السؤال
السلام عليكم.
أشعر أن عندي بعض التكبر، رغم أني أتعامل مع الناس بلطف وأحترمهم، وكذلك أشعر أن أي عمل أقوم به يكون رياء، مع أني لا أتكلم عن شيء حسن أفعله، لكن الشيطان يوسوس في نفسي، فما النصيحة؟!
وجزاكم الله خيراً.
السلام عليكم.
أشعر أن عندي بعض التكبر، رغم أني أتعامل مع الناس بلطف وأحترمهم، وكذلك أشعر أن أي عمل أقوم به يكون رياء، مع أني لا أتكلم عن شيء حسن أفعله، لكن الشيطان يوسوس في نفسي، فما النصيحة؟!
وجزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله أن يصرف عنك هذه العادات المقيتة، وأن يعافيك من الكبر والغرور والتعالي، وأن يجعل عملك خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المتقين.
وبخصوص ما ورد برسالتك: فإن الإنسان منا هو أدرى الناس بنفسه، فالواحد منا هو الذي يعلم حقيقة نفسه، ويعلم ما يدور بداخلها، بخلاف الناس فإنهم يحكمون على الظاهر، فقد يكون الإنسان فيما يبدو للناس صالحاً ولكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها، فما دمت قد بيَّن الله لك هذا الأمر وما دمت تشعر به فينبغي عليك أن تضع خطة للقضاء عليه؛ لأنك تعلم أن الكبر من كبائر الذنوب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر منه عندما أخبرنا بقوله: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، تصور مثقال الذرة تمنع العبد من دخول الجنة! فما بالك لو كانت أكبر من ذلك؟! نسأل الله السلامة والعافية.
وقد بيَّن الله تبارك وتعالى لنا أنه لا يحب المستكبرين، وكما ورد في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدة منهما أذقته عذابي ولا أبالي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل جلاله.
ولذلك فإن آفة الكبر آفة عظيمة، والكبر -كما تعلم- إنما هو بطر الحق وغمط الناس، بمعنى احتقار الناس وازدرائهم والنظر إليهم على أنهم أقل درجة من الإنسان، وعدم قبول الحق ممن يأتي منه نظراً لأنه قد يكون أقل مني درجة ومكانة، فيضيع الحق نتيجة شعوري بأن الذي قاله أحقر مني أو أهون أو أصغر أو أقل أو غير ذلك.
لذلك لابد من علاج الكبر، وعلاج الكبر يكون بفعل عكسه، فأنت الآن فيما يبدو للناس أنك تتعامل معهم بلطف وتحترمهم، ولكنك تشعر أنك متكبر، إذن يلزمك أن تعمل في الأعمال البسيطة، أنصحك بداية أن تقوم بزيارة المقابر، وأن تقف على المقابر، وأن تنظر في القبور التي لم تمتلئ بالموتى، وأن تنظر أيضاً إلى هؤلاء الموتى ماذا أخذوا من الحياة؟ وأن هذه الحفرة الترابية عمَّا قريب ستأويك وتأويني وتحتويك وتحتويني، ولذلك لماذا الكبر إذن إذا كان الإنسان هذا أصله وإلى هذا القبر مقره؟! زيارة المقابر من عوامل القضاء على الكبر.
ثانياً: زيارة المرضى في المستشفيات خاصة الحالات الحرجة، خاصة ما يتعلق ببعض الذين يصابون ببعض الجلطات الدماغية أو غيرها، فإذا ما ذهبت إلى هذا المكان ستعرف حقيقة نفسك فعلاً، وعندما ترى هؤلاء المرضى المساكين وهؤلاء الممرضين يقومون على تغسيلهم وتنظيفهم وتحريكهم وهم لا يشعرون بما يدور حولهم، رغم أنهم كانوا في يوم من الأيام ملء الدنيا سمعاً وبصراً، فزر المستشفيات وزر المرضى خاصة الحالات الحرجة والحالات الطويلة في المرض، وكذلك أيضاً زر غرف الطوارئ لتتعرف على البلاء الذي ينزل بالناس وأنت قد عافاك الله منه.
ثالثاً: عليك بزيارة بعض الفقراء والمساكين الذين يقيمون في الحي الذي تقيم فيه معهم، تكلم معهم، وتحاول أن تمشي معهم أمام الناس، لأنك من الممكن أن تزور فقيراً في بيته ولا يعلم الناس بذلك، ولكن كونك تمشي معه أمام الناس لتكسر حدة الكبر وتتعامل معه بتواضع وانكسار، فإذا كان عندك مسجد قريب منك فتستطيع أن تقوم بتنظيف المسجد دون أن يعلم الناس، بتغسيل دورة المياه دون أن يعلم الناس، المهم أنك تكسر هذا الأمر بينك وبين نفسك.
وقد ورد في الأثر أن موسى عليه السلام قال له الله تعالى: (يا موسى! اطلبني تجدني. قال: وأين أجدك يا رب العالمين؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم الذين لا يعبأ الخلق بهم)، زيارة فقراء المساكين، سواء كانوا من أقربائك أو من غير أقربائك، والجلوس معهم في بيوتهم المتواضعة، وأحياناً الأكل من طعامهم حتى وإن كانت النفس لا تشتهي، ولكن احملها على ذلك؛ لأنه ورد أن عمر رضي الله عنه خرج إلى سوق المدينة يوماً ويحمل قربة بها ماء على ظهره وهو يسقي الناس، فقال له الصحابة: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها.
فلابد أن تبحث عن هذه الأعمال البسيطة وأن تقوم بها حتى ولو تنظف مثلاً فناء بيتك أو تنظفه من الداخل، أو تقوم بأعمال الخدم ومساعدتهم في البيت، حتى ينكسر عندك هذا الكبر.
وأما الشعور بالرياء رغم أنك لا تتكلم فما دمت لا تتكلم مع أحد ولا يشعر بعملك أحد فلا تلق بالاً لهذه الفكرة؛ لأن هذا من عمل الشيطان، فالرياء إنما هو كما قال الله تبارك وتعالى: (( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ))[النساء:142] هذه من صفات المنافقين لأنهم يعملون الأعمال التي يراها الناس، ويحرصون على أن يكون عملهم تحت الكاميرات دائماً وتحت المجهر وتحت أعين الناس حتى يقول الناس بأن فلاناً عبد صالح وأنه متواضع وأنه كريم إلى غير ذلك، ولكن ما دمت أنك لا تتكلم عن أعمالك الحسنة التي تفعلها لا تتكلم بها مع أي أحد فلا تشغل بالك؛ لأن هذا هو الرياء، فالرياء إما أن أفعل فعل الخير أمام الناس ليمدحوني وإما أنني أفعل فعل الخير بعيداً عن الناس ثم أتكلم معهم ليمدحوني أيضاً، وهذا يسمى بـ (السمعة)، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من راءى راءى الله به، ومن سمَّع سمَّع الله به)، (راءي) يعني: يفعل الفعل ليراه الناس، و(سمَّع) يعني: يفعل الفعل ولم يره أحد ثم يحدث الناس به، فيسمعهم أنه قام الليل أو صام النهار أو تصدق بصدقة أو قام بأداء عمرة أو قرأ جزءاً من القرآن أو ذكر مثلاً كذا، هذا كله من الرياء والسمعة.
فما دمت بفضل الله تعالى تعمل أعمالاً بعيداً عن الناس أو الأعمال التي تفعلها أمام الناس تحرص على ألا تكون إلا لوجه الله تعالى فلا حرج عليك، وعليك بالدعاء أن يعافيك الله من الكبر وأن يعافيك الله من الرياء؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، والله تبارك وتعالى أمرك بالدعاء ووعدك بالإجابة كما قال سبحانه: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[غافر:60]، وقال: (( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186].
فعليك بالدعاء وأنصحك أن تقرأ في كتاب (مختصر منهاج القاصدين) للإمام ابن قدامة، فإن فيه علاجاً للكبر وفيه أيضاً علاج للرياء، ولو كان عندك وقت وظروفك تسمح إذا قرأت كتاب (إحياء علوم الدين) أيضاً فيه هذه الآفة، آفة الكبر وآفة الرياء، ستجد كلاماً عجيباً ورائعاً تستفيد منه بإذن الله فائدة عظيمة في مقاومة هذين المرضين، نسأل الله العلي الأعلى أن يعافيك من هذه الأمور، وأن يجعل قلبك كله رحمة وحكمة وانكساراً له وتواضعاً لخلقه، وأن يجعل أعمالك خالصة لوجهه، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.