الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من قلق وتوتر وخوف عند مواجهة الناس؛ فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

الحمد لله على كل حال، فقد كان الأمر في البداية بسيطاً ثم تحول للأسف إلى شيء لا يطاق.

الأمر الأول: أعاني من وسواس في داخلي، لا أستطيع نسيانه، وأفكر فيه دائماً وأبدا، أفكر فيه رغماً عني حتى وأنا أكرهه، ولكنني أتذكره دوماً حتى حين لحظة استيقاظي من النوم، أتمنى أن تكونوا فهمتموني؛ بصراحة لا أستطيع البوح به لكنه شيء لا يقال، ولا أستطيع الحديث عنه حتى أو تخيل كتابته، وأنا على هذه الحال منذ سنتين للأسف.

الأمر الثاني: الذي حالياً يسبب لي حالة من الخوف منه هو قلقي المتزايد حينما أشرب القهوة، أو أتناول الأكل، ورجفة يدي، وكذلك حينما أصب القهوة والشاي للضيوف تزداد الرعشة، والمصيبة أنني إذا دعيت لحفلة لا أستطيع الذهاب؛ لأنني أعلم بأنه ستقدم لي القهوة وسأرتجف، ولن أستطيع رفعها إلى فمي، هذا في بداية الأمر؛ والآن تطورت الحالة وأصبحت أرتجف للأسف في أي وقت، وخصوصاً إذا ركزت على يدي بالنظر، وعند رفع الأشياء وعند فتح الباب، أصبح الأمر مزعجاً جداً، حتى عندما لا يكون حولي أحد.

أنا الحمد لله أستطيع التحدث مع الناس بكل جرأة، أو بالأحرى كنت، وحالياً بدأت أتحاشى التحدث مع الناس، وأعيش حالياً في عزلة عن الأهل في غرفتي، ولا أستطيع الأكل معهم، لأني أخاف أن يعلموا بحالتي وضعفي.

حالياً تخرجت من الثانوية العامة ولله الحمد وبعلامات مرتفعة، وقبلت في كلية الطب، ولكنني أخاف من أن أبدأ الدراسة في كلية الطب وخصوصاً إذا كان هناك نشاطات يتم فيها التركيز عليّ، وهنا أود ذكر حادثة حصلت لي في أواخر السنة الدراسية الماضية وهي: أخرجني مدرسي على السبورة لأحل مسألة؛ ولكنني لم أستطع مسك القلم بشكل صحيح، بسبب الرجفة ومشاهدة الزملاء لي، وأحسست بدوخة وفقدت الإحساس بجسمي، وجف فمي ولم تختفِ هذه الأعراض حتى جلست في مقعدي.

طموحاتي كبيرة خصوصاً في مجال الطب، وأخشى أن يشكل هذا الأمر عقبة لي.

صراحة أحس أني فقدت طعم حياتي.

دعواتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ تركي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمن الواضح أنك تعاني من قلق نفسي، وهذا القلق يظهر لديك في شكل وساوس، رأيت من الصعوبة جدًّا البوح بمحتواها، كما أن لديك درجة بسيطة إلى متوسطة من المخاوف الاجتماعية.

قلق المخاوف الوسواسي منتشر جدًّا، وقد ينتج عنه انخفاض في الدافعية لدى الإنسان، لا نقول الكدر أو الاكتئاب الحقيقي، لكن قطعًا هنالك شعور بعدم الارتياح وربما يكون هنالك اهتزاز في الثقة بالنفس، لذا حين يتم علاج الوساوس والقلق والرهاب الاجتماعي تجد أن الأمور قد تحسنت كثيرًا إن شاء الله تعالى في جميع المجالات.

هذه الحالات تعالج عن طريق المكونات العلاجية الثلاثة، وهي (العلاج البيولوجي، والعلاج النفسي، والعلاج الاجتماعي) العلاج البيولوجي أقصد به العلاج الدوائي، وهو مهم جدًّا، لأن دراسات كثيرة جدًّا أشارت أنه يوجد خلل في الناقلات العصبية الموجودة في الدماغ، وهذا هو الذي يؤدي إلى ظهور الوساوس والقلق والمخاوف، والحمد لله تعالى توجد الآن أدوية فاعلة جدًّا.

النطاق العلاجي الثاني هو العلاج السلوكي، وهو يقوم على مبدأ: أولاً أن يكون الإنسان إيجابيًا في تفكيره، أن يحقر السلبيات، وأن ينظر إلى حياته بأنه هو الذي يستطيع أن يغير نفسه، وهذا يتناسب تمامًا مع السياق القرآني: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وهذا يعني أنه لدينا المقدرة والقوة والطاقة المخزونة المختبئة التي يمكننا أن نستفيد منها لنغير من أحوالنا.

ومن أهم العلاجات السلوكية هي المواجهة بالنسبة للمخاوف الاجتماعية، وكذلك تصحيح المفاهيم. أقصد بذلك أن تبني فكرًا إيجابيًا يقوم على مبدأ أنك لا تقل عن الآخرين في أي شيء، بل ربما تكون أحسن من كثير من الناس في أمور كثيرة.

الانعزال عن الأهل هو خطأ، يجب أن تشارك في الأنشطة الأسرية، يجب أن تكون عضوًا فاعلاً في داخل الأسرة، عليك التزامات واضحة في هذا السياق، لا تهمش نفسك، هذا هو الذي أنصحك به.

وهنالك علاجات على النطاق الاجتماعي أهمها تغيير نمط الحياة، التواصل الاجتماعي، الصلاة في المسجد مع الجماعة نوع من التواصل الاجتماعي الفعال، وممارسة الرياضة الجماعية أيضًا فيها خير وفائدة كبيرة جدًّا.

أيها الفاضل الكريم: أنت الحمد لله مُقدم على دراسة الطب، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، ولا تتردد في هذا الأمر، وإن شاء الله تعالى تكون موفقًا وناجحًا وتصبح طبيبًا متميزًا، ليس هنالك ما يدعوك للتردد، ليس هنالك ما يدعوك للمخاوف، جوهر الأمر متوفر لديك وهو مقدراتك الذاتية، هذه موجودة، هذه المهارات لا يستطيع أحد أن يأخذها منك، فقط عليك أن توظفها التوظيف السليم والصحيح.

بالنسبة لطبيعة الوساوس التي لا تستطيع أن تتحدث عنها يعرف أن محتوى الوساوس قد يكون سخيفًا جدًّا، قد تكون ذات طابع ديني، قد تكون ذات طابع جنسي، متعلقة بالأوساخ أو شيء من هذا القبيل، والوساوس دائمًا سخيفة، لذا يجب أن تُحقّر، وبالرغم من إلحاحها وتسلطها على الإنسان إلا أن الإنسان يستطيع أن يدفعها من خلال تحقيرها وتجاهلها، وليس من خلال تبريرها ومحاولة نقاشها وإخضاعها للمنطق، هذا قد لا يكون مفيدًا.

وبالنسبة للوساوس الدينية كثيرة، وحتى في زمن الصحابة قد وجدت، فقد ورد في صحيح مسلم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له أنه يأتينا ما يتعاظم علينا أن نتكلم عنه، وهذه إشارة واضحة للوساوس القهرية الفكرية، وكانت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم واضحة وعظيمة كالعادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: (هذا من صريح الإيمان) وهذا قول طمأنهم كثيرًا.

فيا أخي الكريم: إن كانت الوساوس ذات طابع ديني فهذا إن شاء الله دليل على الخيرية الموجودة فيك، لأن الوساوس تنشأ من البيئة، والوساوس دائمًا تمس أعظم الأشياء عند الناس، وإذا كانت ذات طابع جنسي فهذه تحقر، وإذا كانت ذات طابع آخر أيضًا تواجه بالمواجهة وبالتحقير والتجاهل.

أقول لك أن العلاج الدوائي مطلوب جدًّا في حالتك لإزالة هذه الوساوس والمخاوف والقلق وتحسين المزاج. أفضل علاج دوائي لك هو العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (لسترال) ويعرف تجاريًا أيضًا باسم (زولفت) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين).

الجرعة المطلوبة هي أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبتين في اليوم - أي مائة مليجرام - يمكن تناولها كجرعة واحدة في المساء، أو اجعلها حبة صباحًا وحبة مساءً لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها حبة واحدة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أهم سبل نجاح العلاج الدوائي هو الالتزام التام بالجرعة، هذه من الأسباب الرئيسية التي يجب أن يأخذ بها الإنسان، فالالتزام التام بالجرعة وبالمدة العلاجية هي من الأمور والعوامل المهمة جدًّا لأن تجني ثمار هذا الدواء، وسوف تجد فيه إن شاء الله خيرًا كثيرًا، وفعاليته الحقيقية تلاحظها بعد مضي ثلاثة إلى أربعة أسابيع من بداية العلاج.

ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول علاج الانطوائية والعزلة سلوكيا (265122 - 263794).
والعلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وعافاك الله، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً