الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتواصل من أرحامي الذين فرقت بيني وبينهم المشاكل؟

السؤال

لا أزور أرحامي البتة!

أنا فتاة في بداية العشرينيات من عمري، لم أزر أرحامي في حياتي, وأريد أن أعرف من هم الأرحام, فلا يوجد لي أعمام، أبي وحيد, لكن أمي لديها عائلة واسعة المدى يصلوا قرابة 100 شخص أو أكثر.

لم أشعر في حياتي بضرورة زيارة أرحامي, قد يكون بسبب مشاكل عائلية سابقة قد أجهل تفاصيلها, ولكن ما أعرفه أن أمي عانت بما يكفي من أهلها بسبب ما يسمى تعدد الزوجات, فقد تزوج والدها أكثر من امرأة مما سبب عداوة بينهن أدت لوفاة أم والدتي (جدتي).

قد تكون أمي هي السبب في ذلك, لم تغرس في منذ صغري ضرورة زيارة أرحامي، حتى أكاد لا أعرفهم, ولا أحس بأي رابط عائلي أو عاطفي تجاههم، وأكاد لا أحزن لو أصابهم مكروه فهم أبعد من أن أتأثر لهم!!

مؤخرا كنت أستمع لأحد الشيوخ محاضرة عن الأرحام فتأثرت بها كثيرا، وأدركت كبر المسألة التي وقعت فيها, لا أعرف ما الحل, فأنا لا أستطيع أن أحل مشاكل قد تراكمت عليها السنين, فهل يكفي أن أصل إخوتي وأخواتي, وأكون على تواصل معهم, وبإذن الله لو رزقت في المستقبل أبناء سأكون أنا من يدفهعم لزيارة أرحامهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحاب القلوب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وهنيئًا لمن تستمع للمحاضرات وللتوجيه الشرعي وتتأثر به، فأنت ولله الحمد على خير، ونتمنى أن تكوني إيجابية، وتبدئي الآن بالتواصل مع إخوانك، ثم بالتواصل مع أخوالك وخالاتك، ولو بالهاتف، ولو على سبيل التعرف.

واعلمي أنه ليس في هذا الأمر حرج، بل الحرج في خلافه، والإنسان عليه أن يبدأ، وستفاجئين بإقبالهم واهتمامهم بك، خاصة الأخوال - لأنهم محارم – والخالات، أما أبناء الأخوال والخالات من الذكور فهؤلاء ليسوا محارم، لكن الأخوال وبناتهم وبنات الخالات وبنات الأعمام والعمات، كل جمهور النساء من محارمك الذين ينبغي أن تحرصي على التواصل معهم والسؤال عنهنَّ، واعلمي أنهم سيسرون جدًّا ولو جاءهم اتصال هاتفي فقط، وأنت ستسعدين بهذه العلاقة، والله يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم}، والحرج مرفوع في مثل هذه الأمور، وبعض الناس يحتفلون عندما يجدوا أرحامهم بعد سنوات – بعد خمسين ستين سنة – يجدوا أرحامهم، لأنهم فرقتهم الحروب أو فرقهم السفر أو لم يعرفوا بعضهم، عند ذلك يبدأ الإنسان التواصل بهم، والإنسان أول من يسعد بصلة أرحامه، فالأرحام كل ما يربطنا بهم صلة رحم، وهم ينالون الصلة والاهتمام بمقدار قربهم، يعني إخوان وأخوات الأم الآن هم أرفع الأرحام بالنسبة لك أنت لكون الأب ليس له إخوان وليس له أخوات.

فإذن أنت ينبغي أن تسعي أولاً في التعرف عليهم، وتواصلي معهم ولو بالاتصال الهاتفي، يعني يمكن أن تتحصلي على أرقامهم من الدليل, أو بأي طريقة, أو من خلال جيرانهم, أو من خلال حتى الوالدة تسأليها، وشجعي الوالدة أيضًا على أن تتواصل معهم، وتنسى جراحات السنين، فإن صلة الأرحام عبادة لا يمكن أن تستمر إلا بنسيان المرارات والجراحات، والأنبياء هم القدوة في هذا، لا يوجد إنسان آذاه أرحامه كما فعل إخوة يوسف بيوسف، ولكن مع ذلك لما تمكن ولما وجدهم عفا عنهم، قال: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين} ولا تثريب ولا لوم ولا عتاب، لم يلومهم على فعلتهم وعلى جُرمهم فيه، وبعد ذلك أيضًا كان يقول: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} نسب هذا الشر إلى الشيطان.

فالشيطان هو الذي يقطع الأرحام، هو الذي يضخم الأمور الصغيرة من أجل أن تحصل القطيعة، والمؤمنة تعامل الشيطان بنقيض قصده، لأنها تدرك أن الله تعالى يريد منا الصلة والشيطان يريد منا القطيعة، ونحن أُمرنا بأن نطيع الله تبارك وتعالى ونعصي الشيطان، وقد رغب الله تعالى في صلة الأرحام فقال: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} وقال في الذين يقطعون الأرحام: {والذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقال: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ما جزاؤهم؟ {أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم}.

فإذن عليك أن تتواصلي، واعلمي أن الإنسان حتى ولو اتصل بالهاتف فهو واصل لرحمه، والشيخ ابن باز - رحمة الله تعالى عليه – من طريف وجميل ما يُحكى عنه أنه كان له يوم في الشهر يجلس – محددًا ساعات معينة – يتصل على كبيرات السن، الخالات، العمات، الأرحام، يتصل عليهم بالهاتف، والشيخ ضرير، والشيخ كان مشغولا، لكن شهريًا كان له وقت يتصل على هؤلاء يسأل عن أحوالهم، والذين يستطيع أن يزورهم كان يقوم بزيارتهم، لكن ما كل الأرحام يستطيع الإنسان أن يزورهم، لذلك يكتفي بالاتصال على بعضهم، وبزيارة بعضهم، وبتهنئة بعضهم، ومساعدة بعضهم، وبالنصح لبعضهم، هذا كله داخل في الصلة، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها).

فنحن نتمنى أن تفتحي هذا الباب من الخير، وأن تبدئي في محاولة التواصل معهم، وستجدي فيهم من يحمل نفس المشاعر، بل سيسعدن جدًّا بك، وسيكون هذا أيضًا بابًا للتواصل في المستقبل، فأنت لن تكوني مقطوعة من شجرة، - إن شاء الله تعالى – مستقبلا ستتزوجين وتتعرفين على هؤلاء، وقد يكون زوجك من الأرحام، من أمثال هؤلاء الأرحام، لتعيدوا مرة ثانية بناء العلاقات على أسس شرعية، وعلى أمور تُرضي الله تبارك وتعالى.

فإذن أنت أول من ينتفع بهذه الصلة، لأن صلة الأرحام أولا فيها رضى الله تبارك وتعالى، فيها بركة وطول للعمر، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – فيها مغفرة للذنوب، فيها تأييد من الله تبارك وتعالى، هذا كله تدل عليه الأحاديث لا نستطيع أن نسردها، لكن هناك أحاديث تدل على أن صلة الأرحام سبب لمغفرة الذنوب، وأنها سبب لمعونة الله، وسعة في الرزق، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) وأنها سبب لمغفرة الذنوب كما قلنا، كما قال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أذنبتُ ذنبًا. فقال له - صلى الله عليه وسلم -: (هل عندك من أم) قال: لا. قال: (فهل عندك من خالة؟) قال: نعم. قال: (فبرّها). أخذ العلماء من هذا أن صلة الرحم من العبادات التي تغفر الذنوب للإنسان.

وأيضًا النبي - عليه الصلاة والسلام – يقول: (من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه).

فإذن عليك أن تبدئي من الآن، ولا عتب عليك فيما مضى، فأنت سمعت، وهنيئًا لك بهذا السماع الذي تأثرت به، ونسأل الله أن يوفقك ويسددك إلى الخير، وأرجو أن تتواصلي, ونتمنى أن نسمع عنك الخير، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً