الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما دلالة تذبذب الإنسان بين حالات الاكتئاب والانشراح؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إلى فضيلة الدكتور/ محمد عبد العليم، حفظه الله.

أنا أخوكم في الله، متزوج، وأب لطفلين، وبعمر 32 سنة، وأعمل في مهنة محترمة، وأود منكم تشخيص حالتي النفسية من خلال الوصف التالي:

أنا شخص قلق ودائم التفكير، وأحب السرعة في كل شيء، رغم علمي أن العجلة غير محمودة، ومزاجي متقلّب، فأحيانًا أكون في منتهى السعادة، وأعمل بإتقان، وأكون متسامحًا مع الآخرين، وأحب الخير لهم، لكن فجأة، وكأن البرق ضربني، أتحول إلى إنسان متشائم، وأشعر أنني أتعس شخص في العالم.

كما أني تراودني أفكار تافهة، وغير منطقية، وأحاول دفعها، لكني لا أقدر عليها، فتستحكم بي الأزمة، وأشعر بالقلق الشديد والاكتئاب، وأحس أن الدنيا تضيق بي، وتقل شهيتي للطعام، وتنعدم رغبتي في العمل.

كما أشعر أني غير قادر على القيام بأي شيء، وربما يصل بي الأمر إلى تفضيل الموت على الحياة، لولا خوفي من الله.

صرت أكره لقاء الناس، رغم أنني أستمتع بذلك عندما أكون في حالتي الطبيعية.

تستمر هذه الحالة لفترة تتراوح بين 20 يومًا إلى شهر أو أكثر، ثم تزول -بفضل الله-، ثم بقراءة القرآن، والدعاء.

بعد ذلك، أعود إلى حالتي الطبيعية، وأصبح مبدعًا في عملي، وأقوم بأعمال تنال إعجاب الآخرين، حينها أضحك على نفسي وأتعجب من الأفكار التي كانت تراودني سابقًا، وأستمتع بكل النعم التي أنعم الله بها علي.

هذه الحالة بدأت معي منذ كنت بعمر 16 أو 18 سنة، ولم يسبق لي أن استشرت طبيبًا، وكنت أتألم بصمت عندما كنت صغيرًا، لكن الآن، أصبحتُ مسؤولًا عن أسرة، وأخشى أن يؤثر هذا المرض على عملي ومستقبل أولادي.

لذلك، أرجو منكم تشخيص حالتي النفسية، ووصف دواء مناسب، وأسأل الله أن يكون سببًا لخلاصي من هذا البلاء.

حفظكم الله من كل شر، ورعاكم، وسدد خطاكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد السلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا أرى أنك تعاني من مشكلة نفسية رئيسية، ويظهر أن شخصيتك تحمل سمات القلق، والقلق له عدة أنواع، قد يكون في صورة مرضية، أو قد يكون مجرد قلق إيجابي زاد عن الحد المطلوب وأصبح يُسبب صعوبات لصاحبه، أو ربما يكون القلق جزءاً من البناء النفسي للإنسان؛ حيث إن التكوين الغريزي لبعض الناس يكون القلق مكوناً أساسياً فيه، وهذا لا يعني أن الوراثة مثلاً هي التي لعبت دوراً في ذلك، إنما هو مجرد جزء من التكوين النفسي للشخصية، وأعتقد أن لديك شيئاً من هذا، أي لديك قلق نفسي غريزي كمكون من مكونات شخصيتك، وهذا لا يمثل مرضاً، نعم ربما يتضايق صاحبه بعض الشيء، ربما يجد نفسه دائماً في حالة خوف من المجهول وفي انتظار مستمر، وهكذا، ولكن لا نعتبره مرضاً أبداً.

الجانب الآخر في حالتك والذي يستحق التأمل والتدبر هو نوبات الكآبة التي تنتابك من وقت إلى آخر، ما وصفته دليل واضح على أنك تأتيك لحظات تحس فيها بالكدر وضعف الكفاءة النفسية والشعور العام بعدم الارتياح، وبعض السوداوية في المزاج.

هذه الحالة بما أنها تستمر حوالي ثلاثة إلى أربعة أسابيع تأتي من الناحية التشخيصية تحت نوبات الاكتئاب، وأعتقد أنه اكتئاب من الدرجة البسيطة إلى المتوسطة وليس اكتئاباً عميقاً.

بقي الجزء الذي ربما يكون غير واضح، وهو: هل تنتابك لحظات من الانشراح الزائد؟ أنت وصفت وقلت إنك في بعض الأحيان تكون في منتهى السعادة وتقوم بعملك بكل إتقان وتسامح مع الآخرين.

هذا شيء جميل، هذا يمكن أن يكون مؤشراً للمزاج الطبيعي المتوائم والمتوازن، ولكن في نفس الوقت ربما تكون هذه الحالة انعكاساً لما نسميه بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة البسيطة، أي أن حالة الشعور بالسعادة قد تكون هي القطب الانشراحي، وحالة الاكتئاب لا توجد أي صعوبات في تشخيصها، حيث إن القطب الاكتئابي لديك واضح جدّاً.

أنا أميل لأن أقول لك إن لديك درجة بسيطة مما يمكن أن نسميه بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية كمكون من مكونات شخصيتك، وليست كحالة مرضية في حد ذاتها.

الشخصية تشخص بناءً على معايير معينة، وهنالك عدة محاور في هذا الخصوص، والشخصية لها تقسيمات كثيرة جدّاً، فهنالك الشخصية القلقة، الشخصية الوسواسية، الشخصية الاكتئابية، الشخصية الظنانية، الشخصية السيكوغرافية، الشخصية الحدّية، وهكذا.

يوجد نوع من الشخصية يسمى بالشخصية المتقلبة المزاج، أو البعض يسميها الشخصية ثنائية القطب، وإن كانت هذه التسمية غير شائعة.

أنا أميل كثيراً أن تقلب المزاج الذي لديك لم يصل إلى مرحلة حقيقية لما يعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية بمفهومه التشخيصي "المرض المعروف"، والذي تعاني منه هو درجة أقل، يمكن أن نقول إن شخصيتك ثنائية القطبية.

هذا من الناحية التشخيصية، ولا أعتقد أن هذه حالة مرضية، إنما هي ظاهرة تستحق الانتباه وتستحق الاهتمام، والدراسات أيضاً تشير أن الأدوية التي تساعد في تثبيت المزاج تكون مفيدة في مثل هذه الحالات.

عليه أود أن أصف لك علاجاً دوائياً من الأدوية البسيطة جدّاً، يسمى تجارياً باسم (سوركويل Seroquel) ويعرف علمياً باسم (كواتيبين Quetiapine)، أرجو أن تتناوله بجرعة خمسة وعشرين ليلاً لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى خمسين ملجم ليلاً، وهذه الجرعة في نظري سوف تكون كافية بالنسبة لك.

مدة تناول السوركويل أن تستمر على جرعة الخمسين ملجم لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى خمسة وعشرين ملجم يومياً لمدة شهرين، ثم خمسة وعشرين ملجم يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أرجو أن لا تنزعج لهذا الدواء إذا قرأت عنه؛ لأنه في الأصل دواء يستعمل لعلاج مرض الفصام، ولكن في حالات الفصام الجرعات التي تعطى هي جرعات عالية، أربعمائة إلى ثلاثمائة مليجرام في اليوم، كما أنه يستعمل في علاج الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، خاصة إذا كان القطب الاكتئابي أكثر بروزاً، والجرعة هنا تكون مائة إلى مائتين مليجرام في اليوم، والجرعة التي أعطيتها لك هي حقيقة جرعة أقل من ذلك، وأعتقد أنها ستكون مفيدة في حالتك.

السوركويل قد يسبب لك زيادة بسيطة في النوم، فلا أريدك أبداً أن تنزعج لذلك.

بجانب السوركويل هنالك عقار آخر محسن للمزاج، ولا يؤدي إلى ظهور نوبات هوس في حالة الأشخاص الذين لديهم قابلية لأن يتحول القطب الاكتئابي إلى قطب هوسي. الدواء يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) ويعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine).
أرجو أن تتناوله بجرعة صغيرة جدّاً وهي نصف حبة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تناوله بمعدل نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

الزيروكسات بالجرعة التي وصفتها لك أيضاً يعتبر مزيلا للقلق وليس أكثر من ذلك؛ حيث إن الجرعة اليومية لهذا الدواء قد تصل حتى ثمانين مليجراماً في اليوم – أي أربع حبات – ولكنك بالطبع لست في حاجة لمثل هذه الجرعة.

لا شك أن الأخذ بالأساليب العلاجية الأخرى مهمة، وهي أن تكون إيجابياً في تفكيرك، وأنت الحمد لله تعالى قد حباك الله وأنعم عليك بنعم كثيرة، أن تفكر إيجابياً إذا انتابتك لحظات الكدر، وتأكد أنها وقتية، وكما تفضلت الإنسان يُكثر من الدعاء في مثل هذه اللحظات وغيرها، ولا شك أن الذكر وتلاوة القرآن والصلاة في وقتها والصبر من المعينات الأساسية للإنسان.

أريدك أيضاً أن تمارس الرياضة؛ فهي إن شاء الله تساعد على بناء طاقات نفسية جديدة وتقضي على الطاقات النفسية السلبية.

وختاماً نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً