الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموقف من الوالد باستيلائه على مال ولده ومحاولة حرمان أهله من ماله

السؤال

موضوعي هو أن والدي كتب لي شقة إيجار عام (1986) باسمي، وكنت وقتها طالباً، وظلت هذه الشقة باسمي، وكلنا نعيش فيها: أنا وإخوتي ووالدي، وقال لي: هذه الشقة لك، تتزوج فيها. وكان وقتها عمري (16) عاماً.

وفي عام 88، حصلت على مؤهل متوسط، وبعدها عملت بالقطاع الخاص كموظف، وقررت أن أُكوّن شيئاً، وأن أُكوِّن نفسي بنفسي، معتمداً على الله، وبالفعل بدأت أوفر مبالغ كبيرة من راتبي الشهري، وبعد أربع سنوات التحقت بعملٍ في شركة كبيرة في قطاع عام، وزاد التوفير.

وكان لنا حجرتان بمنطقةٍ تركناها بسب الزلزال، ومن المفروض أن نقوم باستلام شقة أخرى، وفي نفس الوقت أخذنا شقة بمدينة جديدة باسم والدي، وقمت بدفع مقدمها، وعندما اقترب موعد زواجي قال لي والدي: سنقوم ببيع الشقة الجديدة، ونأخذ شقة أخرى؛ من أجل أن تتزوج. وبالفعل تم عرض الشقة للبيع، وهي تساوي وقتها (11) ألفاً، ويريد المشتري أن يشتريها بـ (10.5) آلاف، وذلك حتى نستطيع شراء شقة بنفس المكان الذي أسكن فيه، وكان المطلوب فيها على وجه السرعة 17 ألفاً؛ فلم ننتظر بيع الشقة الجديدة، وقمت بدفع مبلغ 11ألفاً، ووالدي دفع مبلغ 6 آلاف، إلى أن يتم بيع الشقة وأحصل على فلوسي 11 ألفاً، وكانت هذه الشقة الجديدة باسم أخي.

وبالفعل أخذنا الشقة في الشهر 11 من عام 98، وتزوجت عام 2000، وقمت بجميع تكاليف زواجي من كل شيء، وبعد الزواج قلت لوالدي: أريد بيع الشقة؛ لأحصل على فلوسي. فرفض نهائياً، وقال لي: ليس لك عندي فلوس! وذلك سبب لي غضباً شديداً، وسكتُّ، وبعد فترة قام والدي بكتابة الشقة التي يملكها، والتي قمت بدفع مقدمها باسمي، وفرحت، وقلت لإخوتي: أنا لن آخذ إلا فلوسي (مبلغ 11 الفا)، وكنت قد وعدت أخي أن أعطيه ألفين، وبالتالي يكون مبلغي 9 آلاف، وبعدها قال لي والدي: أرجع الشقة إليّ، وإلا فلن أعطيك فلوساً منها. وقمت بالفعل بإرجاع الشقة مرة أخرى، ورجع وكتبها لي مرة ثانية، مع توصيةٍ بألا أعطي والدتي أي مبلغ منها، وكذلك إخوتي، فهو لا يريد أن يعطي أي أحد منهم شيئاً.

علماً بأنه يتقاضى معاشاً كبيراً، ويعطي والدتي الربع -تقريباً- كمصروف للطعام والشراب خلال الشهر، وهناك بعض الظلم من والدي لوالدتي، وأحياناً العكس.

فوالدي يريد أن يعطيني مبلغ 5 آلاف فقط من 9 آلاف، ولا يريد أن يعطي والدتي وإخوتي أي شيء؛ وذلك لأنه يظن أن معاملتهم له سيئة.

السؤال هو: هل أُرجّع له الشقة، وتضيع فلوسي التي تعبت في جمعها، أم أقوم ببيعها وآخذ 5 آلاف فقط، وهو سيأخذ الباقي، ولا يريد إعطاء أحدِ شيئاً منها؟

علماً بأن إخوتي ووالدتي قالوا لي: حقنا في رقبتك. وقالت لي والدتي: أنا لن أسامحك في حقي لو أخذه أبوك، علماً بأنهم يعلمون أن لي مبلغ 9 آلاف، وهم معترفون به، وقالوا لي: في حالة بيع هذه الشقة ستأخذ فلوسك، والباقي سيوزع بالعدل، علماً بأن هذه الشقة لم يدفع والدي فيها أي شيء، بل بالعكس، هي مؤجرة، وهو الذي يقوم بأخذ إجارها.

أنا في حيرة كبيرة، ماذا أفعل؟ علماً بأن لي طفلين عمرهما: 3 سنوات، وسنة ونصف.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ ا ف ع م ت ا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونعتذر شديد الاعتذار عن تأخر الرد؛ نظراً لظروف السفر والمرض، ونعدك أن نكون أسرع في المرات القادمة إن شاء الله.

ونسأله -جل وعلا- أن يرزقك البر بوالديك، وأن يبارك لك في دينك ودنياك وأهلك وولدك ورزقك، وأن يوسع عليك، ويعلي شأنك،

وبخصوص ما ورد برسالتك؛ فالظاهر -والله أعلم- أن والدك لا يعرف أحكام الميراث بطريقة صحيحة، ولذلك أحياناً يكتب الشقة باسمك وحدك، ثم يرجع في كلامه ويخصك أنت وحدك دون والدتك وبقية إخوتك، وهذا كله فيه خطر عظيم؛ لأن الذي قسم المواريث، وأمر بالعدل بين الأولاد إنما هو الله، وليس لوالدك، ولا لأي أحد أن يخالف شرع الله.

ولقد توعد -سبحانه- من يخالف شرعه في الميراث وغيره بقوله تعالى: (( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ))[النساء:13-14].

فالواجب عليك -أخي الكريم- قبل أن تفكر في أي شيء أن تحاول إنقاذ والدك من النار بإقناعه بضرورة العدل، وعدم حرمان الوالدة وغيرها مهما كانت إساءتهم له، ولا مانع من الاستعانة ببعض الأفاضل من الدعاة أو المشايخ الثقات لبيان ذلك لوالدك، وهذا أهم في الواقع من موضوعك أنت شخصياً.

وأما بخصوص ما دفعته؛ فالشرع يقرر لك هذا الحق، ما دمت قد دفعت هذا المبلغ فعلاً فهو لك، فهذا حقك الشرعي، وأما ما يقوله والدك من أنه ليس لك إلا مبلغ خمسة آلاف فقط؛ فأرى أن إرضاء الوالد أهم من مال الدنيا، والذي رزقك وأنعم عليك بهذه النعم لم ولن يضيع أولادك، فلا تشغل نفسك بهم، وإياك أن تخسر والدك بسبب أموال الدنيا كلها، حتى ولو أخذ المبلغ كله، فأنت ومالك لأبيك، ومهما صنعت له من معروف فلم ولن تكافئه مطلقاً!

فأحسن إلى والدك، وتعامل معه بالمعروف، وافعل ما يرضيه، واعلم أن الله سيخلف عليك بخير الدنيا والآخرة؛ فلا تخسر والدك بحال من الأحوال، وإنما عليك إرضاؤه ولو ضاعت الدنيا وليس هذا المبلغ أو غيره فقط، واحرص على بره، والإحسان إليه، ولا مانع من تذكيره، ولكن بغاية اللطف والأدب (( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ))[الإسراء:23] وسترى بنفسك فضل هذا البر والإحسان بعينك في الدنيا قبل الآخرة.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق في بر والديك والإحسان إليهما.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً