الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ندم على الماضي بما فاتني من فرصة عمل، فكيف أتجاوز ذلك؟

السؤال

السلام عليكم.

منذ ٤ سنوات قدمت للالتحاق بكلية عسكرية، وكنت في مراحل متقدمة، لكن قدر الله بأن يكون هناك خطأ في الأوراق الثبوتية، وقد لاحظت هذا الخطأ، ولكني لم أكن أعلم بأنه قد يمنعني من الدخول.

الآن أشاهد أقراني وقد تخرجوا من الكليات العسكرية، وأصبحوا في جاه ومرتب جيد، ومكانة اجتماعية، بينما أنا أشعر بالندم، وأحاول أن أصبر نفسي، بأني لو دخلت لربما فتنت في ديني، فما نصيحتكم لي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الحميد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله لك الرضا في جميع أحوالك.

النفس دائمًا ما تحنّ لما فاتها، ولكن المؤمن ينظر بعين البصيرة، لا بعين الحسرة، فيعلم أن اختيار الله له خيرٌ من اختياره لنفسه، مستحضرًا قول الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

فالله يعلم، ونحن لا نعلم، وربما لو دخلت تلك الكلية لكان في ذلك فتنة في دينك، أو بلاءً لا تحتمله نفسك، أو رزقًا يمنع عنك بركة الوقت والراحة، فالله جلّ وعلا لم يمنعك إلا ليمنحك، وإن لم ترَ المنحة الآن فستراها يومًا حين تنظر خلفك بعين الرضا، وتقول: "الحمد لله أن الأمر جرى كما جرى".

وانتبه لما نقوله لك:

أولاً: الخير في المنع: فالمنع قد يكون عين الرحمة، وإن ظنه العبد حرمانًا، فقد يمنعك الله من باب لأن فيه فتنة، أو يؤخرك عن أمر لأنك لم تنضج له بعد، قال بعض السلف: "ربّ منعٍ أورث فتحًا، وربّ عطاءٍ أورث حرمانًا".

وربما لو صرت ضابطًا لغرّك المنصب، أو أبعدك عن طريق الطاعة، فالله الذي يعلم ما تخفيه النفوس، فاختار لك ما يصلح دينك ودنياك، فاحمده على لطفه بك، وإن بدا المنع مؤلمًا.

ثانيًا: في معنى الرضا بالقضاء: الرضا لا يعني ألا نحزن، بل أن نحزن بقدر ثم نُسلم القلب لله. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان"، فلا تقل: لو لم يكن الخطأ، لكن قل: هذا قدر الله، ولعله خير لي؛ لأن هذا القول يملأ القلب طمأنينة.

ثالثًا: نصيحة عملية:
1. انظر لما بيدك الآن: فربما لم تُفتح لك أبواب العسكرية، ولكن فُتحت لك أبواب أخرى من الرزق، والعلم، والعمل، فتشبّث بها بإتقانٍ وإخلاصٍ، فإن الله يُبارك لمن رضي.

2. احفظ قلبك من المقارنة: لا تنظر إلى من نالوا المناصب؛ فربّ جاهٍ بلا راحة، وربّ راتب بلا بركة، والسعادة ليست في المظاهر، بل في سلامة الصدر، ورضا الله.

3. أكثر من الدعاء والاستخارة: وسل الله أن يريك الخير في قضائه، وأن يرزقك الرضا بعد البلاء، فإن القلوب تُشفى بالدعاء والأنس بالله.

يا أخي، لو علمتَ ما خبّأ الله لك من لطف، وغنى وسترٍ بسبب هذا المنع، لرقص قلبك شكرًا، قال ابن القيم -رحمه الله-: "إذا فتح الله لك باب فهم في المنع، عاد المنع عين العطاء"، فارض بقضاء الله، واسعَ في طريقك، وقل: اللهم اختر لي، ودبّر لي فإني لا أحسن التدبير.

نسأل الله أن يشرح صدرك، ويبدلك خيرًا مما فقدت، ويكتب لك مكانًا أعظم عنده مما كنت ترجوه عند الناس، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات