الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحب فتاة قليلة التدين لكنها مطيعة..هل الزواج بها فكرة صائبة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعرفتُ على فتاةٍ في مكان العمل، وأحببتُها حبًّا شديدًا، وهي كذلك تُحبّني، وأرى أنها تناسبني في كثيرٍ من الأمور، غير أنها أقلُّ منّي تدينًا، ومع ذلك فهي تستجيب لنصحي وإن كان ببطء.

فقد نصحتُها بترك المكياج فاستجابت وتخلّت عنه تمامًا، وعلّمتُها عقيدتنا الصحيحة عقيدة أهل السُّنّة -لأننا في بلدٍ تكثر فيه الفِرَق المختلفة-، وبفضل الله استجابت وقالت إنّها لم تكن تُدرك كمية الضلال الذي يحيط بنا، كما نصحتُها بحفظ القرآن فاشتركت في دورة لذلك بالفعل.

ومع هذا، ما زلتُ متردّدًا وخائفًا، فلم أستطع أن أحسم قرار الزواج منها بصورة عملية، كثيرًا ما أفكّر: هل هذه هي ذات الدين التي أوصى بها النبي ﷺ؟ وأخشى أن أعجز عن إقامة دينها فتكون سببًا لفتنتي في ديني، كما أنني أخاف على دين أبنائي من بعدها، فهي ستكون أمّهم إن قدّر الله ذلك، وأتخوّف ألّا تُساعدني على تنشئة أبناءٍ يحملون راية الدين.

أنا لم أنشأ في بيتٍ متدين، لكنّ الله عز وجل هداني، أما هي فمن بيتٍ في نفس مستوى التدين تقريبًا، ومع ذلك فإنني حين أرى زيّها – وهو ليس فاحشًا لكنه غير شرعي كامل – أشعر بالحرج؛ إذ لا أراه الزيّ الذي يرضي الله تعالى، ويُداخلني وسواس آخر: أن تكون طاعتها هذه فقط بدافع حبّها لي، لا ابتغاء وجه الله.

أنا في حيرة شديدة؛ أخشى إن تزوّجتُها أن أندم، وأخاف إن ابتعدتُ عنها أن أكون قد أخطأتُ وفوّتُّ على نفسي خيرًا كثيرًا في ديني ودنياي، لقد استخرتُ الله عز وجل، ولكنني ما زلت محتارًا تمامًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاكمُ اللهُ خيرًا على حِرصِكم على ذاتِ الدِّينِ، وذلك هو الأصلُ في صفاتِ المرأةِ، لقولِه ﷺ: «تُنكَحُ المَرأةُ لأرْبَعٍ: لمالِها، ولحَسَبِها، ولجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» (رواه البخاريُّ ومسلمٌ).

أولًا: الزواجُ الشرعيُّ يُبنى على المصاهرةِ، بمعنى أنَّ عقدَ الزواج الشرعيَّ يُعقد بين الزوج ووليِّ المرأةِ، ورأيُ المرأةِ هو من بابِ الاستئناسِ فقط، لذلك يكفي سكوتُ البكرِ؛ إذ يُقال: "السكوتُ علامةُ الرضا"، والمرأةُ لا تُزوِّجُ نفسَها، لقولِه ﷺ: «أيُّما امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بغيرِ إذْنِ وَلِيِّها فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنِكاحُها باطِلٌ» (رواه أصحابُ السُّننِ وصحَّحه الألبانيُّ).

ثانيًا: الأصلُ في إجراءاتِ الزواج أن تُخطَبَ المرأةُ من أهلِها، ويُطمأنَّ إلى دِينِها، ثم يُنظرَ في قَبولِها شكلًا، وبعدَ ذلك يتمَّ الزواجُ، وفي العادةِ يحدثُ الحبُّ بعد الزواجِ، أمَّا وضعُكم الحاليُّ فهو أقربُ إلى وضعِ الراقي مع المريضةِ التي يرقيها؛ لأن حالتَكم بدأت بالمقلوب، وهو (الحبُّ قبل الزواج).

ثالثًا: في العمومِ، فإن احتمالَ النجاحِ أو الفشلِ في حالِ حبِّ المصادفةِ متساويان، لكنَّه في حالةِ الحبِّ المخطَّط له – كما في حالتِكم – أقربُ إلى الفشل، إلَّا إذا تأكَّدتَ أن زميلتَك صادقةٌ مع ربِّها ثم معك، والصدقُ مع اللهِ يكون بالتوبةِ النصوحِ، ويظهرُ من خلالِ الالتزامِ بالفرائضِ والسننِ، ومن خلالِ التصرُّفاتِ العمليَّةِ الظاهرةِ كاللباسِ المُحتشَمِ والحَياء.

رابعًا: التأكُّدُ من صدقِها معك يظهرُ من خلالِ ما تُقدِّمُه من تضحياتٍ بتركِ ما كانت عليه في حياتِها السابقةِ من اتِّباعِ الملذَّات، فإذا وجدتَ أنَّها مستعدَّةٌ للتضحيةِ بكلِّ شيءٍ من أجلِك، كأن تُبديَ استعدادَها لتركِ العملِ والتفرُّغ لبيتِ الزوجيَّةِ – باعتبار أن الشرعَ لم يُكلِّفها بالسعي على رزقِها، بل جعل نفقتَها على زوجِها – ففي هذه الحالةِ ننصحُك أن تستخيرَ اللهَ في الزواجِ منها، فإذا اطمأنَّ قلبُك فتوَكَّلْ على اللهِ وتقدَّمْ لخطبتِها.

خامسًا: إذا كان الأمرُ بخلافِ ذلك (الفقرة: رابعًا)، فننصحُك بالابتعادِ عنها، فليس مطلوبًا من كلِّ طبيبٍ أو راقٍ أن يتزوَّج بمن يُعالِجُها.

نسأل الله أن يرزقك بحسن نيتك من يجعلها الله قرة عينٍ لك في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً