الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاقتي وتواصلي بزميلاتي ضعيف.. هل هدوئي ووحدتي سبب ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أودّ طرح مشكلتي هنا لما رأيته من اهتمامٍ وسرعة التجاوب، وجميل النصح والإرشاد، أثابكم الله على جميل فعلكم وصنيعكم، ووفقكم وأعانكم .. "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"

ربما ما أودّ طرحه لا يعدّ مشكلة، لكن لا أريد أن أدع شيئًا يشغل عقلي -أحيانًا- بدون حلّ، والله جعل لكلّ داء دواء، وجعل لكلّ شفاء وحل سببا؛ فلعلكم سبب دوائي.

أنا فتاة في المرحلة الجامعية، في سنتي الثالثة، أدرس في تخصص خلق الله فيه الكثير من الطيبين، ومع هذا فلا رفيق لديّ ولا صاحب، أعرف الكثير، وأحبّ الكثير، وهاتفي مليء بالأسماء، إلا أنه لا يحادثني أحد، أبادر دائما بالسلام، والسؤال عن الأحوال، ولا أحد يسأل عني، أو يبادر، يعتقد أهلي بأني البنت الاجتماعية الأكثر شعبية بين صديقاتها، وأنا أمثل العكس .. جلوسي وحيدة كثيرا، وأعلل هذا دائما بأني هادئة، وخجولة بعض الشيء، لكن هذا سبب غير مقنع في تخلي الأصدقاء عني، لا أذكر أني سببت وشاتمت أحدا، ولا اغتبت إحداهن في غيابها، باختصار شديد: لم أقم بفعل شيء ينفّر الناس من حولي.

أعلل هذا أحيانا أيضا أنه ربّما بسبب الاختلاف الطبقي، أو أنه بسبب ركودي التطوعي، بعكسهن- ما شاء الله- أو لحيائي وهدوئي وجرأتهن.

تتزوج إحداهن وأنا آخر من يعلم، يجتمعن في منزل معًا، ولا أدعى إليه، أمرض ولا يسألن عني، تراكمت المواقف علي، وجرح قلبي بما فيه الكفاية.

أعلم أن القبول هبة ومنحة من الله، وأنا أسأله إياها دائما، وأبذل أسبابي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يجعلك من أحبابه، وأن يضع لك القبول في الأرض، وأن يزيدك تميزًا وتألقًا ورفعة وسُموًّا.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فأنا بداية مُعجب جدًّا بطرحك وبأسلوبك الأدبي الرائع والمتميز والرفيع، وكم أتمنى أن تستغلي تلك المهارة، وهذه النعمة في تطوير أدائك، وفي كتابة أدبٍ إسلامي رقيق، يخاطب المشاعر والحواس، ويجمع ما بين الجسد والروح، وما بين الدين والدنيا، فإني ألحظ فيك مشروعًا أدبيًا رائعًا وخلاقًا، ولا يخفى عليك أن الأقلام النسائية في عالمنا الإسلامي قليلة، نعم هناك أقلام كُثر، ولكنها أقلام تنزف دمًا وسُمًّا زعافًا، وتقطر فجورًا ودمارًا وتضليلاً وإغواء.

نحن نريد أقلامًا نزيهة تبني ولا تهدم، ترفع ولا تخفض، تُعز ولا تُذل، تُقدم النصيحة بثوب رقيق رقراق هادف، أرق من النسيم العليل، لا يجرح المشاعر ولا يثير الكبرياء، ولا يخدش الحياء.

وأرى أنك تتمتعين بقدر طيب من هذه المهارة، كم أتمنى - ابنتي الفاضلة سجى – أن تكتبي لنفسك في سجل الخالدين ذكرى، بكتابات طيبة، نافعة ومفيدة وهادفة، خاصة لبنات جنسك، من أخواتك سواء اللواتي يتواصلن معك أو اللواتي يُعرضن عنك، ولا يسألن عنك كما ذكرت في رسالتك.

فأنت مُبدعة ولديك نعمة طيبة أتمنى استغلالها فيما يعود على الناس بالنفع، لأن النفع المتعدي - كما لا يخفى عليك – أعظم أجرًا من النفع الخاص. هذه بداية يا بُنيتي.

ثانيًا: فيما يتعلق بهذا الرد السلبي من قِبل تلك الجموع التي تعرفينها وتعيشين معها وبينها ولم تذكري إساءة لإحداهنَّ يومًا ما، أقول: اعلمي - ابنتي الكريمة الفاضلة سجى – أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فقضية الحب والبغض لا دخل للإنسان فيها غالبًا، كذلك أيضًا قضية التنافر والتجاذب هذه مسألة كذلك لا دخل للإنسان فيها، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

أنت تعلمين أن المغناطيس يجذب كمًّا كبيرًا من المواد الموجودة في الطبيعة إلى نفسه، وهناك أيضًا مواد لا يستطيع هذا المغناطيس أن يجذبها مطلقًا، لأن هذه خواص، وكذلك أنت، قد تكونين معدنًا نفيسًا رائعًا، ولكن ليست لديك الجاذبية الكافية لجذب تلك المعادن التي تُحيط بك، ولكن مما لا شك فيه أن هناك معادن تتمنى وُصالك معها، وتواصلك معها، وتتمنى أن تكون لها في نفسك منزلة أو مكانة.

هذه موجودة، ولكن لعل الوقت لم يحن لاكتشافها، وعما قريب سوف تكون لك، ولذلك كما قال الله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} أهم شيء أنك لم تذكري إساءة في حق أحد، ولا تقصيرًا في حق أحد، ولا تعاليا على أحد، فلا تشغلي بالك بأحد، لأننا نُسأل عن تصرفاتنا الظاهرة، فالملائكة لا يسجلون أعمال القلوب، وإنما يسجلون أعمال الجوارح، ما دمت لم تتلفظي بلفظ أساءة إلى أحد، ولم تتصرفي تصرفًا عضويًا أدى إلى إزعاج أحد فلا تشغلي بالك بشيء، لأن قضية التآلف والتنافر هذه ليست لي، ولا لك وإنما هي من الله.

ولكن إذا أردنا فعلاً أن نكون محل المغناطيسية والجاذبية فإليك ما يلي:

أول أمر: الدعاء، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنزل الله عليه قوله: {أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ} والنبي – عليه صلاة ربي وسلامه – بشرنا بقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وقوله أيضًا: (إن الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) فأوصيك بالدعاء أن يؤلف الله بينك وبين أخواتك اللواتي تتعاملين معهنَّ.

الأمر الثاني: كم أتمنى أن تقرئي كتاب (كيف تكسب الأصدقاء) وهو كتاب أجنبي مترجم ولكنه رائع، موجود على الإنترنت، وموجود في المكتبات خاصة مكتبة جرير، يعطيك - بإذن الله تعالى – مهارات في كسب الأصدقاء، وهو كتاب رائع ومفيد، ومن الكتب التي قرأها الملايين من البشر.

الأمر الثالث والأخير إنما هو محاولة التواصل حتى وإن كانت هناك قطيعة، لا تتوقفي عن هذا الخير، لأنك مأجورة على ذلك يقينًا، سواء كان الطرف الآخر من الأرحام، أم من عامة الناس، فلا تتركي فرصة اجتماعية أو غيرها إلا وتساهمي فيها بقدر.

حاولي أن تشغلي نفسك بالنفع العام، وأن تكوني دائمًا معطاءة، حتى وإن تنكر الناس لك فيكفيك أن الله سيكافئك على ذلك مكافئة عظيمة.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً