السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يُقال إن من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم حسن التخطيط، فما الدليل على ذلك؟

وشكراً.

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سليمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن علماء الاستراتيجيات والمربين والمعلمين وكافة الناجحين يقتبسون من هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحتى ما يأتينا من الغرب معظمه بُني على أسس إسلامية، أو سُرق من شخصيات إسلامية فتح الله بصائرها بفعل هذا الدين الذي يطلق للعقل شعاع التفكير والعلم والبصيرة، ويجعل طلب العلم عبادة، ومذاكرة العلم تسبيحا، وبذل العلم صدقة والتعب والسهر والسفر من أجل العلم جهادا، ويجعل خير الناس أنفعهم للناس، ويؤسفنا أن لا يُنسب الإبداع إلى أهله، كما يؤسفنا أن تكون أمهات المراجع في بعض العلوم قد سُلبت إلى ديار الغرب بعد أن أيقظناهم فأدركوا أهمية العلم وزهدنا نحن في طلبه، وقد كان الأوروبيون يشترون المراجع النادرة من الأجداد ويذهبون بها إلى ديارهم وبلادهم.

وأرجو أن يعلم شبابنا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ليس مجرد مُفكِّرٍ أو عبقريٍّ أو غير ذلك من الكلمات والألقاب، ولكنه قبل ذلك وبعد ذلك نبي يُوحى إليه، وما كان صلى الله عليه وسلم يتكلم من عند نفسه ولكن كما وصفه ربه جلَّ وعلا: ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))[النجم:3-4]^.

وتتجلى عظمة هذه الشريعة في أنها حددت معالم المستقبل وأشارت إلى الثوابت والأسس التي لابد أن تُراعى، وأعطت من الإرشادات والتوجيهات ما تجاوزت به حدود الزمان والمكان؛ لأنها صالحة لكل زمان ومكان، وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كل ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة حتى قال الصحابي: (فكان أعلمنا وأحفظنا).

ومما يدل على دقة وحسن وكمال التخطيط في سيرته صلى الله عليه وسلم ما يلي:

1- مشروع الهجرة من مكة إلى المدينة؛ من حيث توزيع الأدوار وتحديد معالم الطريق، واستخدام عناصر التمويه.

2- قضية صلح الحديبية وما حصل فيها وبعدها من إنجازاتٍ سماها القرآن فتحاً مبيناً، وكان في كل ذلك مفاوضاً يفهم النفسيات الخاصة بالمفاوضات، وينظر إلى معالم المستقبل؛ بل ويحكم على المفاوضين، ويمنع عمر حين أراد أن ينتزع مقدمة أسنان سهيل بن عمرو حتى لا يحرِّض أهل مكة بخطابه على حرب الرسول صلى الله وسلم، ويقول: (سيقف موقفاً تحمده عليه)، وعاش عمر حتى شاهد سهيل بن عمرو وهو يحول دون ردة أهل مكة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بحسن بيانه ووضوح كلامه، وصدق يقينه وإيمانه بعد توفيق العظيم الذي ثبت في سهيلٍ أركانه.

3- تخطيط النبي صلى الله عليه وسلم في معاركه الحربية، وقد أُلِّفت في ذلك مؤلفات لقادةٍ عسكريين عظماء.

4- توزيعه للمهام والأدوار وبناؤه للقادة العظام وتركيزه على الإنسان، وهل الفاروق عمر وخالد والقعقاع والمثنى وغيرهم إلا نماذج لرجال أعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولا يخفى على عاقلٍ أن أهم جوانب الإعداد والتخطيط هي ما تتعلق بالإنسان الذي هو ملك هذا الكون الذي استخلفه الله لعمارته، وقد قام الفاروق عمر رضي الله عنه بوضع الخطط الإدارية والاقتصادية التي منها ترتيبه لأمر الأراضي المفتوحة وإصراره على أن تبقى عند أهلها، وأن يذهب نصيب المسلمين إلى بيت المال حتى لا يبقى المال دُولةً بين الأغنياء.

والإسلام دين يحب التخطيط ويرفض العشوائية، وأهل الإيمان يُصلون لله في صفوف متراصة، ويقاتلون في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص.

وقبل أن أختم إجابتي أحب أن أُعبِّر عن سعادتي بسِنِّ السائل، وحقٌّ لنا أن نهيئ أنفسنا بأجيالٍ تتلمس طريق النبي صلى الله عليه وسلم وتبحث عن مواطن الإعجاز والإبداع في سيرته، وكلُّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان عجباً.

وهذه وصيتي لك بتقوى الله، ومرحباً بك في صحبة إخوانك وآبائك، ونسأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وأن ينفع بك بلاده والعباد.

وبالله التوفيق.