الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقسمت ومن أحبها أن لا نكون زوجين لغيرنا؛ فهل في ذلك اعتراض على قدر الله؟

السؤال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

أريد استشارتكم ومساعدتكم في موضوع حصل معي، وقبل أن أسألكم سأروي لكم القصة.
في صيف سنة 2008 تعرفت على ابنة خالتي، أنا وهي من نفس المدينة، وهي تسكن في إحدى الدول الغربية، ثم شرعت في التقرب منها والتعرف عليها، وهي قابلت رغبتي بنفس الحماس الذي ظهر مني، فوجدت فيها ما أبحث عنه من المميزات، وأعجبت بها، وأحببتها في الله؛ لأنها فتاة ملتزمة، وذات خلق، ومن أصل طيب، وبعد أن أصبح كل منا لا يحمل أي سوء ظن للآخر في أخلاقه تعاهدنا على الزواج. فتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم:أن تكون ذات دين, لقوِله: ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري.

فتوكلت على الله لقوله تعالى{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وتقدمت لخطبتها، وبينما كانت أمي تتكلم مع والدها في الموضوع أخبرها بأن ابنه أيضا يريد أن يطلب يد أختي منها للزواج فتمت الموافقة، ولكن بعد مرور وقت قصير حصل سوء تفاهم بين أسرتينا، ولم تتم هذه الخطوبة، وكان من بين الأسباب التي أدت إلى عدم تتمة هذه الخطوبة مرضي الذي أثار جدلا لدى أهلها، فقد كنت شفيت حديثا من مرض يدعى الهوجكنز السرطاني الذي كنت قد أخبرتها كل شيء عنه قبل أن أتقدم لخطبتها، فكان جوابها حينها هو: لا يهمني مرضك بالمرة، ولكن كل ما يهمني أن أكون زوجة لك.

وبعد مرور سنتين تزوجت أختي بشاب آخر، وتزوج شقيقها أيضا، ونحن بقينا على حالنا، وفي الشهر الماضي التقينا في الفيس بوك لأول مرة بعد مرور أربع سنوات، فتحدثنا مطولا، وفي النهاية سألتها إن كانت لم تتزوج بعد، فصدمت لجوابها، ويا ليتني لم أسألها هذا السؤال قالت لي: يا شيخ أقسم بالذي أحبك فيه أنني لن أرتدي الأبيض سوى لك، أو لقبري، وقالت لي سأبقى دون زواج حتى ألقى الله، ويزوجني بك في الجنة لقوله صل الله عليه وسلم: ( ما في الجنة أعزب ) – أخرجه مسلم، وقول الشيخ ابن عثيمين: إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها من تقر به عينها في الجنة.

فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور، وإنما هو للذكور، والإناث ومن جملة النعيم: الزواج، فعندما سمعت قولها هذا الذي ارتسخ في ذهني، ولا أظنه سيمحى أبدا! عاهدت الله ونفسي! وهي أيضا على أن لا أكون لغيرها زوجا ثم اتفقنا، وأقسمنا أنه إن لم نكن لبعضنا في هذه الدنيا سنبقى دون زواج حتى يجمعنا الله في جنته -إن شاء الله-.

وبعد مرور وقت قصير، وبينما نحن نتحدث قالت لي أنها ليست مرتاحة بالكلام معي، ووالدها لا يعلم بالأمر، ولأنني شاب ملتزم لا أرضى لمن أحبها أن تذنب بسببي أو أن تفعل شيئا تخفيه، وتخجل منه، ولا أريد لضميرها تأنيبا، ولا لقلبها تعذيبا، ولكن أريدها إن نظرت إلى أبيها استحقت ثقته، وإذا تحدثت إلى أخيها لم تكذب، فقلت لها أخبريه بالموضوع فقالت لي لن يوافق إلا بعد أن تتخرج، وتحصل على عمل كي تستطيع إدخالي إلى بلدها؛ لأنها الآن لا زالت في دورة تدريبية في مجال التمريض لمدة سنتين، أي أنها ستحصل على العمل سنة 2014 وحينها ستفاتحه بالموضوع.

ولأنني أحبها بجنون، وأريد أن أتزوجها على سنة الله ورسوله قلت لها تعالي للعيش معي في بلدي لدي عمل رسمي، ولن نضطر لانتظار سنتين، وقبل أن أعرف جوابها سمعت قوله تعالى " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" قررنا أن نترك هذا الحب لله، وأن نتوب إليه؛ لأننا ارتكبنا فاحشة، وحين غفلتنا كان الشيطان يتلصص بنا وينتظر تلك الغفلة ليفسد علينا قلبينا، لكن الله حال دون مبتغاه ومهد لنا طريق الاستغفار والتوبة فأقلعنا عما فعلنا لقوله عليه الصلاة والسلام "خير الخطائين التوابون.

وفي النهاية أقول لكم نحن نريد أن نضرب عصفورين بحجر واحد، أي أن نكون لبعضنا البعض، وأن نصلح بين أسرتينا.

أسئلتي كالتالي:

1-هل اقترفنا جرما عندما أقسمنا أن لا نتزوج في هذه الدنيا إذا لم نكن لبعضنا البعض؟ وهل بقسمنا هذا نكون غير راضين بحكم الله -والعياذ بالله-؟ علما أننا لم نقسم إلا بعد سماعنا لقصة أم الدرداء رضي الله عنها التي خطبت زوجها من الله.

2-هل أرسل لها رسالة لكي أعلم جوابها على السؤال الذي لم تجبني عليه أي أن تعيش معي في بلدي؟

3-هل يمكنني أن أرسل لها إجابتكم على هذا الموضوع؟ لأننا الآن لا نتحدث إلى بعضنا نهائيا.

4-هل أقول لها أن تخبر والدها بأنني أريد خطبتها من جديد؟ أريد نصيحتكم وما يتوجب علي فعله؟

5-عندما أصلي أدعو الله أن تكون زوجة لي على طاعة الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هل أنا على صواب أم لا؟

اعذروني إن كنت قد أطلت عليكم الموضوع، وأسال الله أن أكون قد أوضحت لكم ما أريد أن تفيدوني به، وأنا مستعد لإعطائكم المزيد من التفاصيل إن أردتم.

جزاكم الله عنا خير الجزاء في الدنيا والآخرة إني أحبكم في الله أدعوا معي فأنا بحاجة لدعائكم.

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية نشكرك لك ابننا الكريم هذا الحرص على الخير، ونسأل الله أن يستخدمك فيما يُرضيه، وأن يحقق لكما ما تريدانه في طاعة الله تبارك وتعالى، وأن يجمع بينكما على خير، ويسعدنا أن نجيب عن مثل هذه الأسئلة، وأن نكون في خدمة شبابنا وفتياتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بكم البلاد والعباد.

حقيقة أعجبني وأسعدني هذا الحرص على الخير، وهذا الالتزام منك ومنها، وسرعة الرجوع والأوبة إلى الله تبارك وتعالى، وأحزنني ما حصل من الأهل من إدخال المشاكل في بعضها، وتفويت الفرص على هذه الزيجة، وأحزنني كذلك أن يفهموا هذه الحياة بهذه الطريقة، فإن الإنسان يقف مع أقربائه – وهذه ميزة زواج الأقارب – أنهم يحتملون في الإنسان المرض، والفقر وما يمر به باعتبار أن الحالة واحدة، وباعتبار أن الولد والبنت كلاهما من أسرة واحدة.

ولذلك نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمع بينكما في الخير، وأرجو أن تحرصا في هذا الوقت على الإصلاح بين الأسرتين، لأن هذا هو الأمر المهم، وبعدها ستأتي بقية الأمور تباعًا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل لكما الأمور، وأن يجمع بينكما على الخير.

لا ننصحك ولا ننصح الفتاة بأن تدخلا في الموضوع بطريقة مباشرة، ولكن نتمنى أن تجدا من الصالحين والصالحات من يعينكما على الوصول إلى الحل المناسب، وإذا كان للأهل دعاة وعلماء يستمعون إليهم فمن المصلحة ومن الحكمة أن يكون لهم دور في هذا الأمر، وإذا كنتما قد انتظرتما طويلاً فلا مانع من أن تنتظر حتى تكمل دراستها، فكثير من الناس يهتم بهذه المسألة بكل أسف – مسألة الدراسة – ويظن أنها تعيق طلب العلم، ولكن لا تعارض.

وعندنا نماذج كثيرة ممن تزوجوا وأفلحوا في حياتهم، وأفلحوا في دراستهم، بل إن الزواج يعطي الإنسان أهدافًا جديدة، ويعطي الإنسان روحًا جديدة، ويجد من يعينه على النجاح بعد توفيق ربنا الفتاح سبحانه وتعالى.

وأما ما حصل بينكما من حلف وقسم بأن تكونا لبعضكما إن تكون لك زوجة في الدنيا تكون لك زوجة في الجنة، هذه معاني حقيقة لا حرج فيها، ولكنها ليست الأفضل، الأفضل أن تتزوج وأن تتزوج هي، ونسأل الله أن يسهل أمرك وأمرها، وأن يجمع بينكما على الخير، وأفضل من هذا أن تكررا المحاولات، أن تصلحا بين الأسرتين، وأن تتقدم لها في الوقت المناسب، وتجتهد في أن تجد من العقلاء من أخوالك وأعمامك وأعمامها وأخوالها من يستطيع أن يعينكما على بلوغ الحلال وعلى الزواج.

فإنه إذا كان للإنسان ميل إلى فتاة ومالت إليه، فليس للآباء ولا للأمهات حق في أن يتدخلوا ويمنعوا هذه الزيجة، والظاهر في ذلك حديث الأنصارية التي قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي زوّجني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته وأنا كارهة، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم – نكاحها، وجعل أمرها إليها. وفي ختام الحديث قالت: (أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء في الأمر من شيء) فليس للآباء، وليس للأمهات، وليس للأولياء حق التدخل في القبول أو الرفض إلا إذا كان هناك اعتبارات شرعية، كأن يكون لهم رأي في دين الشاب، أما إذا كان الفتى متدينا والفتاة متدينة ورضيت به ورضي بها وارتاحت إليه وارتاح إليها فلا يجوز أن نقف أمام تحقيق رغبتهما في الزواج، فلم يُرَ للمتحابين مثل النكاح، وقد قال الله تعالى: {فلا تعضلوهنَّ أن ينكحن أزواجهنَّ إذا تراضوا بينهم بالمعروف}.

وإذا كان الشاب قد تزوج وترك أختك، فإن هذا لا يضير، بل لعل في هذا مصلحة، لأن بعض الزيجات التي يكون فيها مثل هذه التصرفات وبهذه الطريقة تكون عرضة للمشاكل، فإذا حصل إشكال هنا مضى الإشكال على الجميع، وطم الشر وعم بكل أسف.

ولا مانع من أن تعرض عليها ما كتبنا لك، ونفضل أيضًا أن تتوقفا عن التواصل خاصة إذا كان أهلها لا يرضون بهذا، فينبغي أن يكون كل شيء بعلمهم، وكل شيء مرتبا، وأنت الآن ولله الحمد لها وهي لك، وسيأتي الوقت المناسب الذي تصلا فيه إلى قناعات إيجابية، ولا مانع من أن تعملا الآن للإصلاح فقط بين العائلتين دون أن تشيرا إلى مسألة الزواج أو مسألة الارتباط.

وأعجبني أيضًا حرص الفتاة ألا تفعل شيئًا، ولا تتكلم خلف والديها، والكلام أيضًا في هذه المرحلة خاصة التوسع فيه قد لا يخلو من مخالفة شرعية، لأنه لا توجد خطبة، ولا توجد علاقة مُعلنة، فخير لكما أن تكونا هكذا بهذه الطريقة، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

والحمد لله هذا الذي توصلت إليه طيب، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك ولها الخير، وأحسب أن المطلوب الآن هو الإصلاح بين العائلتين، وإذا تم الصلح وعاد الوفاق وعادت الأمور إلى مجاريها عندها ستحل تلقائيًا بقية المشاكل بين الأسرتين، وأنت كرجل صاحب الدور الأكبر لأنك تستطيع أن تقنع أهلك، والوالدة، وتبادر أنت، فإن الفتاة يصعب عليها المبادرة، ولكن الشاب هو الذي يطرق الباب ويكرر المحاولات حتى يقبلوا به وحتى يتيسر له أمر الزواج.

نسأل الله أن يجمع بينكما على الخير، وأن يلهمكما السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً