الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرفض أن تعمل زوجتي، وهي مصرة على عدم ترك الوظيفة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تزوجت منذ أكثر من سنتين من امرأة لا تعمل، وإلى الآن لم نرزق بأطفال، ولا زلنا في مرحلة العلاج لعدم الإنجاب، والآن وجدت زوجتي وظيفة مؤقتة، وهي تخرج قبلي وتدخل بعدي بزمنٍ يسير، سمحت لها بالعمل لأن قلبها متعلِّق به جدًّا، وإذا لم أسمح لها تظلُّ مكتئبة، وكأن العمل هو كل حياتها، وأنا لا أستطيع أن أتحمّل أو أرى نفسي أدخل المنزل قبلها، وأنا أعلم أن العمل سيتعبها، فهددتها بالطلاق أن تترك هذا العمل، وهي متمسّكة بي.

تخفف من قلقي من هذا العمل بأنها لن تُقصّر في أمور البيت، وتقابلني بكثير من مشاعر الحب، التي لم تكن بهذا القدر قبل بدئها العمل، كأن ذلك مقابل تركي لها تعمل، وأحيانًا أخرى تبكي وتكتئب؛ لأني على مدار اليوم لا إراديًا أُعبّر لها عن انزعاجي من عمل المرأة، وعملها خصوصًا.

هي تعمل أستاذة تعليم متوسط، في نفس البلدة التي نعيش فيها، لكنها تستعمل المواصلات حتى تصل إلى العمل، عندما خطبتها وأثناء اللقاء الشرعي طلبتْ أن تعمل، وقالت: إنها تحب أن تعمل لتُعين في متطلبات العيش، وأنا عبرتُ عن رفضي حينها، وبيّنتُ لها بغضي لعمل المرأة وخروجها من بيتها، وطلبتُ منها ألَّا تضعه شرطًا في الزواج بها.

في الأشهر الأولى من الزواج قالت إن أهلها اشترطوا عند الخطبة ألَّا أمنعها من أن تعمل، فقلت لها: إنه لم يبلغني أحد بذلك، فقالت: إن أهلك لم يخبروك بذلك، وحينها طلبت بأن يجتمع كل مَن اتفق على ذلك -أختي وأم زوجتي- فرفضتْ وقالت بأن الأمر لم يصل لذلك الحد، وقلت لها: حتى وإن اشترطتم ذلك فأنا لا أقبل به، ولا أرغم به أو أُلزم به، وخيَّرتُها أن يكون الأمر بيدي أو الانفصال.

زوجتي شديدة التعلُّق بالعمل، وإذا رفضت أو لم أسمح لها بالعمل سأعيش حياةً بائسة، وإذا قبلت أن تعمل فسيكون لديّ تخوّفات كثيرة، وسأضطر إلى التنازل عن كثير من حقوقي الزوجية.

وأنا صراحةً لا أخفي أني أحب زوجتي حبًّا كبيرًا؛ لأنها طائعة لربها، قائمة بواجباتها، وتحفظ أكثر من نصف القرآن، ومواظبة على حفظه، وليست كثيرة المطالب، وأشفق عليها كثيرًا، خصوصًا بعد وفاة جدتها التي ربتها ولازمتها منذ صغرها.

أنا في حيرة من أمري، ماذا أفعل؟ هل أجبرها على عدم العمل مرة أخرى، وهل يلزم أمام ذلك الطلاق؟ وهل أطلقها قبل وجود أطفال بيننا؟ أم أحدثها في الأمر، أم أُراجع نفسي في الأمر، وأرى أنني قد وافقت هذه المرة، ولن أتراجع، وأرى الضرر يسيرًا بما أنه لا يوجد أولاد بعد، ثم أُتبع ذلك بقولي: "والآن أرفض ذلك الآن قبل أن يكون بيننا أولاد.

أعلم يقينًا أن زوجتي لن تطلب الطلاق إن منعتها عن العمل؛ لكنها ستظل حزينة ومكتئبة، علمًا بأنها زوجة رائعة من جميع الجوانب، خصوصًا الجوانب الدينية، وعملها هذا ستكون مدته قصيرة، ومن الممكن ألَّا تجد عملًا أصلاً في المستقبل؛ لأن فرص العمل قليلة جدًّا وشبه منعدمة، وعملها هذا سيستغرق في حدود العشرين ساعة في الأسبوع فقط -في قطاع التعليم الذي أغلبه نساء- إن وُجِد، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أيها الابن الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، وقد أسعدنا هذا الثناء العاطر على هذه الزوجة في تديّنها، وفي حبّها لزوجها، وفي قيامها بواجباتها، ونسأل الله أن يُعينكم على إكمال هذا المشوار، وأن يرزقكم الذرّية الصالحة.

وبعد التأمّل في ما كتبته، أرى أن تُترك الزوجة تعمل وتواصل عملها، طالما أنها تجتهد في أن تقوم بما عليها، وتوفّق بين واجباتها خارج المنزل وبين رسالتها الأصلية داخل بيتها، وأرجو ألَّا ترفض عملها هذا الذي تشير إلى أن معظم من يعمل فيه نساء، وقطاع التعليم معروفٌ بكثرة النساء فيه، وهو مجال مهم أيضًا يخدم الأدوار التربوية للمرأة، ونسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.

وعليه فالذي نميل إليه في هذه المرحلة التي ليس عندكم فيها أولاد، أرجو أن تترك لها فرصة العمل، طالما هي تحاول وتجتهد، وتشير النقاط التي كتبتها إلى أنها تحاول أن تعوّضك عن كل ما فقدت، وتزيد في مشاعر الحب والاهتمام، وهي قائمة بواجباتها على أكمل الوجوه، لذلك لا نرى أبدًا منعها من أن تعمل.

ولا مانع من أن تشترط أن يكون هذا العمل منضبطًا بقواعد الشرع، ولكنك أشرتَ إلى أنها في الأصل متديّنة وحريصة على هذا الجانب، وحافظة لنصف القرآن كما فهمنا أو أكثر، وإذا رزقكم الله في المستقبل أطفالًا، فعند ذلك يكون لكل حادثة حديث، وأعتقد أن المرأة عندما تُنجب أطفالًا تحتاج إلى وقتٍ لحضانة هذا الطفل، وعندها سيكون النقاش مختلفًا.

عليه الذي نميل إليه أن تتركها تعمل، وأن تتعاون معها في المهام المنزلية، ويظهر أيضًا أنها تعمل من أجل أن تُعين الأسرة أو تُعين أسرتها بهذا العائد المادي، وفرص العمل كما أشرت نادرة، فعليه لا نرى أن تتوقف عن العمل أو تُجبرها على ترك العمل، ونسأل الله أن يُعينكم على الخير.

الأصل أن تكون المرأة في بيتها تقوم بمهامها، لكن إذا وفَّقت بين هذه المهام، فهناك حاجة لمن تُعلِّم بنات المسلمين وتقوم بهذه الأدوار، فالمجتمع بحاجة إلى عمل الناجحات الحافظات لكتاب الله تبارك وتعالى، نسأل الله أن يكتب لكم الأجر والثواب، وأن يُعينكم على التوفيق في هذه المهام الأسرية، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً