الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يشعر بالخوف وأنه مراقب... فهل من علاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على جهودكم لما تقدمونه للأمة الإسلامية والعربية, وأسأل الله لكم الأجر والمثوبة.

مشكلتي أن أبي الغالي يمر بحالة نفسية صعبة جدا, أبي من الشخصيات الهادئة والمحترمة, وعزيزة النفس, ولا يحب أن يطلب أحدا, أكرمه الله سبحانه وتعالى بعد تقاعده مزرعة, وأرضا يبني فيها بيته الجديد, فابتلاه الله جل في علاه والذي نحمده على كل شي؛ ابتلاه بديون لا نعلم من أين أتت, فاضطر إلى بيع مزرعته وأرضه وسيارته.

وصار يعاني من ظروف قاسية, ومن كثرة التفكير, وبعد فترة لوحظ عليه تغيرا كبيرا جدا, فبدأ جسده يضمحل, ثم بدأ يفعل أشياء غريبة, كالتصفيق وهو سائق, وتحريك رأسه بشكل غير طبيعي, وعندما نخبره ونقول له هون على نفسك, ولماذا تفعل مثل هذه الحركات, كان يسكت؛ لأنه يشعر بماذا يفعل.

بعد فترة بدأ يتكلم مع نفسه من غير سكوت, ويتأوه بشكل مسموع للكل, ويشعر أنه مراقب, أو أن أحد سحره, أو أن الموت سوف يباغته في أي لحظة, وعندما يرى أي أحد من أولاده تنقلب الآهات إلى ابتسامة لكي لا يشعر أحدا بما فيه, ويقول أنا والحمد لله طيب, فلا تشغلوا حالكم بي.

تطور الوضع وجلسنا نكلمه عما فيه, وهو يحرك رأسه على السرير ويقوم, ويجلس, ويلتوي على نفسه, ويصفق برجله على الأرض, أو برأسه, ولا يستقر أبدا, ولا ينام, لدرجة أنه بكى من أجل أولاده, يقول أنا لم أستطع أن أتمالك نفسي فجعلت أبنائي يحزنون علي؛ لأنه خائف أن نتأثر عليه.

وعندما نقول له اذهب لدكتور نفساني يقول: لا. أنا بخير والحمد لله, أنا بخير, وقد يكرر الكلام كثيرا, مثلا لو أراد أن ينادي أحدا باسمه؛ ناداه عدة مرات, حتى بعد أن ينهي معه موضوعه يستمر في النداء, وإن أجبناه مرة أخرى يقول: لا. لم أنادِ أحدا.

اضطررنا أن نأخذه من غير رضاه إلى دكتور نفساني, وكان يقول يا أبنائي أنا بخير والحمد لله, هي أزمة وتنتهي, ويقول لا أنا مجبور على الذهاب, أنا مجبور, أنا مجبور, والأفضل أن تتركوني وأنا أتحسن أتحسن أتحسن -المريض هو يكرر من أثر المرض-.

بعد أن وصلنا به إلى الدكتور لم يتلكم بشيء, مع العلم أنه يعلم أن ثم حالة تفسية صعبة يمر بها, وكان يقول لأمي الغالية منذ متى كنت أمشى وأتأوه, ولا أستقر في جلوسي, ولا أنام, وأتكلم بصوت مسموع؟

وبعد أن خرجنا به من عند الطبيب كان يقول صار لي ملف عند الدكتور النفساني, ويكررها كثير جدا, ويقول اسحبوا الملف, ولا تخبروا أحدا, مع العلم أن أبي كان لا يفعل هذا أبدا, والكل يشهد له بخلقه ورجاحة عقله, ولا نزكيه على الله.

النقطة الأخيرة والأهم في الموضوع أن أبي يشعر بالخوف الشديد المبالغ فيه, حتى نظرات عيونه مملؤة بالخوف والرعب والقلق, ويشعر بخوف أيضا من مكان كان يحبه كثيرا, وكان يقضي معظم حياته فيه, فصار لا يطيق الجلوس فيه, ويشعر بالرعب إن شجعناه على الذهاب إليه.

علما أن الدكتور قال إنه يشعر باضطرابات نفسية شديدة فقط, فما رأيكم؟ مع العلم أنا فتحنا جواله فوجدنا رسالة تهديد.

مع خالص الحب والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد القحطاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أشكرك أيها الفاضل الكريم على اهتمامك بأمر والدك, وثقتك في إسلام ويب، أنت أوردت القصة والظروف الحياتية والمتغيرات النفسية التي تحدث لوالدك بصورة واضحة وجيدة جدًا.

أشكرك أيضا لأنك أعطيتنا نقطة هامة وجوهرية في الأعراض التي ذكرتها, وذلك حين قلت أن والدك يشعر أنه مراقب, وأن أحدا سحر عليه، هذا عرض رئيسي يشير بصورة واضحة وجلية أن والدك يعاني من حالة ظنانية تعرف بالاضطراب الزواري, أو الاضطراب الباروني، أو الاضطراب الاضطهادي, وهذه الحالة بالفعل مخيفة؛ لأن التغير الذي يحدث للإنسان قريب في طبعه, ولا يستطيع الإنسان أن يحدد معالمه, أو يجد له تفسيرا.

الخوف لا يختفي في بعض الأحيان إلا بعد أن يفقد الإنسان بصيرته, ويصبح المرض مسيطرا عليه، مخاوف والدك متأتية مما نسميه بازدواجية التوجه, يعني أنه يعاني من ناحية مرضية, لكن بفضل من الله تعالى ملكته العقلية لا زالت محتفظة بسلامته في جزائيات كثيرة منها، وارتباطه بالواقع يجعله يستقرب الفكرة الظنانية, بالرغم من أنها متسلطة عليه, ولا أعتقد أنه يحاول أن يدفعها؛ لأنها ليست تحت إرادته.

أيها الفاضل الكريم: هذه الحالات تعالج, وتعالج بصورة ممتازة جدًا, فأرجو أن تذهبوا إلى الطبيب النفسي, وتذكروا له هذا العرض على وجه الخصوص، وقطعاً سوف يقوم الطبيب بإعطاء الوالد الدواء اللازم, وهنالك أدوية ممتازة.

عقار أنفيقا أحدث الآن ثورة كبيرة جداً في علاج هذه الأمراض الظنانية, وعقار سبركسا, وعقار رزبريادال: (Risporidal) والاسم العلمي هو رزبريادون: (Risperidone) وعقار ابلفاي, وهنالك فرصة علاجية ممتازة لوالدكم, وقد لا يحتاج إلى أكثر من حبة واحدة في اليوم, تصور هذه النعمة العظيمة, وهذا التقدم الهائل الذي حصل في مجال الطبي النفسي.

فيا أخي الكريم: يجب أن لا نضيع الوقت, والدك يحتاج إلى العلاج, وسوف يستجيب للعلاج بصورة ممتازة, وليس من الضروري أبدا أن يقال له أنت مريض نفسي, هذا يسبب له الوسمة والنفور من تقلب العلاج.

اجعلوا أحد أفرد أسرتكم من الذين يحبهم الوالد يتكلم معه, وبصورة سرية جدًا يقول له نحن نلاحظ أنك مصاب بشيء من الإجهاد النفسي, وأنك غير مرتاح, ولماذا لا نذهب إلى الطبيب مرة أخرى, ونقوم بإجراء بعض الفحوصات, وإذا رأى الطبيب أن يعطيك علاجا فهذا إن شاء الله تعالى سوف يفيدك.

الحالة واضحة, وأنا لا أميل حقيقة إلى تشخيص الأمراض إلا بعد أن أفحص المريض, لكن وصفك كان بالدقة التي جعلتني على درجة عالية جداً من اليقين أن أعطيك بعض المسميات التي أراها تنطبق عليها المعايير الطبية المطلوبة لتشخيص مثل هذه الحالات.

بارك الله فيك, وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب.
..........
ملاحظة من قسم الاستشارات: نلفت عنايتك أخي السائل إلى أن تجرب الرقية الشرعية على والدك فإنها ستفيده قطعا؛ لأنها من الآيات الشرعية والأذكار، ولن تخسروا شيئا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • قطر مستغربه !!

    يقول السائل بأنهم وجدو رسالة تهديد في جوال الاب ! هذا يدعو للقلق و التسائول من اين اتت هذه الرساله ؟!!

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً