الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب رفيق درب لي... فهل يمكن علاجه؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني منذ أن كان عمري ست سنوات حالة من الخوف والرعب وفقد الأمن تماما, الأمر الذي لم أجد له تفسيرا.

كانت تراودني أفكار مؤلمة, كفقد أمي, أو أبي, وغيرها من الأفكار السوداء الكثيرة, كانت قادرة على السيطرة علي تماما لتدخلني في حالة من الحزن الشديد, والخوف والبكاء المستمر, والإحساس بالوحشة, رغم تواجدي بين أهلي.

ربما كان سبب ذلك انصراف العناية بي؛ لاهتمام أمي بأخي الأصغر مني بسنة, كما أني كنت أخضع لقسوة العاملة في المنزل.

وأثناء المدرسة كان خروجي لمجتمع مختلف الأكثر رعبا ووجعا, كنت أبكي بشدة لخوف يعتصرني من المجتمع الجديد, وعندما تسألني أمي: ما بك؟ كنت أتحجج بوجع في بطني, أو بآلام أسناني, فكانت تحتويني أحيانا, وتضربني أحيانا أخرى؛ ظنا منها أني أهرب من التزام المدرسة والدروس؛ فأفقد بقايا الأمان.

كبرت واعتدت المجتمع, ورحل عني الخوف, ربما بعد ما أفقدني طعم الحياة, أعيش لأني حية فقط, لكن لا أرغب في العيش, صارت الأوقات خالية من الخوف المرضي, لكني أجد أني فريسة سهلة جدا للاكتئاب.

أبسط الأمور قادرة على جعلي أعيشه, كما أني متأهبة تماما لاستقبال الأفكار السلبية, والمشكلة الأكبر أني الآن بلغت عمر الثلاثين سنة, وأعاني من فوبيا الزواج, وبمجرد معرفتي بتقدم خطيب لي يتلبسني خوف يخرج عن مستواه الطبيعي, ويملؤني رعبا لا يوصف.

يتملكني شعور بأني بالزواج سأصل لمرحلة الانهيار الذي أخشاه دائما, وأنا صدقا لا أعرف السبب لكل ذلك الخوف, خصوصا من فكرة الزواج, فكنت دائما أرفض وأجد محاربة قاسية من الجميع, خصوصا أني لا أملك سببا منطقيا لكل هذا الرعب.

ما عدت أحتمل بصدق, ولا أستطيع زيارة طبيب نفسي؛ لأن أسرتي لا تؤمن بالمرض النفسي.

ولي -بارك الله- فيكم سؤال أخير: جدي توفي منتحرا, فهل الاكتئاب وراثة؟

أرجو مساعدتكم, فأملي الوحيد بعد الله فيكم, أثابكم الله أعالي الجنان, وأزاح عنكم كل هم كساكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ اللوتس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن خلفيتك التربوية ليس فيها شوائب أساسية، فما حدث لك يحدث كثيرا جدًّا للأطفال في بيئتنا.

أنا لا أقلل أبدًا من قيمة المؤثرات التربوية السلبية في أثناء الطفولة وانعكاسها على السلوك المستقبلي، لكن في ذات الوقت المبالغة حول تأثير التنشئة أعتقد أنه سبب إشكالية كبيرة لبعض الناس، وأصبحوا دائمًا يجدون لأنفسهم المبرر حين يسيطر عليهم الفكر السلبي، بمعنى أنهم يصرون على أن مستقبلهم لن يكون مشرقًا، وحاضرهم لن يكون جيدًا، ذلك لأن ماضيهم كان سيئًا.

هذا المفهوم ليس صحيحًا، وأنا أرى –أيتها الفاضلة الكريمة– أن الماضي يجب أن نتخذه عبرة، ونستفيد منه على ضوء ذلك، والإنسان يجب أن يعيش حياته بقوة ومستقبله بأمل ورجاء.

أنا أعتقد أن مشكلتك الرئيسية هي الفكر السلبي، وأنت ذكرت ذلك بوضوح شديد، والأفكار السلبية يتم التعامل معها من خلال:

أولا: أن تنظري للأمور الإيجابية في حياتك، حتى وإن كانت بسيطة وصغيرة، واكتبيها، وتأمليها، وتفكري فيها، ثم بعد ذلك اكتبي الأفكار والمشاعر السلبية هذه، ابدئي بأقلها حدة وشدة، ثم بعد ذلك تدرجي واكتبي الأشد فالأشد، ومن ثم تعاملي مع هذه الأفكار لأن تجدي لها معالجات، الواحدة تلو الأخرى، وابحثي دائمًا على المقابل الإيجابي لفكرة سلبية، والمقابل الإيجابي لا بد أن يكون موجودًا.

توسّعي في تفكيرك حول المفهوم الإيجابي –أو الفكرة الإيجابية– وبهذه الطريقة تستطيعين أن تحاصري الفكر السلبي, وتستبدليه بفكر إيجابي.

الأمر الآخر: الخوف يجب أن يُحقّر، خوفك في موضع الزواج خوف غير مبرر، والأشياء الغير مبررة قد تكون وسواسية تفرض نفسها على الإنسان، لذا من خلال تحقيرها, ورفضها, وإخضاعها للمنطق؛ يستطيع الإنسان أن يلفظها حتى يتخلص منها.

إذن هذا أيضًا مبدأ مهم في الحياة، وأعتقد أنه أمر علاجي بالنسبة لك.

يجب أن تكون لك فعاليات يومية (أعمال، قراءة، أنشطة، تواصل، رياضة، انضمام لحلق القرآن)، هذا كله يعطيك الشعور بوجودك الحقيقي، وأقصد بذلك الوجود النافع الذي يفيد الإنسان ويفيد غيره، وهنا سوف تتبدل المشاعر السلبية لتصبح مشاعر إيجابية, هذا منهج مهم جدًّا.

الرفقة والصحبة والنماذج الطيبة في الحياة مطلوبة، هذا يجب أن تركزي عليها كثيرًا, بر الوالدين يعطي دفعة نسميها (دفعة الأمان النفسي) ومن يبر والديه لا شك أنه -إن شاء الله تعالى– يجني خيري الدنيا والآخرة.

هذه هي الخطوط العلاجية العامة الرئيسية التي أنصحك بتذكرها واتباعها.

بالنسبة لجدك الذي مات انتحارًا: نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة، والعوامل الوراثية موجودة في الاكتئاب، لكنها عوامل ضعيفة وليست وراثة مباشرة، فلا تشغلي نفسك بهذا الموضوع.

أنا أرى أيضًا أنك في حاجة لعلاج مضاد للاكتئاب, ومحسن للمزاج لمدة قصيرة –ثلاثة إلى أربعة أشهر– وهذا سوف يعطيك دفعًا معنويًا بيولوجيًا أساسيًا يفيدك كثيرًا.

من أفضل الأدوية التي أراها نافعة في حالتك عقار (سبرالكس) ويسمى علميًا باسم (إستالوبرام) والجرعة المطلوبة أن تتناوليه بجرعة خمسة مليجراما –أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجراما– تناوليها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها عشرة مليجراما يوميًا لمدة شهرين، ثم خمسة مليجراما يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجراما يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك كثيرًا على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً