الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتخيل الجن ولا أنام إلا والضوء مفتوح ..فكيف أبعد من رأسي هذه التخيلات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا فتاة عمري 19 عاما، دائما أتخيل الجن على صورة إنس، علما بأنني لم أر واحدا طول حياتي والحمد الله، ولكني لا أخشى أن أتضرر منهم بل أخشى أن أرآهم فأرتعب وأموت من الخوف.

هذا الخوف يؤثر على حياتي بشكل كبير، فلا أستطيع أن أنام إلا على جنب واحد، ويجب أن أكون ملتصقة بالحائط وإلا سأشعر بأن أحدهم نائم خلفي.

كما أنني أتأكد مرارا وتكرارا بأن باب خزانتي مقفل جيدا، ولا يوجد به أي فتحات، ودائما أضع قطعة قماش كبيرة أسفل باب الخلاء وباب الغرفة خشية أن أرى ظل أحدهم.

هذا بالإضافة أنني أخرج الكراسي من الغرفة أو أضع عليها أغراضاً كي لا أتخيل أحداً يجلس عليها، كما أني أخاف من الظلمة ودائما أنام والضوء مفتوحا، والأسوأ من هذا هو أنني أعشق مشاهدة أفلام الرعب كثيرا ولكني أتأثر منها بشكل كبير، وأحيانا أمنع نفسي من مشاهدتها، ولكن إذا اجتمعت مع العائلة أو الأصدقاء يصرون علي بأن أشاهدها معهم ويسخرون مني إذا رفضت، بالإضافة إلى أنني أتأثر كثيرا عندما يسرد لي أحد قصة حقيقية حدثت معه أو مع غيره.

أنا الآن أشعر بالضيق؛ لأني أعلم بأن هذا هو ضعف إيمان بالله، ولكني لا أستطيع إبعاد هذه التخيلات من رأسي حتى لو تحصنت قبل النوم وقرأت سورة الدخان والمعوذات.

أتمنى أن تساعدوني وتدعوا لي بالشفاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

ما تعانين منه هو حالة نفسية تعرف بالمخاوف الوسواسية، هنالك صورة مجسمة في تفكيرك حول الجن، وهذا بالطبع يتم تعلمه والاطلاع عليه من خلال بعض الخرافات التي نسمعها في مجتمعاتنا، وشخصيتك يظهر أنها قابلة للتأثر أو ما يسمى بالشخصية الإيحائية، ولذا تجسدت لديك هذه الأفكار الوسواسية، وما ذكرته من تحوطات تقومين باتخاذها خوفًا من الجن، هذا دليل قاطع على ما نسميه بالطقوس الوسواسية أو النمط الوسواسي الذي أصلاً منشأه المخاوف.

أولاً: أنصحك حقيقة بأن تقابلي إحدى الداعيات لتحدثك في أمر الجن، هذه الأفكار التي تأتيك قائمة على الخرافة، قائمة على أمور ليست صحيحة، فلا بد أن تلتقي مع إحدى الداعيات لتحدثك في هذا الموضوع.

ثانيًا: أرجو أن تحقري الفكرة، الوساوس والمخاوف تعالج من خلال التحقير، وقولي لنفسك (لماذا أخذت هذه الفكرة كفكرة صحيحة ومسلم بها؟ هذه فكرة ليست صحيحة، أفكاري في هذا السياق خاطئة، الجن أضعف من الإنسان، وأنا في حرز الله وأنا في حفظ الله، والإنسان قد كرمه الله تعالى، وهذا التكريم يعني أنه أفضل من الجن وأقوى من الجن، وأنفع وأفعل من الجن).

إذن تصحيح المفاهيم ضروري جدّا، وتحقير الفكرة مهم جدًّا.

ثالثًا: لا بد أن تجبري نفسك على التوقف التام من الممارسات الطقوسية التي تقومين بها، فمثلاً: أن تضعي قطعة قماش كبيرة أسفل باب الخلاء، هذا حقيقة فعل يعضد ويقوي ويثبت الفعل الوسواسي. قولي لنفسك (أنا لن أقوم بهذا أبدًا) والجن أصلاً ليست أجسامًا ملموسة أو أجسامًا تتخذ حيزًا، فأعتقد لا يوجد أي نوع من المنطق حقيقة في هذه الممارسة. يجب أن لا تقومي بمثل هذه الأفعال، وسوف تحسين بشيء من القلق، وبشيء من التوتر، لكن بعد ذلك سوف تجدين إن شاء الله أن الأمر قد أصبح عاديًا.

مشاهدة الأفلام المرعبة لا شك أنها ممارسة ليست جيدة، وهذه نعتبرها مثيرات، هذه تسمى بالمثيرات، أي أنها تقوى من الروابط مع المخاوف الوسواسية التي تعانين منها، فتعاملي مع الأمر بصورة عادية، وابتعدي عن هذه المشاهدات، وما تقوم به العائلة - مع احترامي الشديد لهم - ليس منهجًا صائبًا، عليك أن توجهي لهم بعض الخصائص في هذا الخصوص، هنالك أشياء طيبة وجميلة يمكن للناس أن يشاهدوها وينتفعوا بها، لا أن تشاهد مثل هذه الأمور التي لا خير فيها، بل تؤدي إلى الضرر وتؤدي إلى مشاكل تربوية كثيرة جدًّا خاصة لدى الأطفال.

النصيحة الأخيرة وإن شاء الله تكون بشرى لك، وهي أنه توجد أدوية كثيرة ممتازة جدًّا لعلاج المخاوف القلقية. هنالك دواء متميز يعرف تجاريًا باسم (زيروكسات) ويعرف علميًا باسم (باروكستين) ذو فائدة كبيرة جدًّا لعلاج هذه الحالات.

أرجو أن تتحصلي على هذا الدواء، وهو لا يتطلب وصفة طبية، بالطبع أنت تحتاجين أن تناقشي الأمر مع أهلك كنوع من الاستئذان وإخطارهم بما نصحناك به، وإن رأوا أن تقابلي طبيبًا نفسيًا فهذا أيضًا فيه خير كثير وفيه إن شاء الله فائدة كثيرة جدًّا.

الدواء الذي أنصح به هو زيروكسات كما ذكرت لك، تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام) تناوليها يوميًا ليلاً بعد الأكل، وبعد عشرة أيام ترفع الجرعة إلى حبة كاملة، وتستمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبتين، وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة، تناولي حبة في الصباح وحبة في المساء، استمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضيها بعد ذلك إلى حبة واحدة لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

الدواء من الأدوية المضادة للمخاوف، للوساوس وللقلق والتوتر، وهو محسن للمزاج، وليس له آثار جانبية مضرة، ولا يؤثر أبدًا على الهرمونات النسوية، وغير إدماني وغير تعودي، وإذا تناولت الدواء بانتظام بعد مضي أربعة إلى خمسة أسابيع سوف تحسين إن شاء الله بفائدة كبيرة جدًّا، وهذا سوف يشجعلك لتطبيق الإرشادات السلوكية التي ذكرناها لك.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وأنا سعيد أنك حريصة على أذكار النوم، وعليك بالدعاء، وأن تتوقفي تمامًا عن الممارسات الطقوسية التي ذكرتيها؛ لأن هذه تدعم الوساوس كثيرًا وكذلك المخاوف.

بارك الله فيك، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تونس mohamed ali

    أشكرك أيها الطبيب كثيراً على نصائحك وأنا سعيد بما قدمته ل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً