السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أنظم وقتي، حيث أنني أستيقظ من النوم الساعة 10 أو 11 صباحاً، أريد أن أستفيد من وقتي فهو يضيع كله على الحاسوب، فماذا أفعل؟
السلام عليكم.
أريد أن أنظم وقتي، حيث أنني أستيقظ من النوم الساعة 10 أو 11 صباحاً، أريد أن أستفيد من وقتي فهو يضيع كله على الحاسوب، فماذا أفعل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا دائماً تواصلك معنا، حيث إنك من الزائرات المواظبات على التواصل مع هذا الموقع، ونحن سعداء حقيقة باتصالك بنا وتوصلك معنا، خاصة في مثل هذه السن، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، الداعيات الموفقات، وأن يمنَّ عليك بطاعته ورضاه، وأن يحبب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك، وأن يعينك على تنظيم وقتك واستغلاله حتى تكوني عالمة متميزة تخدمين دينك، وتدافعين عن سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – من أنك تريدين تنظيم وقتك، حيث إنك تقومين من النوم في الساعة العاشرة والحادية عشر صباحاً، وتريدين الاستفادة من هذا الوقت الطويل الذي يضيع على الحاسوب، وتسألين عن الآلية والكيفية لذلك.
أولاً: ينبغي عليك أن تعلمي – ابنتي الكريمة الفاضلة – أن الله جل جلاله قال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فإذا لم يكن الإنسان لديه الاستعداد لتغيير نفسه فثقي وتأكدي أنه لا يمكن أن يتغير، وأسهل شيء على الإنسان أن يغير نفسه، هذا بالمقارنة إلى التغيير كله، فإن الإنسان قد لا يستطيع أن يغير سلوك الآخرين ولا أن يغير معتقداتهم، ولذلك نظراً لخطورة عملية التغيير اختار الله لها خيرة الخلق وصفوة العباد، وهم الرسل والأنبياء؛ لأن تغيير أنماط السلوك لدى الناس بصعوبة مكان، أما تغيير الإنسان لنفسه فإنه لو كان صادقاً جاداً فإنه سيعان على ذلك بإذن الله تعالى، وكل الذين تنظرين إليهم من الناس حولك شرقاً وغرباً يقومون بتغيير أنفسهم يومياً، وإلا لما استطاعت الحياة أن تستمر بهذا الوقع الذي هي عليه.
فعملية تغيير النفس ممكنة وليست مستحيلة، إلا أنها أحياناً قد تكون فيها بعض المشقة وبعض الصعوبات؛ لأن الإنسان قد يكون قد تعود طريقة معينة في النوم وطريقة معينة في الأكل وطريقة معينة في اللباس وطريقة معينة في الكلام، فعندما يريد أن يهدم هذا كله وأن يأتي بشيء جديد قد لا تطاوعه نفسه ولا تسمح له الظروف إلا بمشقة شديدة، ولذلك الآن أنت تريدين تغيير واقعك، حتى تستفيدي من وقتك، فحينها لابد لك من أخذ قرارات جريئة وقوية وشجاعة، وأنا واثق من أنك قادرة عليها، لأنك أولاً على قدر كبير من الوعي، وهذا يجعلنا نُعجب بك كثيراً في هذا الموقع، ففي مثل سنك هذا عندما نجد لديك هذا الحرص نرى أنك مشروع إنسان عظيم في المستقبل بإذن الله تعالى، وأنك فعلاً لو أحسنت استغلال وقتك وتنظيمه لكنت إنسانة رائعة ولكان لك مجداً عظيماً في المستقبل، وسيكون لك سجل حافل بالإنجازات بإذن الله.
ثانياً: دعيني أبدأ الخطوة الأولى في عملية تنظيم الوقت: فمما لا شك فيه أن الذي يبدو لي أنك تنامين متأخرة، وبالتالي تستيقظين من النوم متأخرة، وهذا سيجعل هناك مساحة كبيرة من الوقت المبارك تفوت عليك دون فائدة، فأنا أريدك أن تأخذي هذه القرارات، وأنا واثق أنك ستنجحين في تطبيقها بإذن الله تعالى لأنها ليست مستحيلة وإن كانت صعبة، فما رأيك أن تنامي مثلاً بعد العشاء بساعة؟ تنامين مبكراً؛ لأنه كما قال المثل العربي: (من نام مبكراً استيقظ مبكراً وعالج نفسه وهو لا يدري).
فإذن نبدأ الخطوة الأولى بسنة النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال: (لا سمر بعد العشاء) فمن هدي النبي عليه الصلاة والسلام ومن آداب النوم: النوم المبكر، وأقصد بالنوم المبكر النوم بعد العشاء، إلا أنه لا مانع أن ننتظر فترة لقضاء الأشياء الضرورية، ولكن لا ينبغي أبداً أن تفتحي جهاز الحاسوب مطلقاً بعد العشاء، حاولي أن تأخذي قراراً بإغلاق الجهاز مباشرة مع صلاة العشاء، وبعد العشاء من الممكن إذا كنت ستتناولين العشاء مؤخراً وإن كان الأفضل أن يكون عشاؤك قبل العشاء، ثم بعد العشاء تصلين السنة وتصلين الوتر، وإذا كانت هنالك جلسة اجتماعية مع الأسرة، وبعد ذلك تنامين مبكراً.
إنك في الليالي الأولى قد يصعب عليك ذلك، ولكن مع التكرار سوف تتمكنين بإذن الله، فتنامين مبكراً وتستيقظين أيضاً مبكراً، لأنك لو نمت مثلاً في الساعة التاسعة مساءً أو الساعة العاشرة فأمامك حوالي ست ساعات أو خمس ساعات إلى صلاة الفجر، وهذه وجبة رائعة جدّاً؛ لأن النوم في الليل أكثر بركة من النوم في النهار؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشاً.
وهناك خلايا في عقل الإنسان أو في جسم الإنسان كله لا تنام إلا ليلاً، والنبي عليه الصلاة والسلام كان هديه أن يقسّم اليوم والليل إلى ثلاثة أقسام، فكانت ثماني ساعات كان يقضيها في النوم صلى الله عليه وسلم، والبقية كانت المسائل الأخرى، فأنت عندما تنامين الآن خمس ساعات أو ستة ساعات في الليل، ثم تقومين بارك الله فيكِ قبل الفجر ولو بنصف ساعة.
أتمنى أن تكون عندك ساعة منبهة حتى تعينك على ذلك، أو الجوال، أو تتصل بك إحدى صديقاتك لتوقظك عن طريق الهاتف في هذا الوقت، أو مثلاً الوالدة أو الوالد، هؤلاء من الممكن أن يتم التنسيق معهم لتقومي قبل صلاة الفجر مثلاً بنصف ساعة، ولماذا تقومين في هذا الوقت؟ أولاً لتتوضئي، ثانياً لتصلي ركعتين في جوف الليل؛ لأن هذا الوقت وقت مبارك، حيث يتنزل فيه مولانا الجليل جل جلاله إلى السماء الدنيا، وينادي على أهل الأرض جميعاً ألا هل من تائب فأتوب عليه، ألا هل من سائل فأعطيه، ألا هل من مستغفر فأغفر له.
فأنت في هذا التوقيت – ابنتي الكريمة – تستطيعين أن تتوجهي إلى الله بالدعاء أن يبارك الله لك في وقتك، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات في حياتك كلها، وأن يعينك على خدمة الدين، هذا الوقت وقت مبارك، والله عز وجل يستجيب فيه الدعاء، فتكون فرصة إجابة الدعاء بالنسبة لك فرصة عالية جدّاً.
ثالثاً: عندما تصلين الفجر في وقته، فأنت تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله)، ومعنى في ذمة الله أي في حفظ الله وعنايته ورعايته، وتصوري أنت عندما يحفظك الله تبارك وتعالى من الفجر إلى المغرب، من الذي يستطيع أن يعتدي عليك أو ينال منك أو أن يستخف بك أو غير ذلك؟ أنت في عناية الله ورعايته وفي حفظه جل جلاله سبحانه.
إذن تصلين الفجر، وأنصح بعد الفجر ما دام ليس عندك أعمال كالدراسة لأنك قلت بأن الوظيفة لا توجد، وأنت لم تشيري إلى أنك هل أنت طالبة أم لا؟ أنصح أن تبدئي بارك الله فيكِ بقراءة ورد من القرآن الكريم يومياً، هذا الورد من القرآن تستطيعين من خلاله أولاً أن تتزودي بقدر كبير من المعارف؛ لأن القرآن الكريم كما تعلمين هو أصل المعارف وهو دستور العلوم.
ثم تأخذين جرعة إيمانية عالية جدّاً؛ لأن القرآن هو كنز الإيمان، وكما ذكر ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى - : "كما أن الزرع يحتاج إلى ماء ولا ينبت بغير ماء، فكذلك الإيمان في القلب لا يقوى ولا ينبت بغير القرآن" فأنت بارك الله فيكِ بقراءتك القرآن بصفة منتظمة سيزيد الإيمان في قلبك، وستشعرين فعلاً بطعم الحياة، وأن الحياة لها طعم جديد، وأن الحياة رائعة، وأن الحياة عظيمة؛ لأن قضيت في طاعة الله سبحانه وتعالى.
أتمنى أن تضعي لك برنامجا للحفظ يومياً ولو بمقدار آيتين أو ثلاث آيات صباحاً، أو على ثلاث سطور من القرآن الكريم، بالطريقة التي سوف أذكرها، وبعد ذلك في هذا الوقت إذا كان لديك بعض الأشياء المهمة العلمية التي تريدين أن تطلعي عليها، ابدئي بعد قراءة القرآن بالشيء الذي يحتاج إلى حفظ؛ لأن ذاكرتك في هذا الوقت تكون مستريحة جدّاً، لأنها أخذت قسطا من الراحة، وخلايا المخ قد أخذت قسطا من الراحة أيضاً والهدوء، فتكون لديها قابلية أعلى للحفظ في هذا الوقت، ولذلك معظم العلماء الذين حفظوا القرآن أو حفظوا العلوم كانوا يحفظونها فعلاً بعد صلاة الفجر؛ لأن النبي قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم بارك لأمتي في بكورها).
فإذن بارك الله فيكِ تبدئين مشروعك من بعد صلاة الفجر، وطبعاً بعد صلاة الفجر هناك أذكار الصباح التي تعرفينها، وهذه طبعاً بعد الصلاة مباشرة، ثم بعد ذلك برنامج القرآن الكريم، وأتمنى ولو أن تضعي لنفسك مثلاً ترتيبا أو جدولا أن تقرئي كل يوم جزءا من القرآن الكريم في أول الوقت، ثم بعد ذلك تبدئين في دراسة العلوم، سواء كانت علوم الدراسة أو غيرها في هذا الوقت المبارك.
وإذا كنت طالبة في المدرسة فأنت من الممكن أن تفطري ثم تتوجهي إلى المدرسة، لتعودي بعد ذلك بارك الله فيكِ بعد منتصف النهار، فأفضل أن تتناولي طعام الغداء، ثم تنامين لمدة ساعة مثلاً في هذا التوقيت؛ لأن العلماء يقولون بأن ساعة من النوم في وسط النهار تكفي جدّاً، والنبي أوصى بالقيلولة التي نستعين بها على قيام الليل.
ثم بعد ذلك تبدئين من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء، هذا وقت رائع جدّاً، من الممكن أن تذاكري فيه، وأن تقرئي فيه، فهذا الوقت الذي بعد العصر إلى وقت صلاة العشاء هذا وقت مبارك؛ لأن الآن صلاة العصر في الساعة الثالثة وصلاة العشاء في الساعة الثامنة مثلا، هذه خمس ساعات تخرجي منها مثلاً بأربع ساعات أو ثلاث ساعات، هذه تكون جيدة جدّاً بالتركيز هذا، واجعلي القراءة كالطعام والشراب، يعني اجعليها روتينا يومياً، بمعنى أن هذا الوقت الذي تتفرغين فيه للقراءة أو للبحث أو للاطلاع، اجعليه شبه عادة يومية، حتى إذا تقدم لك أحد أو عرض عليك أحد الزيارة خلال هذا الوقت من الممكن أن تعتذري له، حتى تنتهي أولاً من وظائفك وأعمالك.
بذلك يكون لديك صباحاً حوالي ثلاث ساعات ممتازة جدّاً تساوي تسع ساعات أو عشر ساعات في بقية النهار، وعندك ثلاث ساعات على الأقل من العصر إلى العشاء، أصبح عندك الآن ستة ساعات ممتازة جدّاً، وإذا كنت طالبة فقطعاً لديك سبع ساعات دراسة، أصبحت ثلاثة عشر ساعة، وعندك ثماني ساعات نوم، فأصبحت هذه واحد وعشرين ساعة، والساعتين الباقيتين للصلاة وللعب وللتواصل الاجتماعي، وبذلك - إن شاء الله تعالى - أنا واثق أنك ستحققين إنجازاً عظيماً.
أتمنى أيضاً أن تستعيني بالدعاء أن يبارك الله عز وجل لك في وقتك؛ لأن الدعاء كما تعلمين هو سبب تغيير كثير من أنماط سلوك الناس جميعاً، بل سبب تغيير الحياة كلها، فإذا توجهت إلى الله بالدعاء أن يبارك لك في وقتك وأن يعينك على تنظيمه، يكون جيداً.
أقترح أيضاً عمل جدول ثابت خاصة في الأيام الأولى، حتى تُلزمي نفسك به، ليُصبح هذا النظام بالنسبة لك عادة، وبذلك يأتي عليك الوقت الذي تشعرين فيه بأنك لست في حاجة للجدول؛ لأن حياتك أصبحت مبرمجة بطريقة طبيعية تلقائية، وأتمنى إذا وضعت جدولاً أو حددت مواعيدا أن تحترمينها جدّاً، وأن تعتذري لأي أحد من الذين يمكن أن تعتذري لهم إذا أراد أن يفسد عليك برنامج يومك، لأنك إذا تركت الأمور فوضى فقطعاً ستعيشين حياة قليلة الفائدة عديمة الجدوى، وستخرجين من الدنيا وأنت لم تقدمي شيئاً لا لنفسك ولا لغيرك.
أما بتنظيم الوقت فثقي وتأكدي أنك ستكونين رائعة في جميع المجالات، واعلمي أن وقت الأربعة وعشرين ساعة وقت كبير جدّاً، معظم الذين غيروا وجه التاريخ هم عاشوا كما نعيش نحن، نفس الزمن الذي تعيشينه أنت عاشوه هم، ولكن الفارق ما بيننا وبينهم أنهم أحسنوا استغلال أوقاتهم، فكانت النتائج مذهلة، وكان التميز حليفهم، ووضعوا بصمات على جبين التاريخ، أما غيرهم فقد تركوا حياتهم فوضى، ولذلك لم يشعر أحد لا بحياتهم ولا بموتهم.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله أن يعينك على تنظيم وقتك، وأن يوفقك أيضاً للاستفادة من الحاسوب في الشيء النافع المفيد فقط، وأن يعينك على التخلص من الأشياء التي تقضي على الوقت بلا فائدة أو ثمرة، ونحن في انتظار تواصلك مع الموقع في أي وقت، والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.