الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المقارنات جعلتني صاحبة قلب خبيث..فكيف أملك قلباً سليماً؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولًا: أود أن أشكرك على مجهودك، فهو يصل إلى القلوب.

أما بعد، فقد تربيت منذ صغري على المقارنة، فكان والداي يقارناني بأبناء عمي وأختي وغيرهم من الناس، ومع مرور الوقت، أصبحت دائمًا أسعى لأن أكون الأفضل، وأتمنى الشر لغيري حتى أكون أنا الأفضل، هذا الأمر جعلني إنسانة مليئة بالحقد والغيرة والكذب وغيرها، فتجمعت فيّ صفات سيئة كثيرة.

وفي الآونة الأخيرة، تعرفت حقًا على الإسلام، وأحسست ولأول مرة أنني فهمت معناه الحقيقي، رغم أنني وُلدت في عائلة مسلمة، لكن الإسلام بالنسبة لنا كان عادة فقط، مثل أغلب الناس في المغرب، ومن خلال معرفتي بالدين، تعلمت أن من يدخل الجنة هو من يأتي الله بقلب سليم.

أنا لا أملك هذا القلب السليم، رغم أنني أجاهد وأحاول إصلاح قلبي وتزكية نفسي، ومع ذلك، أشعر أنني جُبلت على الخبث؛ لأنني رغم معرفتي ببعض الأمور وعزمي على التغيير، إلا أنني من دون قصد أشعر وأفكر بقلب خبيث ولم أتغير، وفي بعض الأحيان تأتيني أفكار لا أعرف كيف أتخلص منها، تبقى في ذهني لأيام وأنا أحاربها، لكنها تبقى رغم أنني لا أريد التفكير فيها، وأشعر أن عقلي لا يسيطر على أفكاري، بل قلبي السيئ.

أخاف أن أكون من أهل النار؛ لأن قلبي سيئ، ولا يمكن تغييره، خصوصًا عندما أرى أشخاصًا بقلوب صافية، فأقول: إن الله هداهم، أما أنا فقلبي سيئ جدًا، ولي قلب لن يدخل الجنة، ولا أعلم ماذا أفعل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جيهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُصلح لنا ولك الأحوال، وأن يملأ قلوبنا بالأمن والإيمان، والسكينة والطمأنينة، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

لقد أسعدنا هذا السؤال الذي يدل على رغبة في الخير، ورغبة في فهم الإسلام كما أراده الله -تبارك وتعالى- ونبشرك بأنك على خير؛ لأن هذه المدافعة وهذا الانزعاج الذي دفعك إلى الكتابة إلينا يدل على أنك تسيرين في الطريق الصحيح، واعلمي أن هذا الصراع مستمر؛ لأن عدونا الشيطان قد عقد العزم على أن يُبعدنا عن طاعة الرحمن، والإنسان يُؤجر على هذه المجاهدة، فأنت تُؤجرين على هذا الغم والهم والمحاولات والمدافعة؛ لذلك استمري في مدافعة الأفكار الخبيثة، ومدافعة الهموم السيئة، قال ابن القيم رحمه الله: "دافع الخاطرة قبل أن تتحول إلى فكرة، ودافع الفكرة قبل أن تتحول إلى إرادة، ودافع الإرادة قبل أن تتحول إلى عمل".

فأنتِ في خير وعلى خير، ولذلك أرجو أن تنظري إلى هذا الجزء الذي هو الأساس، وهذه هي مهمة الإنسان أن يخالف الشيطان، وأن يطيع الرحمن، وسيظل هذا الصراع مستمرًا، ونحن نُؤجر على المحاولة، ونُؤجر على ما يتحقق من إنجاز، مهما كان قليلًا فإن الإنسان يُؤجر عليه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يعين الإنسان بإصراره وإخلاصه وصدقه وتكرار محاولاته.

وثقي بأن الشيطان أيضًا لن يتوقف؛ لأنه ينزعج جدًّا من توبتنا ومن عودتنا ومن حرصنا على الخير.

والأفكار السالبة المكتومة التي لا تبوحين بها لا يضرك أمرها، ولكن استمري في معالجتها، فالمرفوض هو أن تتحول هذه الأفكار السيئة إلى أعمال أو كلمات (من غيبة أو نميمة أو أذى أو شر)، ولكن ما دامت وسوسة فهذه وسوسة لا يخلو منها قلب رجل ولا قلب امرأة، فالشيطان يصارعنا على هذا القلب.

فاستمري في الطاعات، وأكثري من ذكر رب الأرض والسماوات، وتواصلي مع موقعك هذا، وكوني حريصة دائمًا على التقرب إلى الله -تبارك وتعالى- بصنوف الطاعات، ومرحبًا بك المرة بعد المرة في موقعك، ونحن سعداء بهذا الحرص على الخير، وبهذا الاعتراف بأنك الآن فهمتِ الإسلام، وأدركت أنه دينٌ عظيم، وفعلًا يا له من دينٍ عظيم لو فهمناه، ويا لها من شريعةٍ مباركة لو طبقناها.

والإنسان مهما كان فيه من الشر أو جُبل عليه يستطيع أن يغيّر؛ لأن الأخلاق تتغيَّر، «وإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، والْحِلْمُ ‌بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ ‌يُصَبِّرْهُ ‌اللَّهُ، وَمَنْ يَتَحَرَّى ‌الْخَيْرَ ‌يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»، كما جاء في حديث النبي ﷺ، وكلها بشارات تدعم هذا الاتجاه الذي تسيرين عليه.

فاستمري، واعلمي أن الأخطاء التي حدثت في الصغر بلا شك لها أثر، ولكنك -ولله الحمد- تجاوزت هذه المراحل بهذا النضج، وبهذا الوعي، وبهذا الفهم الصحيح للإسلام، ولذلك الذي نريده هو الاستمرار في المجاهدة، ونبشرك بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

فاستمري في الطاعات، وجاهدي هذا القلب، واحرصي على أن تكوني دائمًا مع صديقات صالحات، وأن تُقبلي على رب الأرض والسماوات، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يثبتك، وأن يسدد خطاك، وأن يصرف قلوبنا جميعًا إلى طاعته، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبُها ويُصرِّفُها، فأكثري من اللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً