الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي فقير جدا ويجمع الصلوات... فهل أستمر معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا فتاة متزوجة، لكن لم يتم الدخول بعد، وكلما اقتربت هذه الفترة أتوتر كثيرا لا لشيء سوى لأن زوجي إنسان فقير جدا، فراتبه لا يكاد يسدد له حتى أدنى متطلبات العيش البسيط فراتبه أدنى من درجة الفقر، وأنا أخاف ألا يستطيع توفير أبسط الأشياء لأولاده فيما بعد، وكثيرا ما أجد الضغط من أقاربي في العدول عن هذا العقد قبل الدخول.

زوجي إنسان متفاهم وطيب، لكن من الناحية الدينية ليس بالملتزم كثيرا، فهو مثلا يصلي، لكن يجمع الصلوات، مثلا في لحضات الغضب قد يتلفظ بألفاظ منافية للأخلاق والدين.

ما رأيكم في مصيري؟ هل أعدل عنه؟ هل أصبر؟ وأطلب من الله تعالى الهداية له، والرزق، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الجزائر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوسع رزق هذا الزوج، وأن يرزقه الهداية، هو ولي ذلك والقادر عليه.

لا شك أننا نخاف من التقصير في أمر الصلاة، ولا نخاف على الرزق، لأن الله تكفل به، والعلاقة وثيقة بين المواظبة على الصلاة، وبين الرزق، فإن الله تعالى قال: {وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقًا} أخذ العلماء من هذا أن الصلاة من مفاتيح الرزق، والله تكفّل بالأرزاق، والفقر ليس عيبًا، لكن التقصير في الصلاة هو العيب، لكن ترك الصلاة هو الأمر الخطير الذي لا يُطاق، ونتمنى أن يحرص هذا الرجل على المواظبة على الصلاة، وفي ذلك مفتاح للأرزاق، وفي ذلك بداية السير في الطريق الصحيح، وهذا الذي ينبغي أن تركزي عليه.

فإذا وجدت منه رغبة في الالتزام، والمحافظة على الصلاة، بل إذا بدأ بالمحافظة على الصلاة، والإقبال على الله تبارك وتعالى، فعند ذلك ننصحك بإكمال المشوار حتى ولو كان لا يملك درهمًا ولا دينارًا، لأننا ما كُلفنا إلا بالسعي، ما كُلفنا إلا بالبذل، والمهم في الرجل هو أن يسعى ويكد ويكدح ويجتهد ويشتغل، ويعمل بجد ونشاط، بعد ذلك الأرزاق من الله تبارك وتعالى.

أما أنه لا يملك؛ لأنه متعطل؛ وأنه مكتف بوظيفة واحدة، والأبواب أمامه مفتوحة، لكنه يتكاسل، فهذا الذي لا يصلح، وهذا الذي لا ينفع، وهذه الروح التي لا تُقبل في الرجل، ففرق كبير بين من يسعى ويعمل بيديه ورجليه ويغتنم الفرص، ومع ذلك رزقه ضيق، هذا لا بأس في إكمال المشوار معه والاستمرار معه، شريطة أن يواظب على الصلاة، وأن يحافظ على الأخلاق الفاضلة، وأن يجتهد في كل أمر يُرضي الله تبارك وتعالى.

أما إذا كان لا يلتزم بالآداب والأخلاق، ولا يتمسك بأحكام هذا الشرع الحنيف، ولا يراعي مثل هذه الضوابط، فنحن ندعوك إلى التوقف، على الأقل إلى تجميد هذه العلاقة حتى تعود الأمور إلى صوابها ونصابها، حتى تتجلى لك الصورة واضحة، وأرجو أن يكون لأهلك – من الرجال – دور في المتابعة والمراقبة والسؤال عن هذا الرجل، فإن وجدوا خيرًا وثباتًا ورغبة في الخير وحرصا واجتهادا، فعند ذلك ندعوك إلى أن تُكملي المشوار دون أن تنظري إلى الفقر الذي في يديه، فإن الله تبارك وتعالى تكفل بأن يعين الناكح الذي يريد العفاف، وهو القائل في كتابه: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}، وفهم السلف هذا المعنى العظيم فكان قائلهم يقول: (التمسوا الغنى في النكاح).

والغنى في النكاح، لأن الإنسان بعد الزواج يتحمل مسؤوليات، ويبحث عن عمل إضافي ويجتهد، فإنه يأتيه الرزق الواسع، والغنى في النكاح أيضًا، لأن الزوجة تأتي برزقها، والأطفال يأتون بأرزاقهم، ورزق الواحد يكفي الاثنين، ورزق الاثنين يكفي الأربعة، فإن البركة تأتي في الأرزاق عندما تتجمع.

ونحن ما كُلفنا إلا بالسعي، قال تعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} وقال: {وهزي إليك بجذع النخلة} فالإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب.

خلاصة الكلام هي أن تكلميه في شأن الصلاة، وتطلبي منه الالتزام فيها، وذكريه أنها باب من أبواب الرزق، ثم عليكم بتقوى الله، فإن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} وعليكم بكثرة الاستغفار، فإنه مفتاح للرزق، قال الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم} ما النتيجة؟ {إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين * ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا}.

ثم عليك بعد ذلك أيضًا بالإكثار من الصلاة على النبي عليه صلوات الله وسلامه، وكم تمنينا أن نعرف أسباب رفض الأهل له؟ هل يقصدون ضيق الرزق؟ أم يقصدون تركه للصلاة؟ فإن قلة الرزق ليست عيبًا – كما قلنا – إذا كان هو يسعى ويحاول، لكن الإشكال في أمر الصلاة، فاجتهدي في أن تجعليه يحافظ عليها.

ومثل هذه الأمور يحتاج الإنسان أن ينظر فيها نظرة شاملة، في إمكانية الإصلاح، في البدائل المتاحة، في الفرص الموجودة أمامك، في عواقب الرفض، في آثار الاستمرار بهذه الطريقة، ثم بعد ذلك يتخذ الإنسان القرار الصحيح، وعليه أن يستخير ربه، والاستخارة هي طلب الدلالة على الخير ممن بيده الخير، ونسأل الله لك السداد والصواب، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً