الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس المتعلقة بالمرض وكيفية التخلص منها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب مسلم متوسط التدين أحب الله ورسوله، وأتوجه إلى الله في كل شأني، وأدعوه دائماً أن ييسر لي أمري ويشرح صدري ويحميني من كل سوء، وقد تغربت عن أهلي للدراسة، وعانيت من ألم الغربة وهمها، وما كان يواسيني في غربتي إلا الدعاء وبعض الأصحاب متوسطي التدين مثلي.

وكان من أكبر همومي ما ابتلاني الله به من الخوف من المرض أو وساوس المرض، فكانت تمر بي مواقف أتصور فيها انتقال عدوى مرض خطير لي بسبب إهمال مني أو بفعل فاعل، فكنت أدفع هذه الوساوس بالدعاء قدر المستطاع، وأعمل جاهداً على طمأنة نفسي برحمة الله وحمايته للمؤمنين، وأن الله سبحانه وتعالى يجيب المضطر إذا دعاه، فكيف بمن تغرب في سبيل طلب العلم، وكنت أتحين مواضع استجابة الدعاء في ساعة الإفطار في رمضان وآخر ساعة من نهار يوم الجمعة وحين سفري إلى أهلي، وكنت أحافظ على دعاء الخروج من المنزل، كان ذلك كله إلى حد ما يخفف عني ولكن لا تلبث أن تعود هذه الوساوس مرة أخرى وأدخل في دوامات جديدة من التفكير الوسواسي.

وتخرجت بعد ذلك وعدت إلى أهلي، ولكن هذه الوساوس بقيت تراودني ولا زلت أعالجها بالدعاء كلما زادت شدتها، فهل عندما يبتلي الله الإنسان ببلاء ما مثل الغربة يُذهب عنه بهذا بلاء أكبر منه؟ وهل للإنسان رصيد من الدعاء عند الله يفيده في حياته المستقبلية؟ وهل يكفي دعائي هذا لدفع القدر السيئ عني؟!

علماً أنني صرت أبحث في كتب السنة عن كل ما يتعلق بالقضاء والقدر والدعاء وأحوال استجابته والبلاء وما يدفعه، ولكني مع كل هذا غير مطمئن لحالي.

أفيدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ح ح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك ولله الحمد لديك الصفات الإيمانية الطيبة ولا نزكي على الله أحداً، فنسأل الله لك الهمة العالية في أمر الدين، وأن يثبتك ويثبتنا جميعاً على الخير، وما دمت على طريق الخير وتتقرب إلى الله تعالى فسوف تفرج عنك كل هذه الابتلاءات وكل هذه الكرب، وهي إن شاء الله بسيطة نسبة لما قد يعانيه الكثير من الناس.

والذي تعاني منه هي مخاوف وسواسية من المرض، فأنت لا تخاف من المرض في حد ذاته ولكن الأمر أخذ الطابع الوسواسي، بمعنى أن المخاوف هي التي سيطرت وأخذت السياق الوسواسي، وجعلت الأفكار تأتيك باستمرار حول المرض وحول العدوى وكهذا.

والنهج الذي تنتهجه الآن هو من أفضل طرق العلاج السلوكي، ولكن الذي أنصحك به هو أن لا تسترسل في التحليل لماهية هذا الخوف وماهية الوساوس وهكذا، فالوسواس هو فكرة أو فعل أو مخاوف أو خيالات أو صور في العقل تتسلط على الإنسان ويؤمن الإنسان بسخفها، فيحاول التخلص منها ولكن ذلك قد يصعب عليك وقد ينتج عنه القلق والتوتر.

ومن أفضل طرق التخلص من الوساوس بصفة عامة هي أن يحقرها الإنسان وأن يحاول إجراء حوار إيجابي مع نفسه بأن هذه الوساوس لا قيمة لها، فإذا أتتك الفكرة فأبعد هذه الفكرة أو الخوف من المرض عن نفسك، وقل لنفسك: لن أعطي هذا الأمر أي اهتمام، فأنا ولله الحمد بخير وعلى خير، ويجب أن لا أعطيه مزيداً من الوقت حول هذه المخاوف.

ويأتي بعد ذلك ما يعرف بإيقاف الفكرة الوسواسية، وحين تأتيك الفكرة أو تتحمس في هذه الفكرة يمكنك أن تقوم بإدخال استشعار مخالف على نفسك، فعلى سبيل المثال يمكنك أن تقوم بالضرب بقوة على يديك حتى تحس بالأم، وأحسن من ذلك أن تردد الله أكبر الله أكبر بصوت مرتفع إن كان ذلك ممكناً مثلاً، وفي هذه اللحظة تكون أنت في نفس الوقت تفكر في المرض، إذن تختزن فكرة المرض وهي الوسواسية بالآم وبعد تكرار هذا السلوك العلاجي سوف تضعف فكرة الخوف من المرض لدرجة كبيرة، وهناك خطوات عملية لابد أن تتخذها، ويجب أن تستمر على نفس المنهج الدعائي الجميل الذي تنتهجه، وأن لا تطلع كثيراً عن الأمراض، وتذكر أنك الحمد لله في قمة الشباب هذه هي السن التي يعرف أن المرض لا يساور ولا يأتي للإنسان فيها كثيراً بفضل الله تعالى.

وبعد ذلك قم بما يثبت لك أنك على صحة جيدة وهي أن تمارس التمارين الرياضية وأن تكون فعالاً وأن تشغل نفسك في محيط العمل أو الدراسة وهكذا، وهذا يعطيك الفعالية ويعطيك التحفيز الداخلي بعد ذلك عليك أن تجري نوعاً من المقارنات فتقارن بين صحتك وصحة الآخرين، وسوف تجد إن شاء الله أنك من الذين يتمتعون بالصحة.

وهناك أدعية تعطي الإنسان الاطمئنان وتحميه بإذن الله، واسأل الله أن يعافيك في بدنك وفي صحتك وفي قوتك، وتعوذ من الجذام والبرص والجنون وسيء الأسقام كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمكنك الاطلاع على بعض الاستشارات التي تتكلم عن العلاج السلوكي للخوف من الأمراض، وهي: (263760 - 265121 - 263420 - 268738).

ويأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، فهناك الآن نظريات معتبرة وهي نظريات علمية تثبت أن الوساوس القهرية أيّاً كان نوعها ربما تكون هناك مؤثرات بيولوجية داخلية تزيد من هذه الوساوس، ومن هذه المؤثرات البيولوجية مجموعة المواد الكيميائية التي تعرف بالموصلات العصبية داخل الدماغ، واتضح أنه يوجد ضعف في إفرازها أو عدم انتظام في إفرازها، ولذلك يعتبر العلاج الدوائي علاجاً جيداً وقد أثبت فعاليته، والعلاج الذي سوف أصفه لك هو واحد من أفضل هذه الأدوية وأرجو أن تلتزم بتناوله، إضافة إلى ذلك أن هذا الدواء من الأدوية السليمة جداً وغير الإدمانية، والدواء يعرف باسم سبراليكس، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة 10 ليلاً لمدة أسبوعين ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى 20 ملم ليلاً لمدة ستة أشهر ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى 10 ملم ليلاً واستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى.

فهذا العلاج مع التوجيهات السلوكية السابقة البسيطة سوف يساعدك كثيراً إن شاء الله في التخلص من هذه الوساوس، وأنت تعرف أن الدعاء هو مطلوب في حياة المؤمن ولابد للإنسان أن يدعو الله تعالى وهو على يقين أن هذا الدعاء سوف يستجاب أو سوف يغفر لك إن شاء الله أو سوف يزيل عنك مكروهاً آخر وعلينا أن نطبق ذلك.

ومعظم الأسئلة التي تدور في فكرك أرجو أن لا تشعر بالذنب حيالها لأنها تأتي في نطاق الوساوس القهرية، وهناك من يعاني أكثر من ذلك، وهناك من تأتيه أسئلة مؤلمة جداً حول العقيدة وحول الذات الإلهية، ولكن بفضل الله تعالى ثم بالعلاج السلوكي وبتناول الأدوية المضادة للوساوس القهرية يتم التخلص من هذه الأفكار، وعموماً أنا على ثقة كاملاً أنها سوف تزول إن شاء الله تعالى.

نسأل الله لك الشفاء والعافية، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً