الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بُعدي عن أسرتي والضغط النفسي يرهقانني، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكر لكم مجهودكم المستمر، وجزاكم الله خير الجزاء.

سؤالي هو:
أعمل طبيبًا مقيمًا في الجامعة (باطنة عامة)، وطبيعة العمل مرهقة جدًا، وعدد ساعات العمل كثيرة جدًا، وأحيانًا تصل إلى 36 ساعة متواصلة.

الجامعة التي أعمل بها تقع في محافظة أخرى غير المحافظة التي أسكن بها، وأنا متزوج، ولديّ ابن، وبالكاد أراهم في نهاية الأسبوع ليوم واحد، وهناك أسابيع لا أتمكن من رؤيتهم بسبب ضغط العمل.

هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من المشاكل في بيئة العمل، وتعامل أساتذة الجامعة -خاصة في القسم الذي أعمل به-، صعب جدًا، وأتعرض لضغط نفسي يومي، وأدخل أحيانًا في نوبات اكتئاب.

مع العلم أني كنت مصابًا بالوسواس القهري منذ أربع سنوات، وكان يظهر على شكل نوبات، لكنه مستقر الآن -بفضل الله-، بعد تناول دواء (مودابيكس، Moodapex)، وفهم طبيعة الوسواس.

أفكر في الاستقالة من الجامعة، والبحث عن بيئة عمل يكون عدد ساعات العمل فيها أقل، لأمنح نفسي فرصة لرؤية أهلي، وممارسة أنشطة مختلفة عن الطب.

أعلم أن العمل الجامعي له ميزات في الجانب الأكاديمي، ولكن يمكن تعويض ذلك في أماكن أخرى ببذل المجهود.

مشكلتي الآن تكمن في بُعدي عن أسرتي، والضغط النفسي، وبيئة العمل الصعبة والمرهقة، وأشعر أنني مستهلك في هذا العمل، والله المستعان، فما نصيحتكم؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك -أخانا الفاضل- مشاركتك لنا هذه المشاعر الصادقة، ونتفهم تمامًا ما تمرّ به من تعب ناتج عن العمل لساعات طويلة، وضغوط الجامعة، والبعد عن العائلة، إلى جانب ما تتعرض له من نوبات الوسواس القهري، لا شك أن كل هذه الأمور تُثقل القلب والعقل، ومن الطبيعي أن تشعر بالإرهاق والرغبة في التغيير.

لكن قبل اتخاذ قرار كبير مثل ترك الجامعة، من المهم أن تتريث وتفكر بشكل عقلاني، وتسأل نفسك: هل المشكلة في الجامعة نفسها؟ أم في طريقة إدارة الوقت والتوازن بين العمل والحياة؟ أحيانًا لا تكون المشكلة في الجامعة بحد ذاتها، بل في الضغط المتراكم من عدة جهات، فكر أيضًا في تأثير ترك الجامعة على مستقبلك المهني والأسري، وهل ستكون قادرًا على تعويض هذه الخطوة بسهولة، وتذكّر قول النبي ﷺ: «كفى بالمرء إثمًا أن يُضيّع من يَقوت» [رواه أبو داود]، فإن رعاية الأهل مسؤولية عظيمة.

من المهم كذلك ألا تُقدم على هذه الخطوة ما لم تكن لديك بدائل واضحة وخطة مستقبلية مضمونة، سواء من حيث وجود فرصة عمل مناسبة وثابتة، أو إمكانية الانتقال إلى وظيفة أو تدريب أقرب إلى مكان سكنك، وكن صريحًا مع نفسك بشأن أهمية الشهادة الجامعية في مجالك، وهل يمكن تحقيق طموحاتك من دونها؟

لا بأس أن تفكر في حلول وسط تُمكّنك من الاستمرار دون استنزاف، كأن تقلل من عدد ساعات العمل أو الدراسة، أو تطلب إجازة مؤقتة تعيد فيها ترتيب أولوياتك وتسترجع فيها قوتك النفسية، وإن كان ممكنًا فاسعَ لنقل وظيفي أو تدريبي إلى منطقة أقرب من أهلك.

نوصيك كذلك بالجلوس مع من تثق بهم، مثل زوجتك أو أحد من أهلك، فمشاركة الرأي تعين على وضوح الصورة، وخذ وقتك الكافي قبل اتخاذ القرار النهائي، فالتسرع في مثل هذه الأمور قد يسبب ندمًا لاحقًا.

أما إن تيقنت أن الاستمرار في الجامعة سيضر صحتك النفسية بشكل كبير، وكنت قادرًا على توفير بديل واقعي يضمن لك الاستقرار الأسري والمعيشي، فلا حرج من تركها مؤقتًا والبحث عن مسار جديد يناسبك، فطرق النجاح متعددة، ولا يُشترط أن تكون دائمًا من نفس المسار طالما النية صادقة والجهد مبذول.

سدد الله خطاك، ووفّقك لما فيه الخير، وأعانك على اتخاذ القرار الذي يرضيه عنك وينفعك وينفع أهلك وأمتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً