
كنا -حقيقة- بحاجة إلى مزيد من التفاصيل؛ حتى نعرف، هل هذه الحالة جديدة أم هي حالة مستمرة؟ ونود أن نعرف أيضًا، هل لهذا التغيّر الذي تلاحظينه أسباب مادية معروفة، تعتقدين أن لها علاقة بالأمر؟ أم لا توجد أسباب؟ فإذا كان هناك أسباب ظاهرة تعتقدين أن لها صلة بهذا التغيّر، كاستخدام بعض الكريمات، أو المستحضرات، أو تغيّر في الجو، أو نحو ذلك، فإن هذا من اختصاص الأطباء، وهم الأقدر على تشخيصه.
أمَّا إذا لم يكن هناك تغيّر ظاهر، فقد يكون الأمر بحاجة إلى رقية شرعية، وقراءة الأذكار، ولهذا ننصحك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، فهي من أهم أسباب التحصين والعافية.
وبالنسبة للتوفيق في الحياة، فلا بد أن ننظر في السُبل التي تسلكينها، هل هي السُبل والطريقة الصحيحة في البحث عن عمل؟ وهذه الصعوبات التي تواجهك، هل هي صعوبات عامة موجودة عند كثير من الناس، لضيق الفرص وقِلتها، أم هي خاصة بك؟
أيضًا قد تحتاجين إلى مراجعة الطريقة التي تتقدّمين بها للوظائف، ولهذا نحن نحتاج إلى مزيد من التفاصيل، وذكر نماذج محددة؛ لأن هذه النماذج تعيننا على فهم الحالة وعلى حُسن الإجابة فيها.
وكذلك الحال في موضوع الخِطبة؛ هذا الخاطب الذي يتقدم:
- كيف تم استقباله؟
- وما أسباب التغيّر؟
- وهل يمكنك أن تحددي سببًا لذلك التغيّر؟
- هل حدث موقف معين؟
- وهل عند حضور خاطب جديد، تخبرينه بأن هناك من تقدّم وطرق الباب ثم انصرف؟ لأن بعضنا بهذا الأسلوب قد يثير التردد في نفس الخاطب، فيقول: لماذا جاء قبلي غيري وترك؟ وما الذي دفعه للانصراف؟
هذه أسئلة نحتاج فيها إلى بعض التفاصيل، لكن قبل ذلك وبعده نوصيك بالآتي:
- كثرة ذكر الله -تبارك وتعالى-، وكثرة الدعاء واللجوء إلى الله.
- والإكثار من الاستغفار.
- والإكثار من الصلاة على النبي ﷺ.
- والحرص على برّ الوالدين، وصلة الرحم؛ فهذه كلها أبواب للخير.
- واحرصي أيضًا على مساعدة المحتاجين، فـ"من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته"، وهذا من أعظم أسباب التوفيق في الحياة، وأقصر طريق لتكون أمور الإنسان ميسّرة، أن يفعل المعروف، وأن يبذل الصدقة للمحتاجين.
- كذلك الاستقامة على أمر الله، والبعد عن المعاصي، هي من أهم الأمور؛ فإن للمعصية شؤمًا، وثمارًا مرّة، أما الطاعة فهي بركة وخير في الدنيا والآخرة.
أنتِ -بإذن الله- رابحة في كل الأحوال، فكوني راضيةً بما يقدّره الله، وقد وجَّه النبي ﷺ هذا الخطاب لنا -معشر الرجال والنساء- بقوله: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له" فأنت مأجورة في كل الأحوال.
عليك أن تبذلي الخطوات الصحيحة في المحافظة على صحتك، والخطوات الصحيحة في البحث عن عمل، والخطوات الصحيحة في التعامل مع من يطرق باب داركم، وبعد ذلك إن حصل تأخّر أو عدم توفيق، فلا بد أن تكوني راضية بقضاء الله وقدره، لأن أمر الله نافذ، فمن رضي فله الرضا.
والإنسان -سبحان الله- قد يُحرَم من أمرٍ يظنه خيرًا، لكنه في علم الله ليس كذلك، فربما صرف الله عنك خاطبًا، وآخر، وثالثًا، ليأتيك مَن هو أصلح لك وأقرب إلى حالك، والله أعلم بما يُصلح عباده، وقد قال: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فقد يكون في تأخر الإجابة مصلحة، فإن {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٍ}.
فالإنسان بعد أن يفعل وبذل الأسباب، يتوكل على الكريم الوهاب، ويرضى بما يُقدّره الله تبارك وتعالى، ولذلك كان ابن الجوزي -رحمه الله- يقول عن أهل الإيمان: "كانوا يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يُعطِهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم باللائمة على نفسه، فيقول: مثلي لا يُجاب، أو يقول: لعل المصلحة في ألا أُجاب".
والمؤمن في كل أحواله لا ينفكّ عن التوجّه إلى الله -تبارك وتعالى- يُكثِر من الاستغفار، ويُلحّ في الدعاء، ويلجأ إلى ربه في السراء والضراء، مستلهمًا دعوات أنبياء الله -عليهم السلام- الذين ضربوا أروع الأمثلة في حسن الظن بربهم، وعدم اليأس من رحمته، حتى في أحلك الظروف وأصعبها.
فهذا إبراهيمُ عليه السلام، وقد تقدّم به العمر، يناجي ربه بقوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100]، فيجيبه الله بقوله: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: 101]، ويقول سبحانه: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ﴾ [الصافات: 112–113].
وكذلك زكريا عليه السلام، رغم كبر سنّه وعقم زوجته، يدعو قائلاً: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38]، فتأتيه البشرى من الملائكة: ﴿فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌۭ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ﴾ [آل عمران: 39]، ويقول تعالى أيضًا: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَٰرِثِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَوَهَبْنَا لَهُۥ يَحْيَىٰ﴾ [الأنبياء: 89–90].
وهذا عيسى عليه السلام يدعو كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾ [المائدة: 114].
ومن دعاء الصالحين أيضًا قولهم: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف: 15]، وقولهم: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].
فهذه الأدعية المباركة، التي صدرت عن أفواه خيرة خلق الله، كانت سببًا في تفريج الكرب، وتحقيق المرغوب، ورفع البلاء، وهي ميراث عظيم للمؤمنين من بعدهم، يلجؤون بها إلى ربهم الكريم، ويوقنون أن خزائنه لا تنفد، ورحمته لا تُحدّ.
وتذكّري قول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار"، يعني: كنا نؤمن أن الخير كله فيما يختاره الله لنا، ونرضى بما كتبه الله في اللوح المحفوظ من أرزاق وأقدار وأحداث، فنسعد، لا عندما تقع الأشياء كما نشتهي، بل عندما نقول بقلوب مطمئنة: "هذا ما قدّره الله لنا، وهو خيرٌ لنا ولو لم نُدرك ذلك الآن".
نسأل الله لنا ولكِ التوفيق والسداد.