الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أوجه غيرتي نحو الفتاة التي وعدتها بالزواج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة، دخلت في علاقة مع فتاة، قبل حوالي ثلاث سنوات، أحببتها بصدق، وكانت العلاقة بيننا نقية من ناحيتي وناحيتها، وكنا نحرص ألَّا نتجاوز أي حدود، لكننا قررنا مؤخرًا أن نبتعد عن بعضنا، لوجه الله، إلى أن ييسر لنا الله الزواج -إن شاء الله- لأننا لا ننكر أن العلاقة محرمة.

ما زلنا نحب بعضنا، ونتمنى أن يكون لقاؤنا في الحلال، وهي الآن تنتظرني، وأنا أسعى في طريقي لتحقيق هذا الهدف، أنا أدعو لها دائمًا في صلاتي، ولا أنساها من دعائي، لكن مشكلتي أنني أغار عليها كثيرًا، فهي تحجبت قبل عام، ولكن حجابها ليس بالشكل الشرعي الكامل، وهي بطبعها تحب أن تظهر بمظهر جميل، وأحيانًا تتزين، لكن ليس بشكل فاضح، ومع ذلك أشعر بغيرة شديدة عليها، خصوصًا أنني أحبها وأخاف عليها.

أخشى إذا جمعنا الله بالحلال أن تكون عنيدة في بعض الأمور، فهي بطبعها عنيدة أحيانًا، لكنها تحمل الخير والبر لأهلها، والعناد يحدث أكثر عندما أنصحها بأمور معينة، بدافع الخوف من أن تكون على معصية، وبدافع الغيرة، وأعلم أنه ليس لي الحق في ذلك، لأنها ليست زوجتي بعد.

أنا حريص على أهل بيتي، وأعلم أنه من حقي كزوج أن آمُر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأتابع وأوجّه، خصوصًا فيما يتعلق بالحجاب واللباس الشرعي، نيتي في هذا طيبة، ومن باب الغيرة والحرص، لا التحكم أو التسلط، لكن خوفي أن يؤدي هذا إلى عناد أو خلافات بيننا، خصوصًا أنني أحبها بصدق وأتمنى أن تكون زوجتي، وأظن أن فيها الخير، لكنها قد تتأثر أحيانًا بما حولها من فتن.

كيف أتعامل مع هذه المشاعر؟ وهل غيرتي هذه طبيعية؟ وكيف أهيئ نفسي وأجعلها تتهيأ -إن شاء الله- لحياة زوجية مستقرة، مع الحفاظ على الدين والالتزام؟

بارك الله فيكم، ونفع بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي- في إسلام ويب، وبارك الله فيك على صدقك، وحرصك على الطهر، وحسن نيتك في الإصلاح والاستقامة، وأسأل الله أن يجمع بينكما في طاعته، ويجعل ما بينكما عفةً لا فتنة، وبناءً لا هدمًا، وأنت في مفترق طرق، وتحتاج معها إلى وعي، وصبر، ورجولة صادقة، لذا سننصحك في نقاط، ونسأل الله أن تكون نافعة لك.

أولًا: ما فعلتماه من إنهاء العلاقة لله، هو الخطوة الأهم، لقد اتخذت القرار الأصعب على الشاب، لكنه الموافق للشرع والدين، فتركت الحرام من أجل الحلال، وهذا هو مبدأ كل علاقة ناجحة، أن تبدأ بما يرضي الله، لا بما يرضي العاطفة، فلا يخفاك أن الأصل في مثل هذه العلاقة هو التحريم، لا يحلّ فيها التلاقي، ولا التواصل، ولا المناجاة، ولا الدعاء العاطفي، لأنكم لا تزالان أجنبيين عن بعضكما، والشيطان يُزيّن، ويخطو بكما خطوةً خطوةً، حتى يُسقطكما في ما لا تُحمد عُقباه، لكنك -والحمد لله- تبت من ذلك، فأبشر بحديث النبي ﷺ: "من ترك شيئًا لله، عوّضه الله خيرًا منه" فأبشر بالخير، ما دامت نيتك صادقة، وسعيك في الطهر حقيقيًّا.

ثانيًا: يقول العرب: "ثبت العرش ثم انقش"، وهي حكمة تشير إلى ضرورة البناء على أساس قوي، لا على وهم أو أمل فقط، لذا أسألك بصراحة: هل تمتلك القدرة على الزواج الآن من حيث المال، والمسكن، والاستعداد النفسي والتربوي؟

إن كنت جاهزاً، أو تتوقع أنك ستكوّن نفسك قريباً، فاستخر الله أولاً، ثم أقدم على خطبتها، لتكون الأمور واضحة، ولا تعلق نفسك وتعلقها بسراب، تكلم مع الوالدة أو الوالد، وضح لهم أنك تريد خطبة هذه الفتاة، الوالدة من جانبها تتعرف على الفتاة وأهلها، والوالد يتعرف على الرجال، لأن العلاقة ستكون بين أسرتين، وليس بين شخصين فقط، سيكون هنا أعمام وعمات، وهناك أخوال وخالات، إن مضت الأمور كما تحب فالحمد لله، وحينها تجهز نفسك للزواج، والاهتمام بتفاصيله.

أما إذا لم تكن جاهزًا، فلا يحق لك أن تعدها أو تتعلّق بها، ولا أن تجعلها تتعلق بك، بل عليك فورًا تحديد هدفك بحكمة، والسعي لتحقيقه، وعندما تقترب من الجاهزية يمكنك التقدم لها، أو لأي فتاة أخرى، إن وجدت من هي أفضل منها.

ثالثًا: عينُ المحبّ ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه، وأنت الآن تنظر إليها بعين العاطفة، وتتخيّلها كما تريد، وتُسقِط عليها ما تحبّ، ولكنّك لا تراها كما هي في الحقيقة، ومن أهداف الشيطان أن يجملها حيناً ويقبحها حيناً، حتى يصيبك بهذه الحالة الرمادية، التي لا تعرف فيها ماذا تفعل، ولا تعرف فيها ماذا تقدر عليه، ومن هذه الوسائل التي يعتمدها الشيطان: إذكاء الغيرة التي في قلبك الآن، على فتاة ليس بينك وبيها أي ارتباط! ويفعل ذلك أملاً في أن تتحوّل لاحقًا إلى نار تُحرق صاحبها، إن هو أقبل، أو هو تراجع، فانتبه لخطوات الشيطان.

رابعًا: أنت مؤمن، وتدرك أن أقدار الله كلها مكتوبة وماضية، فإذا كانت هذه الفتاة من نصيبك، فلن يخطئك رزقك، وإن لم تكن كذلك، فلن تبلغها، مهما تمسكت بها وارتبطت بها، فكن هادئًا ولا تثقل قلبك، فالزواج رزق يُنال بالسعي والاجتهاد، وبالنية الصادقة، لا بالتعلق والأمنيات فقط.

خامسًا: أنت في بداية العشرينات، وهي مرحلة نضوج وتكوين الذات، حيث تبدأ مفاتيح التعرف على النفس في الانفتاح، في هذه الفترة تتبلور رؤاك وتتغير اختياراتك، وقد تجد بعد عامين أنك ترى الأمور من منظور مختلف، عما تراه اليوم، سوف تنضج وتُدرك أن المرأة التي أحببتها قد لا تُناسبك، أو قد تتغيّر هي، فتسلك مسلكًا آخر، أو يظهر في حياتك من هي أولى وأتقى، لذا ننصحك أن يكون قلبك معلقًا بالله، لا بالبشر.

إن كنت تحبها حقًا، فأكرمها بالستر والبعد، ولا تُحمّلها وزر علاقة لا تقدر على حمايتها، ولا تُعلّقها بك وأنت لا تملك وعدًا ولا بيتًا، فالمرأة تُظلم حين تُعلّق قلبها بشاب لا يستطيع الزواج، وتنتظره في وهمٍ لا يُثمر، وتُحرم من حقّها في أن يطرق بابها من هو قادر على الإعفاف.

سادسًا: نصيحتنا لك بكل حبّ :
- اقطع التواصل معها تمامًا، دون جرح، ولكن بحزم.
-استغفر ربك مما مضى، وأكمل طريقك في الطاعة.
-اجتهد في تحصيل العلم والعمل، والاستعداد للزواج.
- ادعُ الله لها بخير، ولكن من بعيد، دون تواصل ولا تتبع.
- افتح قلبك لأقدار الله بالتسليم والرضا، فإن كانت من نصيبك ستعود بالحلال، وإن لم تكن، فالله سيعوضك خيرًا، وقد قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

نسأل الله أن يطهّر قلبك، ويجعل حبّك مطيةً للعفاف، لا سُلّماً للزلل، وأن يرزقك زوجةً صالحة، تحبّك في الله، وتعينك على أمر دينك ودنياك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً