الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المحافظة على الفرائض والنوافل لا يتعارض مع الترويح عن النفس أحياناً

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى من الله أن لا يدخل هذا ضمن مبدأ المجاهرة بالمعصية بعد الستر، ولكن على كل حال سأحكي قصتي باختصار.

في الفترة الماضية كنت شاباً محافظاً على الفرائض الأساسية، من صوم وصلاة، مع تفوق في المرحلة الأولى من الثانوية العامة -بفضل الله وحده- ولكني كنت وللأسف لا أغض بصري، وابتلاني الله بالعادة السرية، ونتيجة لعدم غض بصري حدثت المشكلة الكبرى، وهي تبادل نظرات بيني وبين فتاة في نفس الصف، وأصابني حب لهذه الفتاة، ورأيت صورة لها على الفيس بوك.

باختصار أصابني داء العشق، وأصبحت مشغولاً في حياتي كلها بها، لا يهنأ لي نوم، أتخيلها دائماً، إلى أن هداني الله وقرأت في هذه المواضيع، وبفضل الله وحده زال هذا الحب من قلبي بعد طول عناء.

المشكلة الأساسية الآن أنه بعد استقرار أحوالي أخذت أفكر، ما الذي أوصلني لهذه الحالة؟ ولماذا هذا الفراغ الذي كنت فيه، وما الذي حدث لي؟!

بيّتّ النية على أن أسير في الطريق إلى الله، وأن لا أحيد عنه، وأن تكون أهدافي التمكين لهذا الدين، ولكنني أشق على نفسي كثيراً في بعض الأحيان، فأنا لا أستطيع إيجاد الخط الفاصل بين التقصير والرفق بالنفس، وأشعر أني عندما أرفه عن نفسي بأن هذا ينافي الجدية، وأحياناً لا أركز في مذاكرتي بسبب تفكيري في تقصيري.

أحياناً أشعر بأسئلة تدور في ذهني عن الهدف الأساسي من الخلق، وأحوال الناس وأسأل نفسي إذا كانت الدنيا دار ابتلاء، فهل هذا يمنعني من المتعة فيها؟

مررت بمراحل عديدة، منها التكلف في النوايا إلى التنطع أحياناً، إلى عدم إعطاء حق النفس، إلى الخوف أن الله لن يغفر لي.

أحياناً كثيرة أعود لطبيعتي، ولكن تصيبتي مرة أخرى هذه الهلوسات، فما الحل لعدم الرجوع مرة أخرى لها؟ وما السبيل للثبات على الأهداف؟ وكيف لي أن أبلغ جنات الفردوس دون أن أشق على نفسي؟

جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الذي استفدت منه كثيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فمرحباً -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، بين آبائك وإخوانك، ونحن نشكر هذه الهمة العالية في اكتساب ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والعمل بما يوصلك إليه، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والصلاح.

لا شك أن دين الله عز وجل كبير، وكما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لن يُشاد الدين أحد إلا غلبه، فلا يستطيع الإنسان القيام بكل جوانب الدين، وإنما على الإنسان أن يتكلف من العمل ما يُطيق، كما قال عليه الصلاة والسلام: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون).
هذا الذي نطيقه -أيها الحبيب- وتطيقه كثيراً، ينبغي لك أن تقدم الاهتمام بالفرائض أولاً، فتلزم نفسك أداء ما أوجب الله عز وجل عليك فعله، كالصلوات في وقتها في جماعة وصوم رمضان وصلة الرحم، ونحو ذلك من التكاليف التي كلفك فعلها، وتلتزم كذلك باجتناب ما حرمه الله عز وجل عليك، فهذا كله داخل تحت اسم الفرائض، وقد قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه)، فهذه المرحلة التي لابد لك أن تحاسب نفسك عن التقصير فيها، وإذا شعرت أنك وقعت في تقصير بأن تركت شيئاً مفروضاً أو فعلت شيئاً محرماً فعليك أن تبادر بالتوبة وإصلاح هذا الخلل وتدارك ما فات.

يأتي بعد الفرائض الاستكثار من النوافل، وهذا هو التكملة للفرائض كما جاء في هذا الحديث القدسي، فقد قال: (وما تقرب إليَّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه) ثم قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فأخبرنا سبحانه في هذا الحديث أن الإكثار من النوافل سبب لمحبة الله تعالى، وهذه النوافل أيها الحبيب أنواع فمنها نوافل الصلاة، ومنها نوافل الصيام، ومن نوافل الذكر، ومنها نوافل الصدقة، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة، فينبغي لك أن تأخذ حظاً من العمل الذي تقدر عليه ويسهله الله عز وجل لك، فكلٌ ميسّرٌ لما خُلق له.
إذا كنت ترى في نفسك الرغبة في الصلاة فأكثر من نوافل الصلوات، وخير ما ننصحك به هو أن تبذل وقتك وجهدك في تعلم العلم الشرعي، فإن فضل العلم عظيم، ونافلة العلم أفضل من نافلة العبادة الأخرى كما يقول العلماء، فإذا تمكنت من تعلم العلوم الشرعية وأن تتعرف على مجالس العلماء المعروفين بالعلم والصلاح فينبغي أن تجتهد في هذا الباب بقدر استطاعتك فإنه خير عظيم ينور لك الطريق، ويبصرك بما يحبه الله عز وجل وما لا يحبه، ثم فيه نفع للآخرين، فإذا فُتح عليك في هذا الباب وأصبحت معلماً للناس فإن الله عز وجل كما جاء في الحديث هو والملائكة والمخلوقات كلها تصلي على معلم الناس الخير.

كما ننصح بالاستكثار من تعلم العلم الشرعي، وقد كثرت وسائله في هذه الأيام -ولله الحمد- فيمكنك أن تستمع للدروس العلمية المسجلة وهي موجودة على مواقع كثيرة كموقعنا وغيره من المواقع، وتعرف على الشباب الصالحين الذين يحرصون على هذا المجال، وستجد فيهم العون -إن شاء الله تعالى- على الاستمرار في هذا الطريق.

لا ينبغي لك أبداً أن تشق على نفسك في تكلف النوافل، فينبغي لك أن تكلف نفسك من العمل ما تطيقه وتقدر عليه، فإذا مللت فدع عنك قليلاً، فإن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا شعرت بالملل فأعط نفسك حظها من الراحة، فإن النوم يكون عبادة إذا قصد صاحبه التقوي على الطاعة، وكذلك الطعام والشراب والفسحة ونحو ذلك، وبهذا تمضي الحياة بسهولة ويسر مع اغتنامها فيما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه أحياناً، وقال لبعض أصحابه: (ولكن ساعة وساعة) يعني ساعة يجد الإنسان فيها في مجال، وساعة أخرى يشعر بنوع من الفتور، فهذا أمر جُبل عليه الإنسان وفُطر، لكن الحد الأدنى الذي لا يجوز للإنسان أن يتساهل فيه وأن يفرط فيه هو أداء الفرائض واجتناب المحرمات.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى أن ييسر لك سبيل الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا فادي

    شكرا جزيلا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً