الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتوب وأتخلص من الميول الجنسي الشاذ؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة، وأعاني من مشاكل معقدة لم أجد لها حلاً سوى الاستسلام، لكن اليوم سأقص عليكم أكثر مشكلة أرهقتني، وتقف حائلاً بيني وبين توبة نصوحة لله تعالى.

أعاني من ميولات جنسية شاذة (مثلية جنسية)، ومنذ طفولتي وأنا مدمن على مشاهدة الأفلام والمشاهد الخليعة التي فاقمت هذا الانحراف وزادت الطين بلة.

وما يرهقني في هذا الأمر أنني أنا المذنب والمسؤول الأول عن هذا الميل، فإلى جانب أسباب أخرى كالبيئة الأسرية منذ الطفولة وغيرها، أشعر أنني الملام الوحيد على هذا الشذوذ، وهذا ما فاقم يأسِي من التوبة والرجوع إلى الله.

أنا مستعد تمام الاستعداد لأن أكون صالحًا، وأرجع إلى الله، وأتذوق حلاوة طعم التوبة والالتزام بديني، وأن تكون مرضاة الله أولى أولوياتي في هذه الحياة.

قرأت العديد من الاستشارات حول موضوع المثلية، ووجدت أن الله لا يحاسب الإنسان على مجرد ميله إلى بني جنسه، وإنما يحاسبه على ما يصدر منه من أفعال، لكن حالتي مختلفة، فكيف يكون الأمر إذا كنت أنا المسؤول الأول عن تعزيز هذه الميولات والمشاعر الشاذة، رغم علمي بخطرها وعواقبها آنذاك؟

أنا الآن - وإن أردت التوبة والرجوع إلى الله بكبح هذه الميولات ومجاهدة نفسي على ألا تتحول إلى فعل يغضب الله - هل تُقبل توبتي بسبب أنني كنت سببًا في شذوذي؟

باختصار: هل إذا تبت إلى الله توبة نصوحًا، وجاهدت نفسي على كبح هذه الميولات الشاذة، سيقبل الله توبتي حتى وإن كنت أنا سببًا في توليدها وتعزيزها؟ وهل يغفر لي الله ذنوبي حتى وإن بقيت المثلية مجرد مشاعر وميولات أسعى جاهدًا إلى صدها وعدم تحفيزها؟

(نقطة لم أذكرها وهي أنني لم أمارس الفاحشة في حياتي أبدًا).

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يهدي قلبك، وأن يُنجِّيك من شر الشيطان وشر نفسك.

ونحن أولًا نحمد الله تعالى -أيها الحبيب- أنك لم تقع إلى الآن في تلك الفاحشة القبيحة، وهذا من رحمة الله تعالى بك، أن عصمك إلى الآن من الوقوع فيها، ولكن ينبغي أن تُدرك تمام الإدراك أن ربنا -سبحانه وتعالى- يستر على العبد زمنًا، ويُملي له ويُؤَخِّره لعله يُراجع نفسه ويتوب إلى ربه؛ وهذا من لطف الله تعالى وحلمه، فهو حليم لا يُعاجل العاصي بالعقوبة، لعله ينظر في شأن نفسه وفي حالها، فيتدارك قبل أن يقع به المكروه.

فنوصيك -أيها الحبيب- بأن تشكر هذه النعمة الإلهية العظيمة، وهي نعمة الإمهال والستر والتأخير، وأن تُبادر إلى اغتنامها، ومن شكرها: أن تستعملها في مرضاة الله تعالى، فتبادر إلى التوبة.

والتوبة -أيها الحبيب- مقبولة من أي الذنوب كانت، وإن كنت أنت المتسبب في ذلك الذنب والكاسب له، وإن كنت أنت الذي أخذت بأسبابه وعملته، فإن توبتك بعد ذلك كله -إن كانت صادقة مستكملة لأركان التوبة- فإن الله تعالى يقبلها ويغفر بها ذنوبك.

وهذه الوعود الإلهية جاء بها القرآن الكريم، فقد قال الله سبحانه وتعالى عن نفسه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، وقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن الذين يدخلون الجنة: {وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا، تبين أن الله تعالى يقبل التوبة مهما كان الذنب ومهما عَظُم، فإن الله تعالى قبل توبة الذين سبُّوه، وأشركوا معه غيره، والذين وقعوا في اللواط، والذين وقعوا في الزنا، والذين أكلوا الربا، والسُّرَّق، وقُطَّاع الطريق، كل أصناف المجرمين دعاهم القرآن إلى التوبة.

وأنت ينبغي أن تُدرك تمام الإدراك أن باب التوبة مفتوح، فَسارِع إلى الدخول فيه قبل أن يُفاجئك الموت، ولا تدري متى يأتيك الموت، وبادر إلى استغلال نعمة الله تعالى عليك، الذي فتح لك هذا الباب العظيم -باب التوبة- ولا يُغلقه حتى تصل الروح الحلقوم، أي عند سكرة الموت.

والتوبة الصادقة تعني -أيها الحبيب-:
• الندم على فعل الذنب في الزمن الماضي.
• والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل.
• مع الإقلاع عنه في الوقت الحاضر.

فإذا استكملت التوبة هذه الأركان، قَبِلها الله، وجعلها كفّارة لذنوب صاحبها، ومحا عنه خطيئته؛ قال النبي الكريم ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».

وهذه الميول التي تجدها -أيها الحبيب- وإن كانت ميولًا قلبية، لكنك مؤاخذ بها؛ بسبب أنك أخذت بأسبابها، فأعمال القلوب (من المحبة أو البغض والكراهية)، وإن كنا لا نُحاسب عليها بنفسها، لكننا نُحاسب عليها باعتبار أننا أخذنا بأسبابها، وعملنا المقدمات التي أثمرت تلك النتائج.

فأنت مؤاخذ بهذا الذنب وبهذه الميول؛ لأنك غذّيتها وأخذت بأسبابها، ولهذا يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وتأخذ بضد تلك الأسباب.

عليك أن تستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان ومن شر النفس، وأن تُكثر من مصاحبة العلماء والصالحين؛ لتستفيد من مجالستهم ومن سماع المواعظ التي تذكرك بالجنة والنار، ولقاء الله سبحانه وتعالى، والعذاب المُعَدّ للعصاة، والنعيم الذي أعده الله للطائعين، ونحو ذلك من المواعظ التي تُحيي الإيمان في القلب، فإذا قوي الإيمان في القلب، قيَّد صاحبه عن فعل المعاصي والمنكرات، قال ﷺ: «الإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ»، فأنت بحاجة إلى ما يقوِّي إيمانك في قلبك.

كما ننصحك -أيها الحبيب- بأن تعرض نفسك على الأطباء؛ فإن هذا من جملة التداوي الذي أمر الله تعالى به على لسان نبيه ﷺ حين قال: «ما أَنْزَلَ اللهُ داءً إِلَّا وأَنْزَلَ له دَواءً»، ثم قال: «تَدَاوَوْا عبادَ اللهِ»، فربما قدَّم لك الأطباء ما ينفعك ويُفيدك، ويُعيد إلى الجسم اعتداله.

فخذ بالأسباب كلِّها، واستعن بالله ولا تعجز، اعلم أن الله -سبحانه وتعالى- سيتولى عونك، فقد قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

نسأل الله تعالى أن يتولاك، ويُيسر لك الخير، ويقيك شر نفسك وشر الشيطان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً