الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابنتي عصبية ومستفزة وتتهمني بعدم الاهتمام بها!

السؤال

السلام عليكم

ابنتي البالغة من العمر 15 عامًا، وهي الوسطى بين أختين، شديدة العصبية لدرجة أنه لا يمر يوم دون أن تغضب عدة مرات، وكلامها دائمًا مستفز؛ فعلى سبيل المثال: إذا تحدثت إليها أختها الصغرى ذات الست سنوات ولو بأمر بسيط، ترد عليها قائلة: "اخرسي"، وإذا قال لها أحد إخوتها أي شيء، ترد بعصبية: "لا دخل لك"، وتجاوبه بنفس الطريقة.

أرهقتني كثيرًا ولم أجد معها حلًا، فهي تتهمني دائمًا بالتقصير في حقها، وتلومني، وتقول: "عندما كنت صغيرة، كنت أذهب إلى المدرسة دون ماء، وكانت المدرسة تغضب عليّ لأنك لم تضعي لي الكتب"، إلى غير ذلك من الكلام.

في السابق، كانت تتهمني بعدم العدل في الشراء بينها وبين إخوتها، فبدأت أدوّن كل ما أشتريه في دفتر حتى هدأت، لكنها ما زالت تلعب دور الضحية باستمرار، وتحاول إثارة المشاكل مع إخوتها ثم تدّعي أنها مظلومة.

حاولت أن أهتم بها كثيرًا، وأعطيها العاطفة والحنان، لكنها تريد ذلك لها فقط، ولا تريدني أن أُظهر الاهتمام لإخوتها.

علمًا أن هذا السلوك يقتصر فقط على تعاملي معها ومع إخوتها، أما أمام والدها، فلا تجرؤ على القيام بأي من هذه التصرفات.

وفي المدرسة، كانت سابقًا دائمة المشاكل مع الطالبات، لكن الإدارة كانت صارمة معها حتى أصبحت لا تجرؤ على مثل هذه السلوكيات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ اهتمامكِ بأمر الفتاة، نسأل الله أن يصلح حالها، وأن يلهمها السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

وأرجو أن تتفقي مع والدها على وضع خطة موحدة في توجيهها وتربيتها، وحرّضوا إخوتها الصغار على احترامها وحفظ مكانتها؛ فإن ديننا يأمرنا بأن نوقر كبيرنا، ويأمر بأن يرحم كبيرنا صغيرنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على تجاوز هذه الصعوبات في تربية هذه الفتاة.

وإذا كان هذا التصرف معك فقط، وليس أمام والدها، وأيضًا استقامت في المدرسة بعد أن تم التشديد عليها؛ فإن هذا يُبشّر بأن هذا السلوك يمكن السيطرة عليه -بإذن الله- إذا عرفتم طبيعة المرحلة العمرية التي تمر بها، هذه المرحلة تحتاج مزيدًا من الاهتمام والرعاية، أعطوها بعض المسؤوليات، وحرّضوا إخوتها الصغار على أن يقدّروها ويحترموها، واصبروا على تصرفاتها وكلامها.

وحاولي أيضًا ألَّا تبالغي في إظهار الحفاوة بأخواتها وإخوانها الصغار في وجودها؛ ليس لأنها على صواب، لكن لأن غيرتها زائدة، ولأن المقارنات عندها كثيرة، وإذا تعاملتم بلطف مع أحد الصغار، فمن المفيد أن تذكّروها بما كنتم تعاملونها به لمّا كانت صغيرة؛ لأنها لا تذكر الوضع الذي كنت تتعاملون به معها، وعندما ترى هذا الدلال مع إخوتها الصغار تظن أنكم أهملتموها وأنها لم تجد تلك العناية.

ومن المعلوم أن الصغير بحاجة لمزيد من العناية والاهتمام؛ ولهذا لما قيل للمرأة الصالحة: أي أبنائكِ أحب إليكِ وأيهم تفضلين عن غيره؟ قالت: "الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يطيب، والمسافر حتى يعود"، أمَّا في غير ذلك، فالعدل هو شريعة الله تبارك وتعالى.

وقد أحسنتِ في توضيح مسألة المشتريات، وهذا مما ساعد على إقناعها، أيضًا نحن بحاجة إلى أن نبرّر كثيرًا من التصرفات التي نقوم بها عندما يكون في الأبناء والبنات إنسان غيُّور أو يشعر أنه مظلوم، ويرى أن غيره مفضل عليه، ولذلك علينا أن نبين له عمليًا أنه يأخذ حقه وزيادة، وأنه يحظى باهتمام ورعاية مثله مثل بقية إخوته، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الخير.

إذًا: نحن نقترح أن تزيدوا من الاهتمام بها، وأن تشجعوا لطفها واهتمامها بإخوتها الصغار، وشجعوا الصغار كذلك على احترامها والصبر عليها.

ولا تكثروا من الشكوى من مشكلتها أمامها، وحاولوا دائمًا إشغالها بالمهام، كالدراسة، وحفظ القرآن، وتنمية مهاراتها، واربطوها بصديقات صالحات؛ فإنها تأخذ عنهنَّ وتتأثر بهنَّ في هذه المرحلة العمرية.

ومن المهم أيضًا أن تهتموا بها إذا أحسنت، ولا تلتفتوا كثيرًا إلى تصرفاتها إذا غضبت أو عصّبت؛ لأن التركيز على الخطأ يزيد الخطأ، والتركيز على التصرفات الجميلة يزيدها ثباتًا وظهورًا.

وحاولوا كذلك أن يتفادى إخوتها الصغار الأمور التي تزعجها، والتي تدفعها إلى التلفظ بكلامٍ يزعجكم، أو تحاول من خلاله أن تظهر نفسها أنها ضحية.

نسأل الله أن يعينكم على الخير، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، ونسأل الله أن يعينكم على الخير، وعلى حسن التربية، وأن يجعل أبناءكم وبناتكم قرة عين لكم في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً