الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وعدني بخطبتي ولم يوفي بوعده بعد .. هل أصدقه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

تعرفت على شاب، وفي الحقيقة ليس تعارفا ولكن صدفة؛ حيث أنني كنت زبونة عنده بحكم أنه يملك محلا للمواد الغذائية، فكنت أقضي حاجاتي من عنده دون أن ألاحظ اهتمامه، حتى جاء يوما واعترف لي بذلك، وقال لي: بأن نواياه حسنة، وقريبا جدا سيأتي للخطبة، وبعد أيام وأيام اضطر لتغيير تجارته إلى تجارة أخرى، هنا أعطاني رقم هاتفه وأعطيته رقمي، وكل هذا ظنا مني بأنه قريبا سيأتي للمنزل.

المهم مرت الأيام وأصبحنا نتبادل المسجات، طبعا كنا فقط نسأل عن أحوالنا، وكان يتصل بي أحيانا، ولاحظت أنه لم يوف بوعده، فبدأت أسأله متى سيأتي؟ لأنني لا يمكنني أن أواصل العلاقة هكذا! فأخبرني بأنه سيرتب وضعه، فلم أقل شيئا، فأنا تفهمت، مرت الأيام وهو على نفس المنوال يدعي بأن ظروفه سيئة، ولا يستطيع فعل شيء في كل مرة كنت أفكر في قطع العلاقة وفي كل مرة كان يعيد نفس الاسطوانة، ولما رأى بأنني لم أعد أصدقه اخترع كذبة جديدة .. وهي أنه ينتظر الحصول عى منزل، وهكذا مرت شهور ولم يحصل شيء فبدأ سلوكه يتغير، وبدأ يبتعد ولم يعد يتصل أو يسأل كما في السابق، وقد صدمني سلوكه وأنا لم أفهم! أريد أن تنصحوني ماذا أفعل؟ لقد قطعت علاقتي به لكن أريد أن أفهم لماذا فعل هذا؟! لماذا هؤلاء الناس لا يخافون من الله وعقابه؟ هل تظنون أنه كان يكذب؟

للعلم هو يدعي أنه إنسان متدين ويخاف الله، أقول يدعي؛ لأن المتدين الذي حقا يخاف الله لا يفعل هذا.

أرجوكم دلوني، وما حكم الدين في إخلافه بالوعد وما رأيكم في كل هذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ selma .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه .. وبعد:

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك بين آباءٍ وإخوان يحرصون على مصلحة الفتيان والفتيات، ونسأل الله أن يلهمها السداد والرشاد، وأن يقدر لها الخير حيث كان ثم يرضيها به. نسأله تبارك وتعالى أن يعوضها خيرًا مما فقدت.

ونعتقد أن هذا الرجل الذي كان يعاملها بهذه الطريقة ليس جديرًا بأن ترتبط به، ولا ندعوها بالاستمرار في مثل هذه العلاقة، وليس من حقها، بل ليس من كمال العقل أن تحزن على مثل هذا الرجل، الذي كان سرابا في سراب، وكان يحاول أن يضيع الوقت، مهما كانت المبررات، ومهما كانت الأسباب، فإن مسألة الخديعة والكذب كانت واضحة في هذا الرجل الذي يتلوّن ويغيّر كلامه بين الفينة والأخرى.

وأرجو أن يكون في هذا درس لابنتنا الفاضلة ولغيرها من بناتنا الكريمات، من ضرورة ألا تتمادى مع الرجل وتقدم له تنازلات وتتكلم معه وتتواصل معه؛ لأن بعض الرجال إذا وجدوا هذا الأمر فإنهم يريدون أن يستمروا عليه، دون أن يبالي بمصلحة الفتاة ولا بعواطفها، ولا بالفرص التي تضيع عليها.

لذلك ينبغي أن ينتبهن البنيات من مثل هذه الممارسات، والعاقلة إذا لاحظت أن شابًا يميل إليها أو يود خطبتها فإنها تقطع التواصل معه، وتدعوه إلى أن يزور أهلها، إلى أن يكلم محارمها، وهذا يعتبر اختبارًا هامًا جدًّا، واختبارًا حقيقيًا لصدق الرجل، فالصادق لا يبالي، سيأتي لأهلها ويأتي بأهله ويتكلم، هذا دليل على صدقه وصدق رغبته في الارتباط، أما الذي يعتذر ويهرب، ويريد أن يضيع وقتا، ويريد أن يتواصل بالكلام وبالرسائل، فإن الوقوف مع أمثال هؤلاء مضيعة للوقت، بالإضافة إلى أن ذلك مخالفة شرعية، فهو لا يزال أجنبيًا، فبأي حق تتوسعوا في مثل هذا الكلام وتتفقوا على مثل هذه الأمور.

لذلك ينبغي أن يكون في الذي حصل درس عظيم لك ولسواك، وأرجو أن تفتحي صفحة جديدة تكون عامرة بالخير والطاعات، وعندما تجدي فرصة عليك أن تُقبلي على كتاب الله تبارك وتعالى، واحشري نفسك في مجتمع الصالحات، فإنه ما من صالحة منهنَّ إلا ولها ولد يبحث عن أمثالك أو محرم من محارمها يبحث عن الطيبات من أمثالك. وإذا وضعت المرأة نفسها وسط الصالحات فإنها تسعد نفسها وتُشبع عواطفها، وستجد عند ذلك من تخطبها كما قلنا لولدها أو لأخيها أو نحو ذلك.

كم تمنينا أن يكون مثل هذا الشاب واضحًا منذ البداية حتى لا يضيع عليك الوقت ولا يضيع الوقت على نفسه، فإن المجاملة في مثل هذه الأمور لا تصلح، لأن مشوار الحياة طويل، ولابد للحياة الزوجية من أن تؤسس على هدىً من الله ورضوان، أن تتأسس على تقوى من الله ورضوان، أن لا تكون على شفا جرف هار فينهار بها في هاوية الضياع.

لذلك أرجو ألا تندمي على ما حصل، وقد استفدت من هذه التجربة، لكن إذا جاءك من يطرق الباب فاطلبي منه أولاً أن يقابل أهلك الأحباب، إذا أراد أن يميل إليك أو يتكلم معك أو يدير معك بعض الأسئلة فاعتذري إليه بلطف، واعلمي أن هذا التصرف يرفع من قيمة الفتاة عند خاطبها ويرفع من قيمة الفتاة عند أهلها، ويرفع من منزلتها عند الله تبارك وتعالى لأنها قدمت طاعة الله على ما في هوى النفس، ولم يحملها تأخر الزواج على اتخاذ أساليب غير صحيحة للفت الأنظار.

لذلك ينبغي أن تنتبه البنيات لمثل هذه التوجيهات، وأرجو كذلك لكل فتاة أن تتوقف علاقتها بالفتى حتى تكون علاقة أولاً هدفها الزواج، فلا نؤسس علاقة ونحن نشك هل يمكن أن نكمل أو لا نكمل، ثانيًا: لابد أن تكون هذه العلاقة عندما يستعد الإنسان، أما أن يضيع وقت ويظل سنوات يخطب الفتاة يتكلم معها وتتكلم معه فإن هذا خصم على مستقبله العلمي وخصم على مستقبلها العلمي، وهذا سبيل إلى التعاسة في الحياة، لأن التوسع في الحياة العاطفية قبل الدخول للحياة الزوجية يعتبر من الأمور التي تشوش عليهم بعد الزواج، فإن الشيطان الذي يُبيح لهما الآن أن يتكلموا بالرسائل ويتصلوا ببعضهم، هو هو الشيطان الذي سيأتي غدًا ليقول للرجل: (كيف تثق فيها؟) ويقول للفتاة: (كيف تثقين فيه؟) ولذلك ينبغي أن نعلم أنفسنا أركان هذا الدين، ونجتهد في أن نتفقه في ديننا، ثم بعد ذلك نطرق أبواب الرزق، ونسعى في الأرض كما أمر الله تبارك وتعالى.

إذًا فنحن ندعوك إلى أن تتوقفي فعلاً، وإذا تواصل معك فاطلبي منه أن يتقدم لأهلك فورًا، وإلا فليس لك علاقة به، فهو لا يزال أجنبيًا، وهذا الإنسان يريد أن يراوغ ويضع الوقت، فلا تنتظري السراب، ونقول دائمًا إذا جاءك صاحب الدين والخلق ووجدت في نفسك ميلاً فلا مانع من أن تتركي هذا الذي لا يوفي بوعوده، هذا الذي يخترع الكذب ويترك أهله هكذا دون أن يترك لهم طعام أو شراب، فما أحوجنا إلى أن ينتبه الشباب لخطورة ما يحدث منهم.

وكذلك أن تنتبه الفتيات إلى مسألة التأكد من رغبة الشاب، وذلك طبعًا يكون عن طريق المطالبة بإخبار الأهل والتواصل مع محارم الفتاة، وليس كما تفعل الجاهلات بأن تقدم تنازلات من أجل أن تفوز بزوج، وهذه ستفوز بذئب يأخذ أغلى ما عندها ثم يرمي بها، فإن أفسق الناس لا يرضى أن يأخذ فتاة كلمها بالهاتف أو كلمته.

ولذلك أرجو أن تنتبهي لخطورة ما يحصل، وأرجو أن تتوجهي إلى الله تبارك وتعالى، إن كان فيه خير أن يرده إليك، وإن كان غير ذلك أن يصرفه عنك، واشغلي نفسك بطاعة الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً