الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توتر واضطراب عند التفكير في العلاقات والمناسبات الاجتماعية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الطبيب المحترم تحية طيبة، وبعد:

فإني منذ حوالي خمس سنوات أعاني على حد معلوماتي (رهاب اجتماعي) وذلك بدأ معي منذ السنة الثانية لي في الجامعة ويتمثل في رجفة في اليدين والقدمين عند التحدث أمام مجموعة من الأشخاص، وسرعة في ضربات القلب واضطرابات في الوجه ورعشة في الرقبة وأحياناً رعشة في كل الجسم عند وصولها للذروة وأيضاً عند حدوث مشادات كلامية مع أحد الأشخاص، وفي البداية عانيت من هذا الرهاب جداً لأنه بدأ يزداد معي تدريجياً حتى أصبح يعيقني عن التعبير عن رأيي أمام مجموعة من الأشخاص أو المقابلات الهامة.

ومع مرور الوقت ومنذ سنة مع التقرب لله والالتزام بالصلاة والخوض في الحياة العملية وكثرة العلاقات الشخصية بدأ يقل الرهاب تدريجياً، ولكن المشكلة تكمن الآن في توتر واضطراب عند التفكير في العلاقات أو المناسبات الاجتماعية مثل التفكير في الارتباط وحفل الزفاف. وتوتر ولعثمة في بعض الأحيان عند توجيه شخص غريب لسؤال ما أمام مجموعة من الأشخاص مثل السؤال عن وظيفتي مثلاً أو عند انتظاري لأحد الأشخاص أن يوجه لي سؤالاً معيناً يحدث لي توتر شديد.

أرجو إفادتي في أقرب وقت ممكن وإعطائي العلاج المناسب لهذه الحالة لأنها تؤرقني جداً وخصوصاً أني أتردد في الارتباط، حتى إنني أحياناً أتردد في زيارة أقاربي بسبب هذه الحالة وطبعاً بتفادي مواقف كثيرة في عملي الآن من الممكن أن تسبب لي حرجاً وأنا لا أحبذ زيارة طبيب فأرجو إعطائي برنامجاً علاجياً يتناسب مع حالتي.

وهل حالتي تستدعي أخذ عقاقير طبية؟
وشكراً طبيبي العزيز وجزاك الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

هذه الحالة التي بدأت معك كانت بدايتها نوعاً من القلق البسيط، وهذا يسمى بقلق الأداء أو قلق المواجهة، أي أن الإنسان ربما يصاب بقلق طبيعي في أوقات معينة مثل بداية مواجهة الآخرين أو عند بداية الامتحانات وغيره، ثم بعد ذلك تطور معك حتى وصل إلى درجة لا نقول شديدة ولكنها متوسطة مما يعرف بالقلق أو الرهاب الاجتماعي.

من أهم طرق علاج الرهاب الاجتماعي هي تصحيح المفاهيم، ونعني بتصحيح المفاهيم أن كثيراً من الناس لديهم اعتقادات خاطئة عن طبيعة هذا القلق.

أولاً: الرهاب الاجتماعي هو نوع من أنواع القلق النفسي.

ثانياً: هو حالة مكتسبة وهو لا علاقة له بالوراثة وحين نقول إنها حالة مكتسبة نعني أنها يمكن أن تُفقد وذلك عن طريق التعلم المعاكس.

ثالثاً: توجد مبالغة كبيرة جدّاً في الأعراض التي يشعر بها الإنسان، فقد يشعر أنه يتلعثم أمام الآخرين أو أنه سوف يسقط أمامهم أو سوف يفقد التحكم في نفسه أو أن الآخرين يقومون بمراقبته خاصة أنه سوف يرتعش.

هذه المفاهيم ليست صحيحة - هذه نقطة هامة جدّاً – .. نعم توجد أعراض مع حدوث الرهاب الاجتماعي ولكنها ليست بالقوة وليست بالشدة التي يتصورها الإنسان.

رابعاً: كثير من مرضى الرهاب الاجتماعي يعتقد أنه تحت رصد ومراقبة الآخرين، هذا أيضاً ليس صحيحاً، فتصحيح المفاهيم هو نقطة البداية للعلاج السلوكي، فأرجو أن تصحح مفاهيمك حيال هذه الحالة.

العلاج يتم عن طريق المواجهة والمواجهة نبدأها أولاً بالمواجهة في الخيال وتأتي بعد ذلك المواجهة في الواقع، وهنالك وسيلة علاجية عامة قبل الدخول في البرامج السلوكية وهذه الوسيلة هي تمارين الاسترخاء، وتمارين الاسترخاء اعتبرها البعض أيضاً جزءاً أو بداية للعلاج السلوكي، فأرجو أن تقوم بتطبيق هذه التمارين، هذه التمارين في أبسط صورها: عليك أن تستلقي في مكان هادئ لا يوجد فيه أي إزعاج ثم تأمل في شيء جميل وطيب في حياتك، ثم بعد ذلك أغمض عينيك وافتح فمك قليلاً وقم بأخذ نفس شديد – وهذا هو الشهيق – أي قم بإدخال الهواء في صدرك بقوة وبطء حتى يمتلأ الصدر وترتفع البطن قليلاً لمدة خمس ثوانٍ، ثم بعد ذلك أخرج الهواء عن طريق الفم – وهذا هو الزفير – ويجب أن يكون بنفس القوة وبنفس البطء الذي أديت به الشهيق.
كرر هذا التمرين أربعاً إلى خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم.

والتمرين الثاني هو أن تحاول أن تسترخي مجموعة العضلات المختلفة، فعلى سبيل المثال – وأنت مستلقي – تأمل أنك تود أن تقوم باسترخاء عضلات الساقين، قم بشد العضلات ثم بعد ذلك قم باسترخائها، وبعد ذلك انتقل لعضلات الحوض، ثم البطن، ثم الصدر، ثم عضلات الفكين. وهكذا، أي شد على هذه العضلات حتى تنقبض بشدة ثم بعد ذلك قم باسترخائها.

هذه تمارين مهمة جدّاً عليك أن تواصلها باستمرار كما ذكرت لك.

بعد ذلك تأتي للتعرض في الخيال، أي أن تتصور أنك في موقف اجتماعي قوي وشديد ورهيب، تصور أنك تقوم بإلقاء محاضرة أو درس أمام الكثير من الناس أو أن الأساتذة قد طلبوا منك أن تقدم عرضاً لموضوع معين أو أنك تصلي بالناس في مسجد فيه الكثير من المصلين، وهكذا.

عش هذه الخيالات بقوة، ويجب أن تكون مدة الخيال عشر إلى خمس عشرة دقيقة، ثم بعد ذلك يأتي التطبيق، وأنت الحمد لله تطيق إلى درجة كبيرة المواجهة، ولكن أود أن تواجه بصفة أكثر المواقف التي تحس فيها بأنك متردد، هذه المواقف يجب أن تخترقها ويجب ألا تبتعد عنها مطلقاً، ومع بداية المواجهة خذ نفساً بسيطاً واملأ صدرك بالهواء وأخرج هذا الهواء وأنت مقدم على الموقف الذي تود مواجهته.

بعض العلماء ينصح بأن يبدأ الإنسان بأقل مصادر الخوف ثم بعد ذلك يزيد معدل المواجهة للأشد فالأشد، ولكن هذه ليست فيها فروقات علاجية كبيرة، فالهدف إذن هو أن تواجه وألا تتردد مطلقاً، ويجب أن يكون لك برامج يومية.

البعض قد يستعين بصديق أو شخص قريب لديه ويعرف حالته ويكون رفيقاً له أو يذهب معه إلى بعض الأماكن التي كان يتردد منها على الأقل في بداية العلاج وبعد ذلك يمكن أن يواصل لوحده، هذه أيضاً واحدة من الأساليب التي تساعد ولكنها في الحالات الشديدة جدّاً ولكن لا أعتقد أن حالتك شديدة مطلقاً.

لابد أن تغير نفسك معرفياً، بمعنى أن تفكر داخلياً أنك لماذا تخاف؟ فلا شيء تخاف منه، هؤلاء بشر وأناس مثلك، وبقية الناس لا تأتيهم هذه المشاعر، ومن خلال هذه المواجهة المعرفية وتصحيح المفاهيم التي ذكرتها لك أولاً تستطيع أن تتخلص من هذا الذي أنت فيه.

يوجد أيضاً نوع من المواجهة الاجتماعية الجماعية اللاشعورية فهي تساعد كثيراً، هذه المواجهة تتمثل في أن تمارس الرياضة مع مجموعة من الأصدقاء خاصة رياضة كرة القدم، هناك نوع من الاجتماع الرياضي الاسترخائي الذي يعتبر وسيلة علاجية مفيدة جدّاً.

وقد وجدنا أيضاً ولاحظنا أن حضور حلقات التلاوة – تلاوة القرآن الكريم – والمواظبة عليها وحضور الدروس والمحاضرات هذا أيضاً يؤدي إلى تقليل وإلى اختفاء الرهاب والقلق الاجتماعي، فأرجو أن تكون حريصاً على ذلك - أخي الكريم -.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي فهنالك الحمد لله عدة أدوية تفيد كثيراً في علاج الرهاب الاجتماعي خاصة إذا طبق الإنسان العلاجات السلوكية وتناول الدواء في نفس الوقت.

هنالك عقار يعرف باسم (زيروكسات) وهو من أفضل الأدوية التي تعالج هذه الحالة، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام – نصف حبة – ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة كاملة وتستمر عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى حبتين وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهرين حتى تتوقف عنه.

هذا الدواء من الأدوية المضادة للرهاب الاجتماعي وهو علاج ممتاز وسليم جدّاً وليس له أي آثار جانبية غير أنه ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن، كما أنه يؤدي إلى نوع من التأخير البسيط في القذف المنوي لدى الرجال، وهذه حالة مؤقتة جدّاً ولا يشعر بها الكثير من الناس، ولكن رأيت من الواجب أن تعرف الآثار الجانبية له وهو عموماً من أفضل وأسلم وأنجح وأنجع الأدوية في علاج الرهاب الاجتماعي.

بالنسبة للزواج لا أرى سبباً أبداً في أن تتردد حياله، بعد تطبيقك لهذه التمارين السلوكية وتناول الدواء سوف تجد أن حياتك قد تغيرت تماماً، فأرجو أن تقدم على ما تود القيام به، وأنا أعرف أن الكثير من مرضى الرهاب الاجتماعي يعانون من بعض الوساوس ومن بعض التساؤلات الداخلية المزعجة لديهم، وكما أنه يوجد لديهم ما يعرف بنوع القلق التوقعي، أي الواحد منهم يكون ليس مطمئناً حيال مشاريعه المستقبلية، ولكن أؤكد لك أنك سوف تعيش حياة طبيعية جدّاً وسوف تختفي كل هذه الأعراض - بإذن الله تعالى - .

عليك بتطبيق التمارين والأمور السلوكية التي ذكرتها وتناول الدواء الذي وصفته لك، وأنت الحمد لله ملتزم بصلواتك ولك القدرة والخوض في الحياة العملية ولك العلاقات الشخصية وهذا أيضاً من أفضل العلاج التأهيلي.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
وبالله التوفيق.
=================

للاستزادة عن علاج الرهاب الاجتماعي سلوكياً ً يمكنك مراجعة هذه الاستشارات:
( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 )


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً