الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تسارع في دقات القلب مع احمرار شديد للوجه عند مواجهة الناس في المناسبات وغيرها

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر ثلاثين عاماً، أشكو من أعراض تأتيني، وهي تسارع في دقات القلب، وضيق في النفس، وتغير في الصوت، وحرارة في سائر الجسم، يصاحب هذه الحرارة ظهور احمرار شديد، يكون أحياناً على هيئة بقع من غير قشور، تتحد مكونة بقعة واحدة كبيرة، وذلك في منطقة الصدر والوجه وباقي أنحاء الجسم، وتأتيني هذه الأعراض عند الذهاب إلى الزيارات والمناسبات، وعند الذهاب إلى أي مكان، أو عند سماع خبر محزن، أو الخوف من أي شيء، أو ركوب السيارة.

ذهبت إلى طبيب نفسي، وأخبرني أني أعاني مما يسمى بالرهاب، ولكن أهلي يرفضون ذهابي مرةً أخرى إلى الطبيب النفسي، ولا يحبذون هذه الفكرة، فأرجو مساعدتي وإعطائي دواءً يريحني من هذه الأعراض، خصوصاً هذا الاحمرار الذي ينغص علي حياتي، شاكرة لكم حسن تعاونكم، مع العلم أني أستخدم دواء الإندرال حالياً بجرعة أربعين مليجراماً -نصف صباحاً وآخر مساء- لكنه لم يقض على الأعراض تماماً!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت المدينة المنورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنك تطلبين تفسيراً لحالتك، وأنا أقول لك إن ما ذهب إليه الطبيب وهو أنك تعانين من الرهاب هو تشخيص صحيح، والرهاب يُقصد به الخوف، والخوف من الناحية العلمية هو نوع من القلق النفسي، والتشخيص العلمي الدقيق هو أن حالتك تسمى بقلق المخاوف، وهي حالات شائعة جدّاً ولا نعتبرها مرضاً نفسياً حقيقياً، بالرغم مما تسببه من إزعاج لأصحابها، ولكنها ظاهرة نفسية تستحق شيئاً من الاهتمام والعلاج، وبفضل من الله تعالى الآن توجد أدوية فعالة جدّاً لعلاج مثل حالتك.

كما تلاحظين أيتها الفاضلة الكريمة: لديك ما نسميه بالمكون النفسي لقلق المخاوف، وهو الخوف ذاته، والضيق، وعدم الارتياح العام، أما المكون العضوي فهو كثير لديك: تسارع ضربات القلب، وتغير الصوت، وكذلك الشعور بالحرارة، هذه كلها مما نسميه بالأعراض الجسدية لحالة هي نفسوجسدية.

احمرار الوجه لا شك أنه ناتج من زيادة في تدفق الدم، وهذا أيضاً تغير فسيولوجي طبيعي جدّاً يحدث مع القلق، وبالنسبة للبقعة الحمراء فهذه تعرف باسم (ارتيكاريا Urticaria) وهي نوع من الحساسية الجلدية التي نشاهدها مع القلق، وهذا تكوّن دموي لا يدل أبداً على أي نوع من الخطورة، أو على وجود مرض عضوي حقيقي، فأرجو ألا تنزعجي، وأكرر مرة أخرى أن حالتك هي حالة من حالات قلق المخاوف.

العلاج يتمثل أولاً في أن تفهمي طبيعة الحالة، وأرجو أن تستفيدي من الشرح المقتضب الذي ذكرناه.

ثانياً: المخاوف أيّاً كان نوعها تُعالج دائماً بتحقير فكرة الخوف، وبالمواجهة؛ لأن التجنب يزيد كثيراً من المخاوف.

ثالثاً: الأعراض التي تشعرين بها -خاصةً الضيق في منطقة الصدر وضيق النفس- هي أعراض مبالغ فيها، وحتى شعورك بتغير الصوت ليس كله حقيقياً -مع احترامي الشديد لك- فصاحب القلق وصاحب المخاوف دائماً يضخم أعراضه، ويأتيه شعور بأنه مراقب من قبل الآخرين، أو أنه سوف يفشل اجتماعياً أو سوف يسقط أرضاً، وهكذا... هذه كلها أعراض ومشاعر مبالغ فيها، فأرجو أن تتفهمي ذلك.

رابعاً: من الضروري جدّاً أن تكوني إيجابية في تفكيرك، ولا تجعلي هذا الخوف يعطل حياتك ويملأ فراغك بغير المفيد، ولاشك أن لديك أشياء جميلة وطيبة في حياتك، ويكفي أنك تسكنين في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتفكير الإيجابي هو من صميم التغيير السلوكي الجيد والنافع، والذي يزيل أعراض القلق والتوتر.

هنالك تمارين تسمى بتمارين الاسترخاء، وهي ذات فائدة عظيمة جدّاً، فأنصحك بالاطلاع على أحد المواقع التي تبين كيفية ممارسة هذه التمارين، أو يمكنك الحصول على كتيب أو شريط يوضح لك كيفية تطبيقها.

ممارسة أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة أيضاً هي ذات خير وفائدة كبيرة، وكذا التواصل الاجتماعي وتطوير المهارات في هذا السياق أيضاً هي وسيلة علاجية.

المخاوف يمكن هزيمتها بنوعٍ من التواصل الاجتماعي الخاص، كحضور حلقات تلاوة القرآن، والذهاب إلى مراكز التحفيظ، وهي كثيرة بالطبع في المدينة المنورة، فأرجو أن تجعلي لنفسك نصيباً من هذا، وهناك علاجات سلوكية أخرى يمكنك مراجعتها من خلال هذه الاستشارات (259576 - 261344 - 264538 )

بالنسبة للعلاج الدوائي فأبشرك بأن الأدوية ممتازة وجيدة، والدواء الرئيسي الذي سوف يفيدك هو العقار الذي يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) ويعرف تجارياً أيضاً باسم (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline) وهو لا يحتاج لوصفة طبية، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة حبة واحدة، تناوليها ليلاً بعد الأكل، وقوة الحبة هي خمسون مليجراماً، وبعد شهر ارفعي الجرعة إلى حبتين – أي مائة مليجرام – يمكن تناولهما ليلاً بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى خمسين مليجراماً (حبة واحدة) لمدة ستة أشهر، وهذه هي الفترة الوقائية المهمة جدّاً، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة يوماً بعد يوم لمدة شهرين، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

يتميز السيرترالين بأنه لا يؤثر مطلقاً على الهرمونات النسوية، كما أنه غير إدماني وغير تعودي، فقط من الضروري الالتزام بالجرعة والمدة العلاجية كما وصفناها لك؛ وذلك لتحصلي بإذن الله تعالى على أفضل النتائج.

بالنسبة للإندرال، استمري عليه بنفس الجرعة (أربعون مليجراماً) يومياً لمدة شهرين، ثم خفضيها إلى عشرين مليجراماً لمدة شهر، ثم عشرة مليجرامات يومياً لمدة شهر، ثم يمكن استعماله عند اللزوم، ولا أعتقد أنك سوف تحتاجين له بعد أن تواظبي على تناول السيرترالين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً