الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عانيت الظلم والحرمان طوال حياتي مما أثر في شخصيتي وثقتي بنفسي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أنا حالياً عروس جديدة أبلغ من العمر 24 سنة، وأريد أن أعالج ترسبات في شخصيتي ناتجة عن طفولة وماضي مرير, لقد تعرضت للتحرش الجنسي منذ أن كان عمري 6 سنوات ومن قريب للعائلة كان مقيم معنا, واستمر هذا التحرش إلى أن بلغت 10 سنوات, كنت طفلة لا أعي ماذا يحدث لي، كان يهددني بالقتل إذا أخبرت أحداً ما ويغريني بالحلويات، وكف أذاه عني عندما تزوج واستقل خارج منزلنا مع زوجته, وعندما بلغت الـ 14 بدأ والدي بالشرب والسكر وحاول التحرش بي مرتين, صدقاً أحسست أن الخطأ فيني وأني ولدت لكي أكون أداه للراحة لأي أحد وتفريغ لشهوات الجميع.

بدأت معي العادة السرية من هذا السن عن طريق اندفاع الماء، واستمرت معي للآن, والذي زادني بؤساً أني ارتبكت جرماً بحق نفسي في بداية مرحلتي الدراسية للثانوية، كنت أبلغ الـ 16 سنة، فقد تعرفت عن طريق رفيقتي على شاب كنت أرجو الحصول على حب وحنان وأمان, فغرني بكلامه المعسول وخرجت معه, اغتصبني هو واثنان من أصدقاءه، هنا بدأت حياتي بالتدهور والانهيار وانجرفت، ولكن – الحمد لله - الذي هداني للطريق القويم, كنت أخفي آلامي وجروحي ومصائبي عن الكل.

والدتي ذو شخصية قوية وجداً قاسية، كانت دائماً هي ووالدي يشعرونني بالدونية وأني لن أفعل لنفسي شيء، وأنه كل شيء في خاطئ، وجميع الفتيات ومن ضمنهم أخواتي أفضل مني مع أني أكبرهم, وأخواني وأخواتي كلهم مشغول بحياته ولم يكن هناك أحد يحترمني مع أني أكبر أخواتي وضحيت لأجلهم، فأوقفت دراستي الجامعية وعملت ليكملوا دراستهم، وكنت أنا فعلياً التي أصرف على المنزل، لأن والدي كان مدمن كحول ولا يتبقى له شيء ليصرف علينا.

وتوقفت عن الدوام لأسباب نفسية وتخص شخصيتي، ورزقني الله بزوج متدين وذو شخصية قوية ومنصب عالي، والأهم من هذا كله يحبني، وهنا الكل تخلى عني ولم يعودوا يسألوا إلا إذا سألت، وبالسنة مرة، لأنه لم تعد لي فائدة تذكر، أحسست بالغبن والاستغلال، ولكن الله كريم وهو الرازق, ولقد أخبرت زوجي كل شيء ويعرف ماضي، لأني أرفض أن أبتدئ حياتي الجديدة بكذبة وإخفاء أي شيء يخصني، إلا مشاكل الشخصية أنكرتها حتى على نفسي؛ لأني لا أريد أن أحس بنظرات الشفقة من أي شخص، وأريد أن أشعر بأنه لا يوجد بي أي علة.

شخصيتي من أيام الطفولة ضعيفة، أتنازل عن حقوقي لمجرد أنني أخاف مواجهة أي شخص, غبية, طيبة, خيالية أعيش بعالم خيالي أرسمه بذهني وأوقات لا أفرق بينه وبين الواقع, ساذجة، عندي الرهاب الاجتماعي, أرتجف وأتشنج وأتوتر وتزداد ضربات قلبي عند أي موقف أحس فيه بالإحراج، أو أن أعين الناس فيه علي، أو أتعرف على أي شخص جديد, لا أستطيع النظر بأعين الآخرين, أحس أني بلا أي قيمة, الجميع على حق وأنا دائماً المخطئة.

أصبحت أتأتأ بالكلام, أشعر بأن الناس كلها تتكلم عني أو تسخر مني، ولمزاتهم وضحكاتهم علي لدرجة أني لم أعمل عرساً أو حفلة خطوبة، وانتقلت لعش الزوجية مباشره؛ لأني أشعر أنه لن يحضر أحد أو أني لا أستحق أي شي, أتجنب اللقاءات العائلية خوفاً أن أنحرج أو أبكي أو أتوتر أو يلاحظ أحد رعشة يداي والتأتأه عندما تسرع نبضات قلبي، خصوصاً عند لقاء أهل زوجي فقط أبادلهم السلام وأجلس قرب زوجي، ولا أباشرهم بالحديث وأتجنبهم وهم بدورهم لا يحبوني أو يقبلون بي، وهذا جداً يؤثر فيني, العادة السرية لا أستطيع الابتعاد عنها.

بدأت أحس أني ظلمت زوجي, لأني ارتبطت به، وأني مصدر إحراج له مع أني لا أبين أي شيء، أو أنه لاحظ علي فقط شعور بداخلي أني لا أستحق أن أعيش وأني بلا أي قيمة تذكر, زاد وزني للـ 91 كيلوغرام, أصبحت لا أهتم بشكلي, أكره نفسي أكره الصورة التي تنعكس عالمرآة أمامي, أقضى أغلب وقتي بالتفكير والبكاء, أصبحت جداً درامية، وأبحث عن أي مشكلة حتى أبدأ بالبكاء، وأضايق زوجي وأستدعي اهتمامه وحنانه, لا أعرف كيف السبيل لعيش حياة طبيعية بعيداً عن كل هذه الآلام والجراح.

واسمحوا لي على الإطالة، وجزاكم الله كل خيراً.
شهد الورد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد الورد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقصتك رائعة جدًّا حتى وإن حملت الكثير من الآلام والمآسي، لكن الروعة فيها هي أن الإنسان يمكن أن تُفرض عليه حياة قاسية في مراحل طفولته، ولكن بعد ذلك يستطيع أن يعتبر هذا مجرد عبرة وخبرة ليبني حياة سعيدة قوية متماسكة.

أنت الآن تعيشين مع هذا الزوج الصالح المتدين الطيب، هذه غنيمة كبيرة جدًّا. أنت إن لم يكن لديك الكفاءة والمقدرة لما تقدم هذا الرجل الصالح لزواجك، فلا تظلمي نفسك من خلال التقدير السلبي لشخصيتك. ما حدث لك من تحرشات وامتهانات أمر قد انتهى، وأنت من وجهة نظري تعتبري امرأة سعيدة جدًّا، لأنك الآن تعيشين على خُطى الحياة الحقيقية، الحياة التي فيها الزوجية الصالحة والمسؤولية، وأن ترتفعي بنفسك وهمتك لتكوني دائمًا في مساعدة الآخرين والاهتمام بزوجك وتطوير مهاراتك الاجتماعية.

وموضوع المخاوف الاجتماعية والتوترات والقلق واهتزاز الثقة بالنفس أنا لا أتجاهلها، وهذه - إن شاء الله تعالى – سوف يُقضى عليها تمامًا من خلال تناول العلاج الدوائي الذي سوف أنصحك بتناوله، لكن في ذات الوقت عليك بأن تكوني دائمًا إيجابية في تفكيرك، وأن تنظري إلى المستقبل بأمان، وهو فعلاً - إن شاء الله تعالى – فيه أمان لك، لأنك تملكين الآن الآليات القوية في شخصيتك.

ما حدث لك من سلبيات أدى إلى صهر خاص لتقوية الدفاعات النفسية لديك، وهذا يظهر لديَّ من الطريقة التي صيغت بها رسالتك.

أرجعُ مرة أخرى وأقول لك: أنا لا أقلل من شأن المخاوف التي تعانين منها، لكنها حقيقة سوف تزول بمزيد من الثقة في النفس، بمزيد من التواصل الاجتماعي، ويجب أن تجلسي مع نفسك جلسة خاصة وتعاقبي ذاتك في موضوع العادة السرية. ما الذي يدفعك نحوها الآن؟ أعتقد أن هذه هي الشائبة التي بقيت في حياتك، وأنت الآن وبعد أن يجتمع هذا الزوج السعيد ليس هنالك ما يدعو لمثل هذا الانحراف ومثل هذه الممارسة، هذا لا يليق بك أبدًا، عنّفي ذاتك حولها، وإن شاء الله تعالى تقلعي عنها.

يجب أن تسعي لتخفيف وزنك، أعتقد أن واحد وتسعين كيلوجرام هو وزن زائد نسبيًا، ودائمًا المرأة التي تعاني من زيادة في الوزن – حتى وإن كانت بسيطة – ربما يؤدي ذلك إلى عسر وعكر في المزاج. هنالك دراسات كثيرة جدًّا ربطت ما بين السمنة وما بين الاكتئاب النفسي، لا أقول أنك تعانين من سُمنة، لكنها زيادة في الوزن، يجب ألا نتجاهلها، وبممارسة الرياضة سوف تضيفي إضافات إيجابية جدًّا لحياتك، وهذا بالطبع سوف يساعدك في تخفيف الوزن أيضًا.


التفكير الدرامي والذي فيه شيء من أحلام اليقظة هو جزء من عملية القلق التي تعانين منها، لكن استبدليه بتفكير إيجابي، فأنت لديك أشياء طيبة وإيجابية في حياتك.

أنا أرى أنك محتاجة لأحد الأدوية المضادة للمخاوف الاجتماعية، وكذلك المضادة للقلق الوسواس، والمحسنة للمزاج. العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (لسترال) أو (زولفت) ويسمى عليمًا باسم (سيرترالين) سيكون مناسبًا جدًّا بالنسبة لك، ابدئي في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – تناوليها ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة، واستمري عليها لمدة شهرين، ثم اجعليها حبتين في اليوم، ثم تناوليها ليلاً كجرعة واحدة ولمدة شهرين، ثم خفضي الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر. هذا دواء سليم غير إدماني غير تعودي، ليس له أي آثار سلبية على الهرمونات النسائية.

ولا ننس أن نحيي زوجك الكريم على موقفه الرائع والشهم، حيث تفهم ماضيك وأخذ بيدك إلى بر الأمان، فقليل من الرجال من يكون بهذا المستوى من الأخلاق العالية، وإن كان أصلا لا يلزمك بأن تخبريه بماضيك، لأن كلا من الزوجين لا علاقة له بماضي الآخر، وإنما تبتدئ العلاقة مع أول يوم في الحياة الزوجية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأود أن أهنئك بشهر رمضان الكريم، وهو لا شك من أفضل مواسم الخيرات التي يجب أن نستفيد منها كثيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً