الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات وتوجيهات لشاب يعاني التشدد في التزامه بعد توبته

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإخوة الفضلاء في الشبكة الإسلامية! شكراً على اهتمامكم بمشاكل المسلمين، ومشكلتي في الالتزام، فأنا عندما أعزم على التوبة والاستقامة أكون متشدداً، ويظهر هذا في وجهي، وفي تصرفاتي، فأشعر بأني أصبحت مغضباً، وهذا يكون فيه ردة فعل سيئة على المحيطين بي، يا ترى ما هي الأسباب؟

علماً بأنني قد قررت في مرحلة من حياتي التوبة تماماً واستمررت فيها، ولكنها كانت مترافقة مع الحدة، هل بسبب الحالة النفسية؟ حيث كنت أعاني من حالة نفسية سيئة.

أرى نفسي قد تراجعت كثيراً، وأريد أن أعود إلى التوبة، ولكن بشكل يجعلني أفضل، ولكن دون عصبية, أتمنى هذا الأمر، وأريد أن يفرح أهلي بتوبتي, ولا يتضايقوا منها، وأريد المفتاح لهذا الأمر، فأنا أريد العودة الحميدة إلى سابق عهدي من التوبة.

ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ قاسم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك، وأن يعينك على التوبة النصوح وأن يتقبلها منك، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – أقول: إنه ومما لا شك فيه أن هذه الحالة التي تعاني منها حالة ليست طبيعية، وإنه يستحيل أن يكون العبد الصالح عبوساً مقطباً غاضباً دائماً في كل وقت وحين، أو في معظم أوقاته بدون سبب أو داعٍ؛ لأن العبوس وتقطيب الجبين رسالة سلبية لكل من يتعامل معك، كأنك تقول بأني لستُ على استعداد أن أتعامل معكم، وكأنك ترميهم بشيء من النقيصة، وهذا مما لاشك فيه ينفر الناس عنك، ويجعل الناس حتى أقرب الناس إليك لا يستريحون لوجودك.


أنا أعتقد إما أنك مبالغ في الأمر، بمعنى أنك تبالغ في مسألة العبوس وتقطيب الجبين والغضب، وترى أنها شيء كبير، وإما أنك نظراً لظروفك أو لحالتك النفسية السيئة التي مررت بها تتخيل هذا أو يحدث لك هذا فعلاً، وإلا فالإسلام هو دين السماحة ودين البِشر، وهو دين الابتسامة ودين إفشاء السلام مع القاصي والداني، ودين مد يد العون والمساعدة لكل أحد، بل إنك ترى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع علو شأنه ومحبة الله له عاتبه الله تبارك وتعالى على مجرد العبوس وتقطيب الجبين في وجه إنسان أعمى لم يُدرك ما كانت عليه حالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلك تعرف أن هناك سورة في القرآن تسمى بسورة (عبس) فيها يقول الله تعالى: (( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ))[عبس:1-3]، فالله تبارك وتعالى أنكر على النبي ذلك رغم أن الإنسان الذي عُوتب فيه النبي عليه الصلاة والسلام كان أعمى لم ير، ولم يتأثر بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من عبوس أو تقطيب للجبين، فإذا كان الله يُنكر على نبيه عليه الصلاة والسلام ذلك، فمما لا شك فيه أنه لن يقبله من أحد من خلقه بدون سبب أو داعٍ أو أمر مقبول أو مطلوب.

إن هذه الحالة التي أنت فيها أتصور أنها من الشيطان الذي لا يريد لك التوبة، ويريد أن يقول بأنك عندما تكون إنساناً عادياً ليست لك ضوابط في حياتك كرجل مسلم، وعندما تحيا بغير قواعد إسلامية ملزمة فإنك ستكون أحسن، هذا أتصور أنه من كيد الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريد لك الالتزام ولا يريد لك التوبة، وأنت تعلم أن التوبة ضرورية، فالتوبة واجبة في كل وقت وحين على كل مسلم، ولذلك قال الله تعالى: (( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ))[الحجرات:11]، والله تبارك وتعالى حثنا عليها في القرآن الكريم، بل وبشرنا بقوله: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))[البقرة:222].

أنا أنصحك -بارك الله فيك- في هذا الجانب أن تقرأ عن سيرة النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وكيف كان يتعامل مع الناس، والبشاشة التي كان يتحلى بها عليه الصلاة والسلام، فأنا أريدك أن تقرأ في السيرة الجانب الأخلاقي لدى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى تستفيد مهارات رائعة تستطيع بها أن تتغلب على تلك الحالة النفسية، لأني أتصور أن هذه حالة نفسية أكثر منها حالة واقعية، فأنت تريد العودة الحميدة إلى سابق عهدك من التوبة، وهذا مطلوب، ولكن أن يكون ذلك بدون تعصب وبدون تشدد وبدون عبوس أو تقطيب الجبين أو غير ذلك.

اقرأ سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، واقرأ عن حلمه صلى الله عليه وسلم، وحاول أن تجتهد في إفشاء السلام على كل من عرفت من المسلمين بل ومَن لم تعرف، لأنك تعيش في مجتمع، هذا المجتمع لا يعرف عن الإسلام إلا ما يُقدمه الإعلام، والإعلام -كما تعرف- يحرص في بلادكم على تشويه صورة المسلمين وعلى تشويه صورة الإسلام وتنفير الناس منه.
أنت مطالب -بارك الله فيك- أن تكون صاحب ابتسامة، خاصة وأن هؤلاء الناس في تلك البلاد يبتسمون تلقائياً، فلا يُعقل أن يكون هؤلاء الناس الذين لا يعرفون من الدين شيئاً يطبقون سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وتأتي أنت -أخي قاسم- لتحرم نفسك من هذا! فأنا أريد -بارك الله فيك- وأتمنى أن تأخذ قراراً بأن تبتسم في وجه كل من يلقاك، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، المسلم هو أخوك وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وغير المسلم هذه دعوة ورسالة على أنك تقول له: أنا صاحب دين مُسالم ولستُ كارهاً لأحد ولستُ غاضباً من أحد، ولكني أمد يد المساعدة وأفتح ذراعي وقلبي لكل أحد يرغب في معرفة الإسلام على حقيقته.

إفشاء السلام على إخوانك المسلمين سواء كانوا صغاراً أو كباراً، وتحية أيضاً لجيرانك وزملائك ممن يكونون معك في الدراسة، وليس بلازم أن تبدأهم بالسلام لأنهم ليسوا بمسلمين، وإنما تقول مثلاً: (صباح الخير، مساء الخير)، هذه كلمات أساساً تحية معروفة لدى الناس إلا أنها ليست التحية الإسلامية، ولكننا نقولها من باب أننا نعيش في هذا المجتمع، ونطمع أن الله تعالى يهدي أهله للإسلام، وبهذا الأمر أيضاً ستكون قد كسرت الحاجز النفسي الذي عندك، وحاول باستمرار -بارك الله فيك- أن تجعل هذا هو ديدنك.

عليك كذلك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن الله يصرف عنك هذه الحالة؛ لأنك تعلم أن الشيطان أحياناً قد يأتي للإنسان وقد يشوه صورته في وجه من ينظر إليه، يعني: يجعل صورتك غريبة منكرة في وجه كل من يتعامل معك، والشيطان يفعل ذلك، فأنت بارك الله فيك عندما تلتزم بهدي النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام فبإذن الله تعالى سوف تتغلب على هذه الظاهرة، فعليك بالدعاء والإلحاح على الله، وعليك بالإكثار من الاستغفار، وعليك بالتوقف عن المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، ولا يدفعك هذا الفهم إلى الوقوع في المعاصي؛ لأن المعاصي -كما تعلم- خطيرة على الإنسان في دينه ودنياه، بل وفي دنياه وآخرته.

عليك -كما ذكرت لك بارك الله فيك- بإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وعليك كذلك بالابتسام في وجه كل أحد، واعتبرها في وجه المسلم صدقة، واعتبرها في غير المسلم دعوة، وبذلك إن شاء الله تعالى سوف تجد نفسك قد تحسنت، وخذ قراراً بذلك، ولا تتراجع عنه، حتى مع الأطفال الصغار كما كان هدي نبيك المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك لكل خير، وسل واطلب من والدتك ووالدك أن يدعوا لك بالقبول من الناس، واسأل الله تعالى، قل: اللهم ارزقني القبول بين عبادك؛ لأن المحبة منه؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل من آثار محبته جل جلاله كما قال في الحديث: (ويوضع له القبول في الأرض).

كما أسأل الله لك التوفيق والسداد، والعون على طاعته ورضاه، وأن تكون دائماً صاحب بسمة طويلة عريضة فيها صدقة على إخوانك المسلمين وتقوية لأواصر المودة والمحبة بينكم، وفيها دعوة لغير المسلمين كأنك تقول لهم: (إني مسرور بلقائكم وفرح بقدومكم وأتمنى أن تكونوا مسلمين مثلي).

هذا وبالله التوفيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً