الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتوب ونفسي تغالبني للعودة إلى المعصية، فهل سيعاقبني الله؟

السؤال

السلام عليكم،

أنا فتاة أبلغ من العمر 16 عامًا، عندما كنت في عمر 12، كنت بالغة شرعًا، وبسبب الفراغ وجهلي، ونفسي المراهقة الأمّارة بالسوء، بدأت أتحدث مع الأولاد! ارتبطت بشاب يكبرني بخمس سنوات، أي كان عمره آنذاك 17 سنة، أحببته كثيرًا وأحبني أيضًا، وكنا نتحدث يوميًا، للأسف كان هناك الكثير من التجاوزات في الكلام، مثل الكلام الفاحش والبذيء الذي لم أفهمه آنذاك، لكنني الآن أعي مدى خطورته وسوئه.

نحن من دولتين بعيدتين عن بعضنا بآلاف الكيلومترات، لكنه كان يعدني بأنه سيأتي لخطبتي بمجرد بلوغي الثامنة عشرة، وكنت متشوقة لذلك، وبعد سنة من ارتباطنا، اكتشف أهلي الموضوع وقطعوا عني الاتصال به، كنت أرفض فكرتهم ولم أرَ أي مانع في الحديث معه، فكنت أكذب عليهم وأقول إنني لا أتحدث معه، لكنني كنت أعود لذلك مرات عدة.

في النهاية، دعت عليّ أمي بأنها لن تسامحني إذا عدت لهذا الأمر، فتوقفت، عندما عدت لأحذف الرسائل، كنت أفكر أن الموضوع حرام، وكنت أدعو لمن أحب بالهداية وأدعو لنفسي أيضًا، لا أدري إن كانت هذه توبة أم لا.

وجدت أنه كان قد أخبرني بأنه ندم وتاب، وأن علاقتنا حرام، ونصحني بألا أكلم الأولاد لأن نيتهم سيئة، قمت بحذف كل حساباتي وقطعت التواصل معه بكل الطرق، أصبحت مكتئبة وأفكر فيه دائمًا، استمر هذا الوضع بين تقلبات مع نفسي.

لا أشعر بالندم، وهذا شرط من شروط التوبة، رغم أنني أعي أن الأمر حرام وأنه إثم كبير، أخشى ألا يغفر لي ربي لعدم توبتي. في نفس الوقت، أريد أن أكون مع هذا الشخص ولم أستطع نسيانه، حاولت أن أشغل نفسي بأشياء أخرى، لكنني لم أستطع.

أريد أن نتزوج، لكنني خائفة أنه إذا تزوجنا بطريقة ما -بتدبير من الله-، سيكون زواجنا غير جائز لعدم توبتي من هذا الذنب، فهو قد تاب، لكنني لم أتُب!

مع أنني لا أتحدث مع الأولاد إلا للضرورة، إلا أن نفسي تغلبني أحيانًا، على سبيل المثال، سألت ذات يوم أحدهم عن أمور الدراسة، لكنه بدأ يتحدث عن الصحبة والحسد، ثم سألني عن مدينتي، فأجبته، لا أدري لماذا أجبته، لكنه كان يحاول الارتباط بي، فقمت بحظره سريعًا.

لهذا السبب، أشعر أنني لم أتُب لعدم شعوري بالندم، أنا في صراع مع نفسي، ما الحل؟ وإذا تزوجنا، هل سيكون زواجنا حرامًا؟ أي لا يُعتبر زواجًا بل زنا، والعياذ بالله، لعدم توبتي؟ أم يجب أن أنساه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آمنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لك تواصلك بالموقع، وكما نشكر لك امتثالك لأمر والديك بقطع التواصل مع هذا الشاب، وهذا عينُ الصواب، وقد وفقك الله تعالى لاتخاذ القرار الصحيح، فاشكري نعمة الله تعالى عليك، فإن الهداية والتوبة أمرٌ غالي الثمن، يَمُنُّ الله تعالى به على مَن يشاء من عباده، فاشكري نعمة الله تعالى عليك.

واعلمي أن ما حرَّمه الله تعالى من أشكال التواصل بين المرأة والرجل الأجنبي عنها؛ إنما حرّمه الله لحفظ هذه المرأة، ولتحقيق مصالحها، وتجاوز هذه الآداب والإخلال بهذه الأحكام عاقبتُه الندم والحسرة، وهذه العلاقات بين الشباب والفتيات في غالب الأحيان تكون المرأة هي الجانب الخاسر، فيتركها الرجل في بحور من الندامات والحسرات، لكن بعد فوات الأوان.

فكوني على ثقةٍ تامَّة من أن الله سبحانه وتعالى لا يُحرّم عليك شيئًا؛ إلَّا لأنه يريدُ لك الخير، ويريد تجنيبك ما يضرّك، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {‌وَاللَّهُ ‌يُرِيدُ ‌أَنْ ‌يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}، وليس هناك فتنة أضرَّ على الإنسان أضر من فتنة الجنس بالجنس الآخر، فتنة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والشيطان حريص كل الحرص على استغلال هذه الرغبات الفطرية النفسية في هذا الإنسان.

وما نعلمه ونتيقّنه -أيتها البنت العزيزة- أن الرجال الذين يحاولون الظهور بمظهر التديُّن والاستقامة بقصد كسب قلوب الفتيات الطيبات الساذجات، ما نعلمه أن هؤلاء يتصفون بغاية المكر والخداع، ويحاولون الظهور بالمظهر الذي تأمنه فيه الفتاة وتركن إليه، وربما يظهر لها بمظهر الناصح الأمين، ويدعوها إلى التوبة والاستغفار، وربما يتظاهر بأنه يريد قطع العلاقات، وأن هذا حرام، وهو من خلال هذا كلِّه يريدُ مزيد تعلُّق الفتاة به، وثقتها فيه، وركونها إليه، ليجرُّها إلى ما هو أفحش من المرحلة التي سبقت، حتى يقضي حاجته وأَرَبَه ثم يدعها بعد ذلك في بحار حسراتها ونداماتها.

فاحذري كل الحذر من أن تكوني فريسة سهلة، واعتصمي بالله، وتمسّكي بهديه وأحكامه، في ذلك النجاة، نسأل الله تعالى أن يجنّبك كل مكروه.

وأمَّا التوبة فمن أجزائها الندم على الذنب، والذي يصنع هذا الندم في القلب هو إيقان الإنسان واعتقاده الجازم بأن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد، وأنه يغار من عبده إذا أذنب، وأن هذه الجرائم وهذه الذنوب لها ربٌّ يُحاسبُ بها، وأن الإنسان قد عرَّض نفسه لعقاب الله تعالى، فيقينه واعتقاده الجازم بهذه القضايا يُوجِدُ في قلبه الحسرة والندامة على فعله للمعصية، وهذا هو الجزء الأول من أجزاء التوبة.

وعلى كل حال: فإن تركك للذنب وابتعادك عنه هو الأمر المطلوب أولًا، فاحذري أن يستدرجك الشيطان إلى الوقوع في الذنب بحجة أنك لم تتوبي.

أمَّا ما تتكلمين عنه من الزواج؛ فالزواج عقدٌ شرعيٌّ له أركان وشروط، إذا تحققت هذه الأركان والشروط صحَّ الزواج، ومن ذلك الولي، فلا يصح عند جمهور أُمّة المسلمين من العلماء في المذاهب أن تُزوّج المرأة نفسها، ومن أركان العقد أيضًا الشهود؛ فلا بد أن يشهد الشهود على هذا العقد، إذا تمّ العقد الشرعي بشروطه وأركانه فهو زواج صحيح، وإلَّا فلا.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً