الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفكير السلبي بزوجة أبي يسيطر علي، فكيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أنني أتمنى أن أمحو تذكر إنسان وكأنه غير موجود وهي زوجة أبي، لأننا نعاني منها كثيراً.

فكل يوم أفكر بها، فمثلاً أتخيل أنها قامت بموقف وأقوم بمخاصمتها بيني وبين نفسي، أتخيل الموقف وكأنه طبيعي، ولكن سرعان ما أندم وأحزن على وقتي الذي ضاع في هذا التفكير، فكيف أتخلص من هذا المرض؟

وعندما أسمع صوتها أشعر بضيق شديد وألم في صدري، وكلما رأيت إخوتي من أبي أشعر بضيق شديد، وأتمنى أن لا يأتوا إلى بيتنا، ولكن أمي تقول لي: هؤلاء أطفال لا ذنب لهم فيما يحدث، ولكن أنا أقول لها: هي تفعل ذلك وتقوم بإرسال أطفالها لنا حتى تحملك مسؤوليتهم وهي في هناء وراحة.

لأن أمي كبيرة جداً في السن وهي ليست في مرحلة تحمل مسؤولية، هي في مرحلة تحتاج من يرعاها، ولكن هي لا تتقبل كلامي وتقول لي: أنت حاسدة، ولكن أنا لست حاسدة، أنا فقط أنزعج من انزعاج أمي، لأنهم أشقياء، ولأنني أرى أمي تجامل على صحتها، فهي تقابلهم وتعتني بهم وبدون شعور من أي أحد من أبنائها ولا من أبي، فكيف أتخلص من التفكير بها؟ وكيف أُفهم أمي بأني لست حاسدة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ يا رب توفيقك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونرحب بالوالدة، ونهنئك بهذه الوالدة التي تحمل هذه المشاعر النبيلة، إذا كنت تغضبين لأجلها فإن الوالدة ولله الحمد ترتفع فوق هذه الأمور الصغيرة وتضرب بهذا أروع الأمثلة، وستكسب وتربح الدنيا والآخرة بفضل الله ورحمته، ولن يضرها علم تلك الزوجة أو علم الوالد بما تقوم به من مجهود، بل ستجد ذلك - إن شاء الله – في موازين حسناتها عند الله تبارك وتعالى.

أما بالنسبة لزوجة الوالد فأرجو أن تُدركي أنه طالما كنت في بيت منفصل وبعيدة عنها فلا تحملي نفسك فوق طاقتها، وتعوذي بالله من هذا الشيطان الذي همّه أن يُحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئًا إلا بإذن اللهِ.

ولعلك تلاحظين أن الشيطان هو الذي يُدخل عليك هذا الضيق، وهو الذي يذكرك بتلك المرأة، وتعاملنا مع هذا العدو إنما يكون بنقيض قصده، فإذا ذكرك تلك المرأة فاشتغلي بالاستغفار والذكر والإنابة والتسبيح، فإن الشيطان سينصرف، لأنه لا يريد لنا أن نتوب، ولا يريد لنا أن نستغفر، ولا يريد لنا أن نذكر ربنا تبارك وتعالى.

فعاملي هذا العدو بنقيض قصده، وأحسني إلى تلك المرأة إن أساءت، واعلمي أن الناس سيقفون غدًا بين يدي الله تبارك وتعالى، وهناك لا تزر وازرة وزر أخرى، وبين يدي الله تُجزى كل نفسٍ بما تسعى، وإذا مكرتْ المكر السيئ فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، والدنيا – يا ابنتي – قصيرة لا تستحق هذا الخصام، ولا تستحق هذا الضيق، لأن هذا الضيق وهذا الخصام خصم على سعادتك، وخصم على عبادتك، ولا يُفرح إلا عدونا الشيطان، وأنت تتضررين منه جدًّا لأنك لا تجدين تجاوبا من الوالدة، تتضررين جدًّا لأنك ولله الحمد يؤنبك الضمير، وهذا دليل على أنك على خير.

ولذلك لا تقفي طويلاً أمام المشاعر السالبة، واجتهدي في الخروج من التفكير بهذه الطريقة السلبية، واشغلي نفسك بالمفيد وبطاعة ربنا المجيد، وتجنبي الوحدة، فإن الشيطان مع الواحد، واحرصي دائمًا على أن تشغلي نفسك بالأمور التي تُرضي الله تبارك وتعالى، واجتهدي في أمر الدراسة، واعلمي أن هذه الأمور تجري بقضاء الله وقدره، فالكون هذا ملِكٌ لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى.

وأما بالنسبة لهؤلاء الصغار فالأمر كما قالت الوالدة: لا ذنب لهم في جريرة وجريمة الكبار، ولا ذنب لهم فيما يحدث من والدتهم، وهم في النهاية إخوان لك – من الأب – لهم بعض الحقوق، وعليك أن تعطفي عليهم وتحسني إليهم، وإن لم تفعلي هذا فلا أقل من ألا تتضايقي من وجودهم طالما كانت الوالدة راضية، وستعمل ما تستطيعه، وأحسب أنها تستمتع بالتعامل مع هؤلاء الصغار كتفاني أمهاتنا الكبيرات والجدات في حبهنَّ لهؤلاء الأطفال الصغار الذين ليسوا بعيدين عنك، وكما قالت الوالدة: لا ذنب لهم في جريرة الأم.

وأنت ولله الحمد لست حاسدة، لأنك تريدين الخير لأمك، ولأنك تشفقين عليها، ولكننا مع ذلك ندعوك إلى ترك التفكير بهذه الطريقة، والاستجابة لأمر الوالدة وطاعتها، فإن الوالدة صاحبة خبرة استفادت من تجارب الحياة، ولذلك ينبغي أن تدركي أن توجيه الوالدة سديد وفي مكانه، ولا تتأثري باتهامها بالحسد، فإنها ستعلم أنك تغضبين لها، وأن ما تقومين به إنما من أجلها هي، ولذلك سيأتي اليوم الذي تعرف الوالدة فيه قدرك وقيمتك، وتقدر لك هذا الموقف وهذا الوقوف معها.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لك في الوالدة، وأن يرد الوالد وزوجته إلى الحق والصواب، وأن يحفظ هؤلاء الصغار الذين ستسعدين غدًا بهم باعتبارهم إخوة لك، فلا تلتفتي لما يحصل من أمهم أو غيرها، فإن الله يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فكيف إذا كان هؤلاء صغار وعلى البراءة الأصلية وعلى الطهر، فهم لا يعرفون حقدًا، ولا يفكرون في حسدٍ، ولا يعرفون الحدود الذي ينبغي أن يلتزموا بها، وقد لا يفرقون بين هذا البيت وذاك البيت، فلا تتعبي نفسك بمثل هذه الأمور.

واشغلي نفسك – كما قلنا – بكل أمر نافع مفيد لك يُرضي الله تبارك وتعالى، ولا تندمي على أموال صُرفت، ولا على أشياء جِيءَ بها، فإن الله تبارك وتعالى سيبارك في الجهود ويبارك في الأموال ويوسع عليكم الأرزاق، ولن تنالي – ولا هي – إلا ما قدر الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر عبد الرحمان

    شكرا جزيلا على هذه النصائح الرائعة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً