الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أود الزواج بفتاة لا يقبل بها أهلي لفوارق النسب، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعرفت إلى فتاة وأعجبت بها، وكانت لدينا في أسرتنا خطوطًا حمراء واضحة في أعراف الزواج للحفاظ على النسب، خاصةً أن عائلتنا من أصول مرموقة، وتنتمي إلى أعلى طبقات المجتمع.

سألت الفتاة عن أصول عائلتها، وأكدت لي أنهم من أصول معروفة، وعلى هذا الأساس أحببتها، وبدأنا علاقة تعارف وتعلقنا ببعضنا كثيرًا، وتقدمت لها رسميًا وتم فتح الموضوع بين العائلتين.

لكن للأسف تبيَّن فيما بعد أن أصولهم ليست كما ظننت، وأهلي يقفون ضدي لإنهاء العلاقة، ومنع الزواج، بينما أنا والفتاة نحب بعضنا جدًّا ومتمسكون بعلاقتنا، وأحيانًا أفكر في كسر هذه القواعد والتزوج بها رغم معارضة أهلي.

أفكر في عدة أمور، منها أن أهل قريتهم فقط هم من يعرفون حقيقة الأمر، وهي بعيدة جغرافيًا عني، ولا أعتقد أن أحدًا خارج قريتهم سيعلم بذلك.

كما أن لقب عائلتها في الوثائق يختلف عن المعتاد لديهم، وأظن أن هذه الأمور قد تخفي أصلهم الحقيقي عند الزواج منها، وربما تخفف من القيود التي قد تفرضها العائلتان على العلاقة.

هل أنتم معي في هذا التفكير؟ وما نصيحتكم لي؟ هل أستمر في علاقتي معها أم ألتزم برأي أهلي الذين يرون الأمر خطيرًا؟ وكيف يمكنني التعامل مع مشاعري تجاهها في هذا الظرف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

أولًا: أخي الكريم، ما كان ينبغي لك أن تبني علاقة مع فتاة لا تحل لك خارج إطار الزوجية، ولا أن تتحدث معها، فهي أجنبية بالنسبة لك، ووقوعك في حبها يعني أنكما قد توغلتما في الكلام، وهذه نتيجة حتمية لعدم النظر في المآلات والعواقب.

ثانيًا: عليكما التوبة والاستغفار بسبب إقامة هذه العلاقة بهذه الطريقة، وعليك أن تقطع علاقتك بها، وابدأ بمحاورة أهلك حول التقدُّم لها بطريقة رسمية، بحيث تأتي البيوت من أبوابها، ولا تسمح لها بالتواصل معك.

ثالثًا: هنالك عادات في بعض الأسر لا يُزوِّجون فيها ولا يتزوجون إلَّا من نفس النسب، كالأسر الهاشمية مثلًا، وهذا وإن كان مخالفًا للشرع، لكن ينبغي مراعاة هذه العادات لما يترتب عليها من قطيعة للأرحام، مع إمكانية الزواج من فتاة من نفس النسب، وفيها من المواصفات ما عند تلك الفتاة، بل ربما أكثر.

رابعًا: كان على أسرتك أن يدركوا أن النسب ليس كل شيء، وأن النبي ﷺ -وهو أعلى الناس شرفًا ونسبًا- قد زوّج بناته لرجال ليسوا من نفس نسبه، وهو القائل: «وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»، وهو القائل أيضًا: «إِذَا جَاءَكُم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ».

خامسًا: بما أن أسرتك معارضة لك، فلا ننصحك بمخالفة أمر والديك، خاصة وأنك يمكن أن تجد فتاة أخرى يرتضيها أهلك، وفيها من الصفات ما ترتضيه أنت، وبهذا تكون قد جمعت بين برّك بوالديك، والأخذ بخاطرهما، وبين الحصول على فتاة تَرضى دينها وخلقها ونسبها، وغير ذلك من الصفات.

سادسًا: الفتيات غيرها كثير، لكن من أين ستأتي لنفسك بأهل إن تخلوا عنك، بحجة أنك عقّدت عليهم الأمور ولطّخت سمعتهم ونسبهم؟ وربما لن يرضوا عنك حتى تُطلّق تلك الفتاة إن تزوجت بها، فتكون قد تسببت في أذيتها، علمًا أن أهلك لن يتركوك هكذا، وسيتحججون بأنك شوّهت سمعتهم، وغير ذلك من الحجج المعتادة، وربما ألَّبُوا عليك جميع أفراد أسرتك، ولن تقوى على مفارقة الجميع، بل لن يهدأ لك عيش وأنت في هذه الحالة.

سابعًا: أهلك هم أقرب الناس وأحبهم إليك، ولديهم من الخبرة والتجارب أكثر منك، ولعلك تدرك أنهم تعبوا في تربيتك وتنشئتك حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، فلا تجعل جزاءهم العصيان والعقوق، بسبب علاقة نشأت بغير طريقة صحيحة، وربما تعجلت في اتخاذ القرار، بل ربما إن تقدمت لوليها، شَرَطَ عليك شروطًا تعجيزية فلم تستطع تلبيتها، وحينئذ ستكون قد خسرت مرتين.

ثامنًا: الزواج من هذه الفتاة من حيث الحُكم مباح، والأخذ برضا والديك واجب، فيجب عليك تقديم الواجب، وهو طاعة الوالدين، على المباح، الذي هو الزواج بتلك الفتاة بغير رضاهما.

تاسعًا: عليك بالتأني، فلا تستعجل في اتخاذ القرار، فالتأني من الله، والعجلة من الشيطان، وفي ذات الوقت يمكنك أن تحاور والديك حوارًا هادئًا، فلعلّك تستطيع إقناعهما بوجهة نظرك، واستعن بمن يمكنه إقناعهما ممن يستمعان له ويصغيان لنصحه.

عاشرًا: اعلم أن الزواج قدر ونصيب، فلا يمكن أن يتم شيء خارج عمَّا قدّره الله تعالى، فإن كانت الفتاة من نصيبك فسوف يرقق الله قلبي والديك ويوافقان، وإن لم تكن من نصيبك، فمهما بذلت من أسباب فلن تستطيع الزواج بها، وقد صح في الحديث عنه ﷺ أنه قال: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءِ وَقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكِيسِ» والكيس معناه: الفطنة.

أخيرًا: مع ما أشرنا به عليك في هذه الاستشارة، قم بصلاة الاستخارة، وادعُ بالدعاء المأثور المعروف بصلاة الاستخارة، ثم ابدأ بالتحاور مع أسرتك بهذا الخصوص، فإن لانت قلوبهم، فاعلم أن الله قد اختار تلك الفتاة لتكون زوجة لك، وإن أصروا على رأيهم، فهذا مؤشر على أن الله صرفك عنها، واعلم أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وما خاب من استشار، ولا ندم من استخار، واعلم أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

نسأل الله تعالى أن يختار لك ما فيه الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً