الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعوري بشيء عالق في حلقي: هل له علاقة بالعين والحسد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البداية أصابتني حالة شعرتُ فيها وكأن هناك شيئًا عالقًا في البلعوم، أو كأنها غازات، وأردت أن أتجشأ لكن دون فائدة.

عندها بدأت أقوم بحركات بلع، أو محاولات للتجشؤ، فتزداد الحالة سوءًا، وشعرتُ كأن حلقي يضيق، وتنتابني حالة من تسارع ضربات القلب، وضيق في الصدر والنفس، وجفاف في الفم، أحاول بلع الريق لكنه يكون جافًا.

استمرت هذه الحالة أسبوعًا، وخلال ذلك لم أتناول الطعام أو الشراب خوفًا من أن يعلق شيء في البلعوم.

ذهبتُ إلى عدة عيادات، وأجريت فحوصات وتحاليل، وكانت النتائج كلها سليمة، قال لي كثيرون: إنها ارتجاع مريئي، أو حموضة، أو قولون، أو بسبب الأعصاب، لكن لم ينفع أي دواء، وكلما فكّرت في حالة ضيق البلعوم، تعود لي الأعراض نفسها، مع شعور بانقباض عضلات الصدر ورجفة في اليدين.

ضعفتُ خلال أسبوع من قلة الأكل، وفقدت بعض الوزن، وأصبت بجفاف بسيط بسبب قلة شرب الماء، بدأتُ أستمر في قراءة ما تيسر من القرآن، وأشغل وقتي بالقراءة ومتابعة الدروس والتفاسير، فشعرت بتحسن تدريجي، وبدأت الأعراض تختفي، وبدأت أتمكن من التحكم في النوبات.

زارني راقٍ شرعي، ورقاني برقية مختصرة، وقال لي إنه يعرف هذه الأعراض، ثم قرأ على كمية من الماء والسدر، وطلب مني أن أشرب منها وأغتسل بها، -والحمد لله- اليوم بدأتُ أتناول الطعام بشكل طبيعي بعد انقطاع دام أسبوعًا.

سؤالي: ما هذه الحالة؟ هل هي فعلاً بسبب العين أو الحسد، أم أنها حالة نفسية، أو وسواس، أو نوبة هلع؟

وسؤالي الآخر: كيف يمكنني الاغتسال بماء الرقية والسدر إذا كنت في بيت الخلاء؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق.

أخي الكريم: رسالتك واضحة جدًّا، والحالة التي وصفتها نسميها حالة نفسُ جسدية (Psychosomatic Disorder)، أي أن العوامل النفسية، حتى وإن كانت بسيطة، مثل: القلق المقنع (Masked Anxiety)، أدت إلى توترات نفسية، وهذه التوترات النفسية تحولت إلى توترات عضلية، وأكثر عضلات الجسم تأثرًا هي عضلات الجهاز الهضمي، لذا ومن خلال الانشداد الذي حدث في عضلات المريء، أصبحتَ تحس بصعوبة في البلع.

وهكذا الحال مع الشعور بالضيق في الصدر، وهو أمر مفهوم جدًّا؛ لأن القفص الصدري وعضلاته الدائرية تتأثر أيضًا، وعندما يشعر الإنسان بالتوتر الداخلي، يتحول ذلك إلى توتر عضلي في عضلات الصدر، مما يجعل الإنسان يحس بالضيق والكتمة، وبعض الناس أيضًا قد يشعرون بوخزات، أو آلام في منطقة القلب.

هذه حالة نفسية جسدية بسيطة جدًّا، وأحد أنجح وسائل علاجها هو تجاهلها، وعدم الانشغال بها، مع تناول أدوية بسيطة جدًّا.

هناك عقار يسمى تجاريًا (دوجماتيل، هذا اسمه التجاري، واسمه العلمي (سولبيريد)، أرجو أن تتناوله بجرعة 50 ملغ صباحًا، و50 ملغ مساءً لمدة شهر، ثم تجعلها 50 ملغ صباحًا فقط لمدة شهرين، ثم توقف عنه.

ونضيف له دواء آخر ممتاز يسمى تجاريًا (سيبرالكس)، هذا هو اسمه التجاري، ويسمى علميًا (إيستالوبرام)، وربما تجده في بلادك تحت مسمى تجاري آخر، هذا الدواء قوة الحبة منه 10 ملغ، أريدك أن تأخذ نصفها، أي 5 ملغ يوميًّا لمدة 10 أيام، وبعد ذلك تناول الجرعة الكاملة، وهي 10 ملغ يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها 5 ملغ لمدة شهرٍ، ثم 5 ملغ يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذه أدوية سليمة، وبسيطة، وغير إدمانية، وفعالة جدًّا، وأرجو أن تلتزم بالوصفة كما ذكرتها لك.

بجانب ذلك -يا أخي- تمارين الشهيق والزفير العميق، أي تمارين الاسترخاء التدريجي مفيدة جدًّا، فأرجو أن تطلع على برامجها عبر اليوتيوب، لتتعلم كيفية تطبيقها.

أيضًا رياضة المشي مفيدة جدًّا، لأنها تحرق الطاقات النفسية السلبية، خاصة ما نسميه بالاحتقان القلقي، لأنه كما يُعرف النفس تحتقن كما تحتقن الأنف، ولا بد من تفريغها من خلال الرياضة، وتمارين الاسترخاء، وأيضًا من خلال التعبير عن الذات.

وأيضًا تجنب الكتمان والتعبير عن ذات، لذا نرى أن التواصل الاجتماعي مهم، وكذلك الحرص على الواجبات الدينية، خاصةً: الصلاة في وقتها، وكذلك بر الوالدين، وأن تكون شخصًا فعّالًا في أسرتك، هذه كلها علاجات، هذه كلها تحوّل القلق النفسي الداخلي قلق إيجابي.

أما بخصوص التشخيص: فأنا أرى أن حالتك هي حالة قلق (نفسوجسدية)، وليس أكثر من ذلك، ولا أرى أنك تعاني من وسواس قهري، أو نوبات هلع أساسية.

أما موضوع العين والحسد: فنحن نؤمن بوجودهما يقينًا، لكننا نؤمن أيضًا أن الله خير حافظًا، احرص على صلاتك في وقتها، وأذكارك في وقتها، واجعل لنفسك لك وردًا قرآنيًا، وكن على يقين بأن الله سيحفظك.

لا تنشغل كثيرًا بما يُثار حول أعراض العين والحسد والسحر؛ فهذه الأمور إن زادت فيها الوسوسة، قد تتحول إلى معاناة نفسية، تجاهل هذا الأمر، والتزم بما ذكرتُه لك من إرشاد واسترشاد كافٍ، وأرجو أن تأخذ به، وأيضًا -إن شاء الله تعالى- سيتكرم شيخنا الدكتور/ أحمد سعيد الفودعي؛ ليفيدك في الجوانب الشرعية والاجتماعية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
—————————————————————————
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
تليها إجابة: د. أحمد سعيد الفودعي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية -.
—————————————————————————
مرحبًا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء، وأن يصرف عنك كل مكروه.

وقد أحسنت -أيها الحبيب- حين أخذت بالأسباب لدفع هذا الألم الذي نزل بك، فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواء"، ثم قال: "فتداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام" فالتداوي سبب للشفاء.

وقد أحسنت أيضًا حين سلكت الطريقين للتداوي، وهما: الأخذ بالأدوية الحسية، والأخذ بالأدوية الروحية المعنوية، وهذا كله من توفيق الله تعالى لك، وإرادته الخير بك، وتهيئته الأسباب لصرف الألم عنك، فاحمد الله تعالى حمدًا كثيرًا، واشكر نعمته عليك، وقد قال سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.

والرقية الشرعية ما هي إلا أذكار وأدعية، فهي نافعة على كل حال وتقدير، تنفع من الأمراض الحسِّية، والأمراض الروحية المعنوية، وتنفع قبل نزول المرض، وبعد نزول المرض، فهي تنفع ممَّا نزل بالإنسان، ومما لم ينزل به.

وواضح من خلال ما تعرضت له من ألم، وانتفاعك بالرقية الشرعية، واضح أنك كنت تعاني من مرض من الأمراض الروحية المعنوية، إمَّا العين أو الحسد والسحر وغير ذلك: وقد نفعك الله تعالى بهذه الرقية، ولذلك نصيحتنا لك أن تُداوم عليها، وتستمر على ذلك حتى يُزيل الله تعالى عنك الألم بالكلية، والرقية كما قلنا: أذكار وأدعية.

وأمَّا عن سؤالك عن الاغتسال بالماء المقروء عليه: فنعم يُشرع أن تغتسل بالماء المقروء عليه، والعلماء يذكرون في كيفية الاغتسال من عين العائن أن يغتسل من أعلى جسده من النصف الخلفي، فيُصبّ الماء على رأسه من الجهة الخلفية.

ولكن الرقاة الذين يشتغلون بالرقية الشرعية يذكرون أنواعًا أخرى من الاستعمال للماء المقروء عليه، كشربه، ولو بكمية كبيرة، حتى يطهر الإنسان باطنه، ولو أدى ذلك إلى تقيؤه لهذا الماء، ومن ذلك الاغتسال به أيضًا.

فإذا اغتسلت به، فاحرص على أن تغتسل به في مكان لا يذهب هذا الماء المقروء إلى مجاري النجاسات، تشريفًا لهذا الماء الذي قد قُرئ عليه.

نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل مكروه، وأن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً