الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت معاملة زوجي بعد زواجه بأخرى بدعم مني، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجة منذ 15 سنة، وكنت أنا وزوجي متفاهمين ومتحابين، وكانت حياتنا جميلة، لكن المشكلة أني لا أنجب، وتحملت الكثير من تدخلات أهله ووالدته في حياتنا بسبب هذا الموضوع، وكنت أصبر وأحتسب الأجر عند الله عز وجل.

بعد مرور 10 سنوات على زواجنا، وبعد فشل جميع المحاولات في الإنجاب، طلبت من زوجي أن يتزوج بأخرى وينجب منها، لأنه لا ذنب له في حرماني، وأهلي كانوا ضد موقفي هذا، ولكني تحديتهم ووقفت مع زوجي ضدهم، وضحيت بسعادتي وراحتي من أجله.

فعلًا تم الزواج وحملتْ زوجته من أول شهر، وهنا بدأت معاناتي معه؛ إذ بدأ يتغيّر في معاملته معي، وبدأ يميِّزُ بيني وبينها في المعاملة الحسنة، وفي النفقة كذلك، حيث يُنفق عليها أكثر بحجة الأطفال، وعندما أطلب منه أي شيء لي أو للبيت -حتى لو كان ضروريًا- يؤجله، ولا يلبي ما أطلب منه.

طلب مني بيع ذهبي ليشتري به عقارًا، فأعطيته له دون تردد ودون مشورة أهلي، وعندما علموا بذلك غضبوا مني، وكان أحيانًا ينام عند زوجته الثانية ليالٍ أكثر مني، بحجة الأطفال، أو لأي سبب آخر، دون أن يهتم برضائي أو أن يستأذنني، وتحدثت معه أكثر من مرة، لكن دون جدوى، فأنا دائمًا المخطئة في نظره، وهو يرى أني لا أسعى لإرضائه.

لم يبق لدي شيء لم أفعله من أجله، وفي كثير من المواقف ينصرها عليّ بحجة أنها أم أولاده ويقارنني بها، وهذا أكثر ما يؤلمني.

ليس لي ذنب في حرماني من الإنجاب، فهذا قدر الله سبحانه وتعالى، وأنا الحمد لله صابرة ومحتسبة، فهذا ابتلاءٌ لا نقمة، ولا وصمة تُنقص مني، ولا سبب يجعله يُفضلها عليّ بحجة أبنائها.

والآن بسبب كل هذه التصرفات، أصبحتُ أشعر أنني أكرهه، لا أطيقه، ولا يوجد بيننا تفاهم، لا مودة ولا رحمة، كيف يمكنني العيش مع شخص لا أحبه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونحيي مشاعرك النبيلة تجاه زوجك، وقيامك بهذا الواجب، وتشجيعه على الزواج، وقد رزقه اللهُ -تبارك وتعالى- بفضل هذا التشجيع -بعد توفيق الله- الأبناءَ والبناتَ.

وكنا نتمنى أن يُبادل هذا الوفاءَ بالوفاء، وهذا الإحسانَ بالإحسان، ولكن إذا كان قد قصّر فلا تُقصِّري، استمري على ما عندك من صبر وتميز، وكوني راضيةً بقضاء اللهِ -تبارك وتعالى- وقدره، وأدّي ما عليكِ، فإن الخوفَ على من يقصّر، والحياةُ الزوجيةُ عبادةٌ لربِّ البرية، فإذا قصَّر فلا تُقصري، وإذا أساء فلا تُسيئي، لأن المحاسب هو الله، ولأن الذي يجازي هو اللهُ تبارك وتعالى.

ولا تتركي الفرصةَ لمشاعر الكره حتى تتمدد في نفسك، فإن هذا من عدوّنا الشيطان، الذي لا يريد لنا الاستقرارَ في حياتنا الزوجية، ولا يرضى باستمرارنا فيها، ولكن استمري في الرضا بقضاء الله وقدره.

وليس عيبًا أبدًا أن تكوني بلا أبناء، بل هذه منحةٌ من اللهِ -تبارك وتعالى- قال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 49-50]، حتى قال العلماء: هذا صعود، كأنه يريد أن يقول آخرها هو أعلاها أجرًا، لأن هذا ابتلاءٌ، والصبرُ عليه يرفع به الإنسان عند الله درجات.

وقد يُحرم الرجلُ أو تُحرم المرأةُ من الأبناء، ولكنهم يفوزون بحبّ من حولهم، ويفوزون بحبِّ الله تبارك وتعالى، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكِ ممن إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.

وعليه نحن ندعوكِ إلى ما يلي:
• أوّلًا: الرضا بقضاء الله وقدره، وتحويل هذا الرضا من مجرّد كلام إلى ممارسة عملية.
• ثانيًا: القيام بواجباتك كاملة تجاه هذا الزوج.
• ثالثًا: الاكتفاء بتذكيره باللهِ -تبارك وتعالى- خوفًا عليه لا عليك، فإن غياب العدل سيجد منه الويلاتَ في الدنيا والآخرة، لأن هذا مما حرّمه اللهُ عز وجل.

• رابعًا: نتمنى أن تشجعيه ليتواصل معنا، حتى يعرف أن الأبناء خارج القسمة، وأن حقوق الأبناء لا علاقة لها بحق الزوجة والزوجة الأخرى، فالمبيتُ حقٌّ للزوجة، والعدلُ فيه مطلب.

وإذا أراد أثناء اليوم أن يمرّ على أطفاله ليشتري لهم أقلامًا أو يشتري لهم احتياجاتٍ، فلا مانع من ذلك في نهار يومه، أمّا المبيت فينبغي أن يكون القسم فيه بين الزوجتين، يعدل في ذلك، ولا يجوز له أن يقصّر في هذا إلا برضاكِ أنتِ، إلا إذا سمحتِ له.

وعلى كل حال: إذا قصّر الزوج، فالشرع لا يبيح لك التقصير، حتى لا تفقدي الأجرَ والثوابَ عند اللهِ تبارك وتعالى.

هذه العلاقة -كما قلنا- عبادة، من يُحسن يُجازه الله، ومن يُقصّر يُحاسبه اللهُ تبارك وتعالى، فلا يحملكِ تقصيره على التقصير، ولا تحملْكِ الإساءةُ التي تصدر منه على أن تبادليه الإساءة.

واحتسبي أجركِ وثوابكِ عند اللهِ -تبارك وتعالى- ونسأل الله أن يهدي زوجكِ لأحسن الأخلاق والأعمال، ومن الأخلاق المطلوبة: العدلُ والإنصافُ، ومعرفةُ الفضلِ، وتذكّرُ الأيام الجميلة التي كانت بينكم، ونسأل اللهَ -تبارك وتعالى- أن يعوّضك خيرًا، وثقي بأن العظيم إذا أخذ من الإنسان شيئًا فإنّه يعوّضه بأشياءَ

أسأل الله أن يعطيكِ حتى يرضيكِ، وأن يُلهمنا جميعًا السدادَ والرَّشادَ، هو وليُّ ذلكَ والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً