الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نتعامل مع انحراف أخي المراهق؟

السؤال

السلام عليكم.

المشكلة تتعلق بأخي، لا نعلم -نحن عائلته- ما الذي حل به فجأة؟! لقد كان مثالاً للشاب المطيع، لكن فجأة انقلب حاله، وأصبح يُكثر من السهر خارج البيت، وقد ينام خارج البيت ولا نعلم أين هو، مع أن أبي اشترى له هاتفاً نقالاً لنطمئن عليه، لكنه لا يرد علينا، كما أنه قام بسرقة مبلغ بالآلاف ولم يهمه ذلك، اختفى لعدة أيام ثم عاد، وكأن شيئاً لم يكن، أصبح يصيح بأبي وأمي، وقد تجرأ إلى أن رفع يديه عليهما، ورمى ببعض الأغراض، كذلك قام بضرب إخوتي الصغار، وبحكم دراستي بالخارج فإنني لا ألتقي به إلا قليلاً.

أضيف أنه يكثر من استماع الأغاني، ويتهرب من الصلاة، ولا يؤديها إلا إذا جريناه إليها جراً، دخلت عليه ذات مرة فجأة وهو جالس على الكمبيوتر، فإذا به يشاهد صوراً خليعة، فحذرته وذكرته بعقاب الله، وقال لي: إنه لن يعود إلى ذلك، ولكن الآن أصبح الأمر عنده عادياً، ولا يهمه شيء، ما العمل؟ وما الحل ليعود إلى صوابه؟

أُحب أن أضيف أني أشك في أصحابه الجدد، فلقد وجدته مرة وهو معهم وهم يدخنون، والحقيقة أن أشكالهم لا تُطمئن، ولقد وصل به الأمر إلى أن رفع عليَّ سكيناً حينما كلمته عن هؤلاء.

أعينوني في محاولة إقناعه بالابتعاد عن هؤلاء، ما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ W.m حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يصلح هذا الفتى، وأن يرده إلى صوابه، وأن يعين الجميع على ذكره وشكره، وأن يرزقنا وإياكم الرشاد والسداد.

الصاحب ساحب، وقل لي: من تصاحب، أقل لك: من أنت، وفترة المراهقة لها جوانب ينبغي أن نهتم بها، فلا يصلح فيها أسلوب التهديد والمعاملة القاسية، ولكن الصواب أن نصاحب أبناءنا في هذه السن، ونركز على إقناعهم والاستماع لآرائهم، ونحترم مشاعرهم؛ لأن الشاب في هذه المرحلة يريد إظهار شخصيته، ويحاول أن يتنصل من ضعف مرحلة الطفولة، ومن معالم المنهج الإسلامي في التربية أن نلاعب أطفالنا سبعاً، ونؤدبهم سبعاً، ونصحبهم سبعاً، فإذا زاد عمره عن أربعة عشر عاماً فينبغي أن نعامله معاملة الصاحب، فلا نزجره أمام الناس، ولا نفرض عليه آراءنا، وإنما نجتهد في تشجيع الإيجابيات وتنميتها، والتنبيه بلطف إلى السلبيات كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ابن عمر عندما قال له: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، فترك هذا التوجيه النبوي اللطيف آثاراً غامرة في نفس ابن عمر، فكان لا ينام من الليل إلا قليلاً.

ولابد للأسرة من القيام بدورها، وعلينا أن نبحث عن سبب الهروب من المنزل، وعلينا أن نرحب بأصدقائه إذا جاؤوا للبيت، فالخوف من الصداقات الهاربة التي تختفي في ظلمة الليل وتبتعد في البراري، والأب الناجح يتفقد أبناءه عند الأذان وعند الطعام وعند المنام، ويسأل أبناءه بلطف عن المكان الذي يذهبون إليه ويسهرون فيه، ولا تفضل هنا الطريقة (البوليسية)، يعني: طريقة التحقيقات؛ لأنها تعلم الكذب، ولا يرتاح لها الشباب في هذه السن، وعلينا أن نوفر البرامج البديلة مثل صلة الأرحام والسفر إلى البقاع الطاهرة، ونُشعر هذا الفتى بحاجتنا إليه وانتفاعنا بوجوده بيننا، ونحمله بعض المسئوليات، ونذكره بضرورة وجود رجل في البيت يحرس الدار ويصون العرض.

ولا شك أن الغياب عن البيت يترك أكثر من علامة استفهام، وهذا أمرٌ له خطورته، خاصة إذا كان المبيت خارج المنزل، ولا بد من معرفة الرفقة التي تسهر معه، والبرامج التي يسهرون عليها، والأمر في البداية يمكن علاجه، ولكن إذا أُهمل فسوف يصعب العلاج، ولا ينفع عند ذلك الندم.

وأنت شابٌ قريب من سنِّه، فعليك بالتعرف على أصدقائه، ولا تطلب منه تركهم أو تتكلم معه عنهم بكلام جارح، ولكن إذا وجدت عندهم أخطاء فاختر الوقت المناسب لبيان تلك السلبيات، واطلب منه أن يقلل من الجلوس معهم حتى لا يتأثر بصفاتهم، وقدم نصاءحك بلطف لهم جميعاً، وقل لهم: كلنا شباب، ونعرف ما يحتاجه الشباب، ولكن المسلم يتقي الله ويبتعد عن الأشياء التي تغضب الله، وتحكي لهم قصص لاعترافات شباب عادوا إلى الله، وندموا على تفريطهم في جنب الله، وتطلب منهم الحضور للمنزل، وتجلس معهم وتحاورهم بلطف، وهذا بلا شك يسعد هذا الأخ ويعيد له الثقة في نفسه.

وأرجو أن يكثر الوالدان من الدعاء له بالهداية، واختيار الأوقات الفاضلة لنصحه، ومن الضروري جداً توحيد المنهج التوجيهي، فلا يأمره الوالد بشيء وتطلب منه الأم خلاف ذلك؛ حتى لا يستفيد من هذا التناقض، والصواب أن يكون هناك تنسيق تام وتوزيع للأدوار في جانب التوجيه.

وأرجو أن تعطيه جزءاً من وقتك وتهتم به حتى بعد سفرك بملاطفته والسؤال عن أحواله، والاتصال عليه من حين إلى آخر، وافتح صدرك له، وكن مستمعاً جيداً لتعرف ما يدور في خلده، وامنحه الثقة في نفسه، واتخذ معه أسلوب المصارحة، واجعل السلبيات بينك وبينه.

وأحذركم من استخدام الكلمات الجارحة؛ فإن آثارها مدمرة.

ولا شك أن الصور الخليعة في غرفته الخاصة لا تقل من خطورتها وآثارها عن أصدقاء السوء، فاجتهدوا في النصح والتوجيه، وذكروه بآثار هذه الشرور -والعياذ بالله- وساعدوه على الانتظام في الصلاة.

اطلب من الأخيار أن يزوروه -خاصة في الأوقات التي تسبق الصلوات- حتى يجد من يشجعه على المواظبة، واحرص على إدخال الكتب النافعة والأشرطة المفيدة لتكون بديلاً لأشرطة الغناء.

ولا تكرروا اللوم عليه حتى لا يألف ذلك، فتهون عنده المخالفات، ولكن عليكم باختيار الأوقات الفاضلة والكلمات اللطيفة، وخاطبوا عقله حتى يعترف بأضرار هذه المخالفات عليه في الدنيا والآخرة، فيتركها عن قناعة.

واجتهدوا في إبعاده عن رفقاء السوء المدخنين، فإن السيجارة هي الباب الرئيسي الموصل إلى المخدرات والشرور، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، مع خطورة التدخين وحرمته في شريعتنا، وليكن ذلك برفق، فالكلام عن أصدقاء السوء يصعب عليه احتماله، وفيه هدم لشخصيته، وفرض للوصاية عليه، وهذا الذي يجعله يتوتر، وإذا شعر الأصدقاء بذلك فسوف يحرضوه على التمرد والمخالفة.

نسأل الله له الهداية والثبات والسداد، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً