الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت عليّ زوجتي بعد أن سافرت للعمل وقطعت التواصل، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زوجتي طلبت السفر للعمل رغم أننا ميسورو الحال، ولدينا ابنة تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا، سافرت خارج البلاد منذ سبعة أشهر، وقد وافقت على ذلك؛ لأنها كانت متمسكة بالطلاق، ومنذ سفرها تغيرت حياتنا، وكل مكالمة بيننا تتحول إلى شجار، وفي النهاية قامت بحظري على جميع وسائل التواصل الاجتماعي.

تواصلت مع أهلها أكثر من مرة ولكن دون جدوى، فما هو الحل في هذه الحالة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يربط على قلبك، ويهدي زوجك، ويجبر كسر العلاقة بما يصلح الأحوال ويحق الحق.

ما ذكرته ليس مجرد خلاف زوجي، بل هو أزمة ثقة ومسؤولية وقطع صلة، خاصة مع وجود بنت بلغت سن المراهقة، وتحتاج إلى استقرار نفسي وأسري، وسنتناول حالتك في ثلاث مراحل: الفهم، التقويم، والحل.

أولًا: فهم ما حدث: ما نقرأه بين السطور هو أن زوجتك أصرّت على السفر رغم اليسر المادي، وهذا مؤشر على وجود دافع نفسي، أو طموح شخصي، أو خلاف دفين، وأنت وافقت مُكرهاً بعد تهديدها بالطلاق، ما يجعل السفر قرارًا فرديًا وليس قرارًا تشاوريًا، ومنذ سفرها حدث تحوّل عاطفي وسلوكي، تمثل في كثرة الخلافات، وقطع التواصل، ثم الحظر، وأبلغت أهلها فلم تجد منهم تعاونًا، وهذا يُرجّح أن المشكلة أعمق من مجرد السفر، بل تنطوي على خلل في الالتزام الأسري، وربما غياب مشروع حياة مشتركة بينكما.

ثانيًا: التقويم الشرعي والنفسي:
1- النفقة والقرار الأسري: الأصل في الشريعة أن الزوجة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، خاصة إذا كان السفر طويلًا وبدون ضرورة، وإذا كانت النفقة قائمة، والحياة مستقرة، فلا يجوز لها شرعًا أن تفارق بيت زوجها لمجرد رغبة شخصية في السفر، خصوصًا مع وجود بنت في سن حرجة.

2- الحظر وقطع التواصل، فهذا تصرف لا يقرّه الشرع، ويُعد نوعًا من النشوز.

3- غياب الحوار وثنائية التهديد، فالتهديد بالطلاق، ثم الانقطاع، يدل على نمط ضغط نفسي وسلوكي غير سوي، وقد يشير إلى أنها غير مستعدة لتحمل تبعات الحياة الزوجية بطريقة متوازنة.

ثالثا: خطوات عملية مقترحة:
1- أرسل لها رسالة هادئة ومباشرة بكلمات فيها شوق، لا عتاب، مثل:
"أنا لا أبحث عن لوم، ولا أريد أن نُعيد وجع الكلام، كل ما أريده أن نفتح باب الكلام من جديد، ليس لأجل الماضي، بل لأجل ما تبقى من العمر، ولأجل ابنتنا التي تحتاج أمًا وأبًا حولها".

2- لا تتحدث كثيرًا عن الخطأ، بل عن الأمل، وقل لها: "أنا أصدق أن بداخلنا خير، وأن ما بيننا يستحق أن نُعطيه فرصة نقية"، وذكّرها بلحظات الخير بينكما، لا بلحظات الخلاف.

3- اقترح وسيلة تواصل بديلة: لا تطلب منها فتح الحظر فورًا، بل قل مثلًا: "إن لم ترتاحي الآن للمكالمة، يمكننا أن نكتب لبعضنا على البريد الإلكتروني أو رسالة هادئة، المهم أن نُعيد الجسر.

فإن لم تُجِب، عندها اختر أقرب الناس إلى قلبها ممن تثق بهم ليكون رسولًا لا حَكما، فربما كلمة هادئة تُليّن ما لا تُصلحه المواجهة.

رابعًا: إذا باءت تلك المحاولات بالفشل، فاطلب جلسة تحكيم شرعية أو أسرية، فإذا استمر الانقطاع دون سبب واضح، وإذا رفضت العودة أو التفاهم بعد إرسال رسائل واضحة، وإذا لم يُظهر أهلها رغبة في الإصلاح.

فإن الطلاق في هذه الحالة قد يكون حلًّا أخيرًا بعد استنفاد الوسائل، ولا يُعد ظلمًا، بل قد يكون حماية لك ولابنتك من استمرار علاقة معلّقة لا طائل منها، لكن عليك ألا تتسرع حتى تفعل ما يلي:

1- استفراغ الوسع في التواصل معها.
2- إدخال أهل الحكمة والتدين، وأن يكون هذا قرارهم بعد الاستماع من الطرفين.
3- استشارة أهلك.
4- الاستخارة.
وبعد ذلك ما يقضيه الله هو الخير لا محالة.

نسأل الله أن يهديها، وأن يصلحها، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً