الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي تعاملني بقسوة بعد أن تزوجت طليق صديقتها، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي مع أختي الكبرى التي كنت أعزها جدا وكانت أقرب إلي من أي فرد في العائلة، بدأت مشكلتي معها حين عرفت أن زوجي الحالي يحادثني عن طريق الهاتف فقرابته لنا من ناحيتها فهو ابن أخت زوجها، كان متزوجا وكانت صديقة زوجته، تغيرت علي بعد أن أخبرتها بأنه ينوي الزواج مني ويريد أن يتقدم بشكل رسمي فلم أجد إلا أن بدأت تحيك المشاكل وتعرض على أبي بأن لا يقابله ولا يستجيب لطلبه وصارت تشوه صورتنا الأخلاقية أمام أبي وإخواني وتشكك في أصل والده، وتحرض بناتها على مقاطعتي والتلفظ علي.

كان زوجها يعاملني تعاملاً خاصاً كأن يتناقش معي في أمور عائلته المستقبلية، ويلجأ إلي إن حدث بينهم أي خلاف لأعطيه رأي دون حياد، المهم لم يستمع الأهل لكلامها وقالوا نحن نعرف أخلاق بنتنا وأخلاق الرجال، الغريب أنها كانت تعزه بشكل غير طبيعي لدرجة أن زوجها كان يغير منه ويرفض حتى ذكر اسمه في البيت ولما سألوها مستغربين موقفها أجابت إن زوجته صديقتها، دائما كانت تردد لن يتم هذا الزواج سيلعب بك ويرميك، صار لي الآن قرابة السنة لم تبارك لنا زواجنا تقاطعني هي وبناتها تتعمد تجاهلي وعدم إلقاء السلام علي إلا في حال تواجد أمي وأخواتي، حتى في المناسبات تتعمد إظهار التجاهل الذي أحاول جاهدة ألا يراه الناس اشتكيت لأمي كل ذلك تبكي، وتتظاهر بأنها المظلومة.

في كل مرة أقنعتهم بأنني أنا من أحاول تجاهلها وقذفها بالكلام، وإلقاء النظرات إليها، أصبحت أشعر بالوحدة فكل العائلة الآن يهتمون بها وبأبنائها حتى إن زرتهم أجدهم يتركوني وحيدة وينصرفون إليها ، لا تجلس حيث أجلس أصبحت تبدي كل ما كانت تتصرف به من تجاهل وعدم إلقاء السلام أمامهم دون أن يكون منهم أي تعليق أو رد أو حتى تأنيب صاروا يتجاهلون كل تصرفاتها تجاهي ويتعاملون بشكل سلبي تجاه مواقفها.

صرت لا أحب زيارة أهلي لأني لا أحس بالراحة النفسية عندهم بسبب مواقفهم السلبية حيال تصرفاتها التي ازدادت وبدأت تصل إلى أهل زوجي فهي تتعمد ذلك، الكل يريد مني أن أتعامل معها ببشاشة وأنا لا أستطيع ذلك لأني أحس أنه من النفاق أن أتعامل مع شخص خلاف ما أضمر أصبحت أكرهها وبشدة أدعو الله عليها في أوقات وفي أوقات أدعو الله أن يجعلني أحقد أو أتمنى الشر أو أفرح به.

أرجو إجابتي عاجلا عن الحل في التعامل معها ومع أهلي.

أدعو الله لكم بالتوفيق والسداد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أريج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فمرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى أن يهدي أختك إلى سواء السبيل وأن يبصرها بخطئها الذي هي عليه.

نحن نعذرك -أيتها الكريمة- فيما تشعرين به من ألم بظلم أختك، فكما قال الشاعر:

"وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند"

لا سيما وأنت لم تفعلي شيئًا سيئًا معها حتى تستحقي ما صارت تعاملك به، ولكننا مع هذا التقدير لشعورك أيتها الأخت الكريمة ندعوك إلى ما هو خير، فندعوك إلى أن تفوزي الفضل وتكوني صاحبة المكانة عند الله وعند الناس وذلك بالترفع عن مبادلة أختك إساءتها بمثلها، فإن مبادلة تصرفات هذه الأخت بمثل ما تفعله لن يزيد العلاقة بينكما إلا سوءً وهذا ما يريده الشيطان ويسعى إليه من تفريق قلوب الأحبة وزرع العداوة والبغضاء بينهما ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والله عز وجل يدعو إلى خلاف ذلك.

فنحن ندعوك -أيتها الكريمة- إلى أن تكوني صاحبة الفضل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا)، فهذه الأخلاق الكريمة الأخلاق النبيلة التي يدعو إليها الإنسان ويرغب فيها، فالإسلام يحب لأبنائه وبناته أن يكونوا أصحاب همم عالية في أخلاقهم بحيث يترفع الإنسان عن أن يقابل المسيء بمثل إساءته ما دام يقدر على العفو، ولذلك سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سأله صاحبه عقبة بن عامر عن فضائل الأعمال، فوصف له عليه الصلاة والسلام تلك الأخلاق الجميلة ثلاثة التي تدور كلها حول هذا المعنى، فقال له: (صل من قطعك، وأعطي من حرمك، واعف عن من ظلمك) فتفكري جيدًا أيتها الأخت الكريمة في هذه الوصية العظيمة واعف عن من ظلمك، فإن هذا الأسلوب هو الأسلوب الذي تتحقق به المصلحة وتتحاب النفوس وتتواد القلوب، العفو عن من ظلم والوصل لمن قطع وتجاوز عن من أساء، والله عز وجل يعامل الإنسان بمثل ما يتعامل به هذا الإنسان مع أبناء جنسه، فمن سامح سامحه الله، ومن عفى عفا الله عز وجل عنه، ومن تجاوز تجاوز الله -عز وجل- عن هفواته وسيئاته، فسابقي -أيتها الأخت الكريمة- بحيازة هذه الفضائل وترفعي أن تقابلي أختك بمثل تلك الأخلاق، وقابلي إساءتها بالإحسان، وكما قال الشاعر:

"كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا *** يُرمى بصخر فيُلقي أطيب الثمر".

ثم إن هذا الأسلوب أيتها الأخت الكريمة هو الأسلوب الأمثل لإعادة ما كان بينك وبين أختك من حب وصفاء وود، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن أثر هذا الأسلوب الحسن مع العدو فكيف مع الحبيب القريب، فقد قال -سبحانه وتعالى-: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} فكيف بالأخت التي يجمعك بها الرحم والدين والإسلام.

فاسعي -أيتها الأخت- في إصلاح ما قطع بينك وبين أختك، وارعي لها أيضًا حق السن فإنها أكبر منك سنًّا، وقدري لها ربما الظروف التي دعتها إلى مثل هذا، فربما صداقتها مع الزوجة الأولى للرجل دفعتها أيضًا إلى مثل هذا وإن كنا لا نعذرها بمثل هذا، فإن هذه ليست أعذارًا تدعو إلى ارتكاب هذا الظلم من قطيعة الرحم والإساءة وغير ذلك، ولكن إذا التمست لها بعض الأعذار وإن كانت واهية فإن هذا سيدعوك إلى مبادلة إساءتها بالإحسان ومحاولة تجاوز عما فعلته.

ونوصيك -أيتها الأخت الكريمة- باتخاذ الأسباب التي تزيل البغضاء من النفوس كالهدية لهذه الأخت ومبادرتها بالتسامح، ولا بأس بأن تخبريها بأنك في حاجة إلى الزواج، وأنك وإن كنت تقدرين للزوجة الأولى ما تصاب به من غيرة ونحو ذلك، إلا أن هذا أمر شرعه الله عز وجل لخلقه لمصالحهم العاجلة والآجلة، وبمثل هذا ستتجاوزين هذه المشكلة -بإذن الله تعالى-.

أما الأهل فإننا نظن أيتها الكريمة بأن ما تشعرين به نظن بأنه مجرد أوهاب صنعتها الحالة التي تعيشينها أنت من إساءة أختك إليك، ولكننا على ثقة لا سيما بالوالدين أنهما لا يميزان بين أحد من أبناءهما وأنهم يرونهم سواسية، لكن ربما كانت صلة أختك بهم أكثر، أو قدرتها على إقناعهم أكثر أو نحو ذلك، فظننت أنت بأنك منبوذة منهم والأمر على خلاف ذلك.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يديم ما بينكم من الألفة والمودة وأن يصلح ما وَهَى من ذلك.

ومن الله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً